لأول مرة تتخذ الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري قرارا في حق محطة إذاعية مهتمة بالشأن الرياضي، رغم أن طبيعة الإدانة تتعلق بالشق الفني لراديو مارس، بعد أن خرج مخرج عن النص وراح يحلم برئاسة جمهورية لا وجود لها إلا في عقله الباطن إذا كان له عقل طبعا. أصدرت الهاكا عقوبة تأديبية راعت فيها ظرف التخفيف، وتقرر أن تنصت المحطة لمدة 48 ساعة لعظامها، وتؤدي غرامة مالية وتتعهد بالتزام دفتر تحملات لم يطلع أحد من الصحافيين أو المنشطين. لكن، لينو باكو منشط برنامج «مارس أطاك» كاد أن يجر قبل أيام المحطة إلى المساءلة، حين اتصل به مستمع من المهجر، وقال له على الهواء مباشرة، إننا كمغتربين قررنا عدم زيارة المغرب هذا الصيف، لأن الدولة المغربية لم تشتر حقوق نقل المونديال. رد عليه لينو بهدوء هذا موقف محترم، رغم أنه يعلم علم اليقين حجم الضرر الذي سيصيب ميزانية البلاد إذا امتنع المهاجرون المغاربة عن زيارة بلدهم، لأن عائدات عمالنا وعاطلينا في الخارج تدر على خزينة المغرب العملة الصعبة والسهلة. لم ينبه أحد باكو إلى خطأ مهني قاتل، كاد أن يجره إلى تهمة التحريض على العصيان المدني، لاسيما وأن موقفه يتعارض مع الوصلات الإشهارية التي تردد فيها نجاة عتابو وفوضيل «ما رحبا بيكم في بلادكم»، ووصلات مؤسسة محمد الخامس للتضامن التي ترسم خريطة باحات الاستراحة وتعد العائدين باستقبال رفيع المستوى. المشكلة لا تكمن فقط في مخاطر التواصل المباشر مع المستمعين، وما قد ينجم عنه من خروج على النص، بل في كائنات صحفية تمارس النصب و»الاحتياج» بانتحال صفة إذاعي دون أن تشملها قرارات الهاكا. بعد كل مباراة يتحلق أشخاص يحملون هواتف نقالة حول المدربين واللاعبين والمسيرين بحثا عن تصريحات صحفية، بعضهم يعول على هاتف عاطل لاستدراج ضحاياه بعد أن يختارهم بعناية والبعض يصرف النظر. في إحدى مباريات القسم الثاني، رن هاتف نقال حين كان صحافي مزيف يستخلص تصريحاته من «زبون»، قبل أن يستخلص ثمن الاستضافة الإذاعية نقدا، وتبين أن كلام المسؤول الثائر وانتقاده للوضع الكروي في البلاد لا يتجاوز حدود أنفه. الهاكا مطالبة في الوقت الراهن بتنظيف المشهد الإعلامي من كائنات تتناسل كل يوم، طبعا بتعاون مع السلطات الأمنية والهيئات الصحافية، حتى لا يصبح الهاتف المحمول وسيلة تواصل مع جيوب المسؤولين، لاسيما في ظل تحرير القطاع السمعي البصري. صمت الهاكا امتد إلى التلفزيون، وخصوصا قناة الرياضية، التي لا يمر أسبوع دون أن تسقط في مصيدة العبث، فقد انتظرنا تدخل الهيئة حين استضاف برنامج كلاسيكو نجم الراب البيغ، الذي كان على امتداد دقائق البرنامج يستعمل أردل في قاموس الدناءة من كلمات ساقطة، دون أن يرفع أحد راية الشرود، بل إن البيغ لم يتردد في وصف إحدى الحاضرات ب»الطرف»، بكل ما تحمله الكلمة من إيحاءات جنسية. المخبرون الذين يصغون باهتمام لحوارات السياسيين والمفكرين، لا يعيرون اهتماما كبيرا لكلام الرياضيين، لأنهم يتعاملون مع الوضع بروح رياضية بينما تفضل الهيئةالعمل بمقولة «كم حاجة قضيناها بتركها».