سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الملك راهن على تحرير السمعي البصري وعلى تلفزيون مغربي جديد و«الهاكا» والعرايشي فوتا فرصا تاريخية في ظل ارتباك القطب العمومي وتعثر الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري
شهد المشهد السمعي البصري في العشر سنوات من حكم الملك محمد السادس عدة تحولات أساسية همت تحرير المجال السمعي البصري وإنهاء احتكار الدولة لهذا الفضاء، وتأسيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وإطلاق تراخيص الفوجين من الإذاعة الخاصة هذا فضلا عن تحويل الإذاعة والتلفزة إلى شركة مساهمة، وصولا إلى تشكيل القطب العمومي الذي ضم الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وشركة «صورياد دوزيم». عين محمد السادس شهورا بعد اعتلائه العرش، فيصل العرايشي، الذي كان يرأس شركة «سيغما» لعدة سنوات، مديرا عاما، للإذاعة والتلفزة المغربية، تعيين رآى فيه البعض رغبة الملك في محو الصورة التي التصقت بالإعلام العمومي في العهد القديم، خطوة كانت منطلقا لمجموعة من الإجراءات المهمة على المستوى النظري، على الرغم مما شاب مرحلتها العملية من عوائق. رغبة تحرير الإعلام تصطدم بالخوف من تبعاته شكل صدور الظهير الشريف رقم 1-02-212، بتاريخ غشت 2002 المؤطر لإنشاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، محطة أساسية في تحرير المجال السمعي البصري، الذي تكرس بصدور المرسوم المتعلق بوضع حد لاحتكار الدولة في مجال البث الإذاعي والتلفزي وفتح المجال للمبادرة الحرة في الاتصال السمعي البصري، خطوتان تلاهما إصدار قانون 03-77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري. حدد الظهير الشريف 1-02-212 الأهداف الحقيقية المرجوة من تأسيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وهي الأهداف التي لخصتها المادة الثالثة، في عدة نقط من بينها: إبداء الرأي في كل مسألة تحال على المجلس الأعلى، في ما يتعلق بالمجال السمعي البصري، واقتراح مختلف التدابير على الحكومة، ولاسيما ذات الطابع القانوني ورفع الاقتراح إلى الحكومة بشأن التغييرات ذات الطبيعة التشريعية والتنظيمية والسهر على تقيد جميع السلطات والأجهزة المعنية بالقوانين والأنظمة المطبقة على قطاع الاتصال السمعي البصري وبحث طلبات الرخص بإحداث واستغلال منشآت الاتصال السمعي البصري ومراقبة تقيد هيئات الاتصال بمضمون دفاتر التحملات المصادق عليها. ويناط بالهيئة نظريا السهر على التقيد بتعديد التعبير عن تيارات الفكر والرأي، ولاسيما ما يتعلق بالإعلام السياسي... مع بقاء السؤال حول قيامها أو التزامها مع روح الظهير الشريف المؤسس لها مطروحا في ظل عدة انتقادات. واستكمالا لخطة تأسيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ألغى مرسوم بقانون 663-02-2 الصادر في العاشر من دجنبر من سنة 2002 احتكار الدولة ميدان البث الإذاعي والتلفزي. إصدار القانون السمعي البصري نقطة التحول يعد قانون 03-77، حسب ما جاء في نص الظهير الشريف 1-04-257 الصادر في السابع من يناير من سنة 2005، خطوة متقدمة في المسلسل الهادف إلى وضع الإطار القانوني لتحرير المجال الذي انطلق مع تأسيس «الهاكا» وإصدار قانون بإنهاء احتكار الدولة للبث الإذاعي والتلفزي. ويندرج القانون، في سياق «التحولات العميقة التي تشهدها المملكة المغربية تعزيزا للاختيار الديمقراطي الذي التزمت به وتمتينا لأسس دولة الحق والقانون ولمجال الحريات العامة، في إطار تشييد المشروع المجتمعي الذي يقوده الملك»، يقول نص الظهير. ويهدف القانون إلى النهوض بممارسة حرية الاتصال السمعي البصري وضمان حرية التعبير، الفردية والجماعية والالتزام بأخلاقيات المهنة واحترام حقوق الإنسان بما تحمله من احترام لكرامة الإنسان وللحياة الخاصة للمواطنين والتعددية الفكرية ولمبادئ الديمقراطية. وينص القانون كذلك على دعم وتطوير القطاع العمومي للاتصال السمعي البصري ومده بمقومات الجودة والمنافسة للقيام بمهام المرفق العمومي، ويهدف القانون إلى تحفيز وتشجيع الاستثمار الخاص في هذا القطاع وخلق اتصال سمعي بصري منتج، يشدد على دعم وتطوير الإنتاج السمعي البصري الوطني واحترام القوانين والتنظيمات المتعلقة بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة والحفاظ على التراث الثقافي للأمة. الهيئة أمام اختبار التحرير الحقيقي في ضوء هذه الإجراءات والنصوص، النظرية المشددة على التحرير الحقيقي والفعلي والمؤثر في المجال السمعي البصري، خاضت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تجربتين، أو اختبارين- إن صح التعبير-، في التعامل مع طلبات الترخيص لاستغلال خدمات إذاعية، وتلفزية. فقد رخصت «الهاكا» في ماي من سنة 2006 في دفعتها الأولى لخدمة تلفزيونية واحدة متمثلة في «ميدي آن سات» وعشرة تراخيص خدمات إذاعية من بينها، محطة «هيت راديو» و«كاب راديو» و«أصوات» و«راديو سوا» و«شذى إف إم» و«راديو بلوس»...