يسميها أصدقاؤها «الحاجة العزيزة»، وهو اللقب الذي صارت تنادى به منذ أن أدت مناسك الحج، ويتهمها خصومها بنشر الدعارة والكفر، ولكن عائشة الشنا، رئيسة جمعية التضامن النسوي، تفتح هنا قلبها لقراء «المساء» لتروي جوانب مؤثرة من حياتها. - إذن سعيدة لمنبهي، فتحت عينيك على ما يجري في عالم السجن؟ < نعم، فعلى الرغم من أنني لم أكن أقوى على الاقتراب منها في البداية، إلا أنني أؤكد أنه عن طريق سعيدة لمنبهي، علمت بقصة الخادمة السجينة، التي كانت مهددة بدخول عالم الدعارة بعد خروجها من السجن. بدأت أفكر في مخرج. لجأت إلى بعض معارفي من أجل إيجاد حل لهذه الفتاة، وقررنا إدخالها إلى الخيرية على الرغم من أنها تعدت السن القانوني. - بفضل سعيدة لمنبهي إذن اكتشفت أمر الباطرونات داخل السجن؟ < بالفعل، فقد كان عمل الباطرونات متواصلا حتى داخل السجن، إذ كن يتربصن بالسجينات الصغيرات ويهيئن ولوجهن عالم الدعارة بعد انتهاء مدة العقوبة. - هل أخبرت الجهات المسؤولة بالأمر؟ < أكيد، أخبرت المدير بأمر الباطرونات وتربصهن بالفتيات. - وماذا كان رد فعله؟ < رحل إحدى الباطرونات إلى سجن آخر، وبالضبط إلى سجن الصويرة حتى يبعدها عن السجينات الأخريات. وبالفعل، تمكنت من إدخال الفتاة إلى الخيرية، على الرغم من أنني خاطرت بنفسي، إذ أنجزت طلبا على أساس أنها يتيمة. وفي اليوم الذي كانت ستغادر فيه السجن، أدخلت سيارتي الخاصة إلى ساحة السجن وأخرجتها بنفسي حتى لا يعرف أحد وجهتها، وخاصة الباطرونات. دخلت الفتاة الخيرية، وعاشت هناك وتعلمت القراءة والكتابة، حيث كان لها طموح من أجل تغيير حياتها، وتمكنت من الحصول على كناش الحالة المدنية. في تلك الفترة، كان العديد من الأشخاص يلجؤون إلى الخيرية من أجل الزواج، حيث كانت الإدارة تستشير الفتيات الراغبات في الزواج ومن ثم تحيلهن على الأسرة الجديدة. وذات يوم، حضر إلى الخيرية رجل توفيت زوجته، وطلب أن يتعرف على فتاة مؤدبة من الخيرية ليتزوج بها، وعرضت الإدارة الموضوع على الفتاة التي أحضرتها من السجن فقبلت، ومنذ ذلك الوقت فتحت لها أبواب السماء، حيث كان الرجل ميسورا ومن أكبر عائلات الرباط، وعاشت معه حياة أخرى مختلفة تماما عن حياة الحرمان التي عاشتها في مراحل الطفولة. - لكن كيف بدأ اهتمامك بقضية الأمهات العازبات؟ < بدأت حكايتي مع الأمهات العازبات بقصة مؤثرة جدا، وهي من القصص الأولى التي صادفتها في حياتي. كانت الفتاة جميلة وهي ابنة الخيرية، دخلت عالم الدعارة، ومنه وصلت إلى السجن. وذات يوم وجدتها حاملا. واستشرت مع إحدى فاعلات الخير اللواتي أعمل معهن، وقررنا مساعدتها. كان أول تحد واجهناه هو أن نبحث لها عن مكان تعيش فيه بعد خروجها من السجن، حتى لا تعود إلى ممارسة البغاء. قبلت السيدة أن تستقبلها في بيتها إلى أن وضعت. واستمرت الأمور على ما يرام إلى أن هاتفتني السيدة ذات يوم لتخبرني بأنها لدى طبيب الأطفال، حيث ضبطت الأم تحاول خنق ابنها مرتين. خافت السيدة من المشاكل لذلك اتصلت بي، وبعد مدة ستهرب الأم، وبقي الطفل لدى تلك الأسرة إلى الآن، حيث تلقى تربية ووفرت له كل الإمكانات. كانت حكاية هذه الفتاة مؤثرة بالنسبة إلي، فقد عاشت يتيمة ودخلت عالم الدعارة والسجن، وكنت حاولت أن أتصل بعائلتها، وبالضبط بابنة خالتها، من أجل لم شملهم، لكنهم رفضوا. في السجن تعرفت على حالات كثيرة، ضمنها حالة امرأة أنجبت في السجن. أتذكر أنه ليلة الحكم على هذه المرأة، التي قتلت زوجها وأنجبت في السجن، باتت الراهبات يتضرعن لله أن يخفف عنها الحكم، ولما سألتهن كيف يسألن الله أن يخفف عنها وهي التي قتلت زوجها، أجبنني بأنها كانت تعاني معه، حيث كانت هي تشتغل وتعيل الأطفال، فيما كان هو يسرق كل ما تجنيه ويصرفه في الخمر واللهو، وبالإضافة إلى ذلك كان يعنفها، وفي إحدى المرات حاولت الدفاع عن نفسها فقتلته. وأتذكر كذلك أن القاضي شدد الحكم عليها لأنها ضربت الزوج مرتين، فالأولى تعتبر دفاعا عن النفس، والثانية تعد من وجهة القضاء إصرارا على القتل. منذ تلك الفترة، بدأت أفكر بجدية في مواضيع كثيرة، كنت أنتمي إلى جمعيات كثيرة، ولكن لم يتضح لي بعد المسار الذي سأسلكه. - اشتغلت أيضا على قضايا الأطفال المتخلى عنهم؟ < من خلال ترددي على الخيريات، كنت أعاين بعض الملفات التي يسجل فيها اسم الأب على أنه مجهول. أثار انتباهي الأمر، لكنني لم أكن أعي القضية جيدا، وبالتالي بدأت أتساءل عن أصول هؤلاء الأطفال. ذات يوم كان شديد البرودة، دخلت المستشفى ووجدت الأطفال المتخلى عنهم وقد ازرق لونهم. سألت الممرضة عن السبب فأخبرتني بأن أمهاتهم قررن التخلي عنهم، لذلك فهن لا يحضرن معهن ملابس للأطفال عند الولادة. آلمني المشهد كثيرا، وكنت في تلك الفترة على علاقة بمديرة دار الأطفال لالة حسناء. دخلت الجمعية ووجدت المساعدات الاجتماعيات مجتمعات حول صينية شاي، لم أشعر بنفسي إلا وأنا أصرخ وأقول «نتوما هنا دافيين ومخليين الأطفال كايموتو بالبرد»... قلت هذه الجملة وانخرطت في البكاء. فوجئ الجميع بموقفي، وبدأت النسوة يسألنني ماذا يمكن أن يفعلن من أجل هؤلاء الأطفال؟ فاقترحت شراء ملابس لهم كخطوة أولى من أجل وقايتهم من شر البرد القارس.