، وامتنعت «الهاكا»، في دفعتها الثانية عن منح الترخيص لقناتين تلفزيونيتين، بمبررات قالت، الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري حينها إنها متعلقة بضرورة حماية متعهدي المجال السمعي البصري في ضوء الأزمة المالية التي يعرفها العالم، وتضرر القطاع الإشهاري تبعا لذلك، في الوقت الذي رخصت فيه لأربعة متعهدين لاستغلال خدمات إذاعية. خطوة عدم منح «الهاكا»، لتراخيص تلفزيونية جديدة مختلفة عن تجربة «ميدي آن سات» التي أثارت نقاشا حول هويتها ونتائجها، اعتبرها البعض لا تتناغم مع روح، الظهير الشريف المؤطر للقانون السمعي البصري 03 -77، الذي يشدد على تشجيع الاستثمار في المجال السمعي البصري وتطوير المجال، وخلق اتصال سمعي بصري منتج، هذا فضلا عن حاجة التلفزيون المغربي إلى منافسة تطور أدائه. التلفزيون المغربي من الشركة إلى القطب العمومي نتيجة لقانون تحرير المجال السمعي البصري تحولت الإذاعة والتلفزة، المغربية في أبريل من سنة 2005، إلى شركة خاضعة للقانون تحت اسم «الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة» بصفتها شركة مساهمة تملك الدولة كل رأسمالها تطبيقا لقانون 03-77 بغية تمكينها من استقلالية أكبر. وفي هذا السياق، وضعت الحكومة دفتر تحملات يوضح التزامات الشركة الوطنية، التي تضم عدة قنوات (الأولى، الرياضية، الرابعة، السادسة، المغربية، أفلام تي في في ما بعد، الأمازيغية) وتمت المصادقة عليه من طرف الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بتاريخ 4 يناير 2006، وفي هذا الإطار وقعت الشركة عقد البرنامج بموجبه قدمت الدولة دعما ماليا ما بين سنتي 2006 و2008، قدر ب1.725.000.000 درهم مقابل عدة أهداف. وتشكل سنة 2006 محطة أساسية في مسار التلفزيون المغربي من خلال قرار الملك تعيين فيصل العرايشي الرئيس المدير العام للقطب العمومي الذي يضم القناة الثانية التي صادقت «الهاكا» على دفتر تحملاتها في السابع والعشرين من شهر يوليوز من سنة 2005، والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية بجل مكوناتها، قرار خول للعرايشي الحق في إقالة مصطفى بنعلي، المدير السابق لدوزيم، وتعيين سليم الشيخ مديرا عاما، خلفا على رأس دوزيم وتعيين سميرة سيطايل نائبة لسليم الشيخ مكلفة بالأخبار. الهاكا والعرايشي عوائق التحرير والتطوير وإذا كانت روح تشكيل القطب العمومي تندرج في إطار مسلسل لإعادة الهيكلة المؤسساتية والتنظيمية وتوحيد مكونات السمعي البصري العمومي والتنسيق في ما بينها، فإن القطب العمومي المغربي عاش عدة مخاضات عسيرة، من بينها التهديد بإفلاسه المالي في ضوء المشاكل التمويلية التي تعيشها بعض المكونات قبل الإفراج عن قيمة العقد البرنامج المنتظر توقيعه مع الحكومة هذه الأيام، وفي ضوء عدم قدرة القطب على الوفاء بالتزاماته في ما يتعلق بدعم المنتوج المحلي وتشجيع شركات الإنتاج والتعامل معها على قدم المساواة، وعدم قدرتها على منع المتلقي المغربي من السفر إلى فضائيات أجنبية، هذا فضلا عما أثير حول ارتفاع كتلة أجور شركة القطب العمومي الذي جعل وزارة المالية تقدم انتقادها للقطب في عدة مراسلات، هذا دون نسيان الإشارة إلى تراجع عائدات الإشهار ومشاكل في نسبة المتابعة ومشاكل في أشباح الشركة، وعوائق الهيكلة وتفاوت الأجور. ويلاحظ مهتمون أن الإرادة الملكية كانت تراهن على التحرير الفعلي للمجال السمعي البصري وتحسين أداء التلفزيون المغربي من خلال التأشير على خطوة القطب العمومي، إلا أن بعض النقاد رأوا أن «الهاكا» لم تكن في مستوى تطلعات المتتبع لمسار التحرير، حيث كانوا ينتظرون مواليد تلفزيونية وإذاعية تعطي النموذج في التحرير الحقيقي. واعتبر نقاد أن الهاكا فوتت فرصة تاريخية لإعطاء الظهير المؤطر للقانون السمعي البصري والمؤطر لإنهاء احتكار الدولة للفضاء الفاعلية والتأثير، بعدم الترخيص لتلفزيون حقيقي. وأثار البعض نقاشا حادا، حول مسؤولية «الهاكا»عما يحدث داخل القطب العمومي رغم الانتقادات التي وجهها البعض في قبة البرلمان أو عبر الرسائل التي تستقبلها «الهاكا» إلى أداء العرايشي وإدارته، وهو ما اعتبره المنتقدون صمتا ملتبسا ينطوي على كثير من الأسئلة حول علاقة العرايشي بأحمد غزالي، الرئيس المدير العام للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري الذي آن الأوان لتغيير بعض أعضائه بتغير الخريطة السياسية الوطنية.