ظل المجال السمعي البصري المغربي محكوما لعقود طويلة بنص قانوني يعود إلى سنة 1924 كان يتعلق أساسا بالبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، وذلك لظهور الإذاعة المغربية بين أحضان الإدارة التي كانت تشرف على هذا الأخير، مما استلزم تعميم المقتضيات القانونية التي كانت تحكمه على الإذاعة، ثم على المجال السمعي البصري برمته في ما بعد، نظرا لغياب نص خاص بالمجال المذكور. غير أن ظهور البرامج التلفزية الأجنبية على الشاشة الصغيرة المغربية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات فرض على السلطات العمومية ضرورة التفكير في التأطير القانوني للقطاع السمعي البصري، وخاصة عندما ظهرت الصحون المقعرة وما أثارته من نقاشات حول فرض الضريبة عليها انتهت إلى صرف النظر عن ذلك. لقد دفعت التحديات الخارجية وإكراهات القطاع الداخلية على المسؤولين والفاعلين فيه إلى النظر للموضوع والحقل الإعلامي السمعي البصري برؤية جديدة، تستحضر المعضلات التي يحياها الحقل المذكور في عدد من المستويات، التنظيمية منها والقانونية أو البشرية، رؤية تمخضت عنها مناظرة وطنية للإعلام والاتصال سنة 1993 حيث أكد الملك الحسن الثاني رحمه الله، في رسالته للمناظرة، على ضرورة إحداث هيأة عليا للإعلام المغربي، مما اعتبر إشارة قوية ورغبة في وضع قطاع الإعلام السمعي البصري على سكة التغيير والتطوير. المناظرة المشارإليها خلصت إلى عدد من التوصيات تهم كل مكونات الإعلام الوطني، وأوكل إلى لجنة انبثقت من المناظرة نفسها تتكلف بمهمة متابعة التوصيات. ورغم ذلك بقي إصلاح القطاع السمعي البصري يراوح مكانه نظرا لطبيعة المرحلة السياسية، التي فصلت فترة ما بين سنة 1993 وسنة 1996سماها البعض مرحلة البحث عن أسس الانتقال الديمقراطي والتهييء لمرحلة ما يسمى بالتناوب، وفي 28 فبرايرسنة 1996 قدم وزير الاتصال يومها أمام مجلس الحكومة توصيف لوضعية القطاع وبعض المقترحات لأجل تأهيل الإعلام العمومي بشكل خاص . وقد تعالت بعد ذلك الأصوات المطالبة بإنهاء احتكار الدولة للإعلام العمومي وضرورة تحريره وتأهيله ليواكب مرحلة ما يسمى بالتناوب السياسي، مطالبات جعلت موضوع إصلاح قطاع الإعلام السمعي البصري في صلب النقاش السياسي، ودفع الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الوزير الأول يومها إلى تشكيل مجموعة عمل تكلفت بإعداد تقرير حول الاستراتيجية المتعلقة بإصلاح القطاع السمعي البصري، بعد رصد مظاهر الضعف والقوة في الإعلام الوطني بالمقارنة مع الخارج. بعد ذلك أكد خطاب العرش لسنة 2001 العزم على تأسيس جهاز خاص يسهر على التطبيق السليم لقانون وأخلاقيات المهنة النبيلة للإعلام والاتصال، مع الحرص على حرياتها وتعددياتها. من جهتها تعهدت حكومة التناوب في التصريح الحكومي بإصلاح الإعلام وترجمة توصيات المناظرة الأولى للإعلام والاتصال إلى حيز الوجود، وهو ما لم يتم بإقرار عدد من المهنيين والممارسين بالقطاع المعني. التعهد نفسه أخذته حكومة إدريس جطو على عاتقها تنزيلا للتوجيهات الملكية بخصوص إصلاح قطاع الإعلام لكي يسهم في تمتين المسلسل الديمقراطي المغربي. وبعد هذا المسار الطويل خرج إلى الوجود جديدان شكلا محطات أساسية في تاريخ الإعلام الوطني، ويتعلق الأمر بالهيأة العليا للاتصال السمعي البصري التي أعلن عنها جلالة الملك محمد السادس. ومرسوم القانون القاضي بإنهاء احتكار الدولة في ميدان البث الإذاعي والتلفزيوني الذي خضع لنقاش مطول تحت قبة البرلمان. ويراهن المهنيون والمشتغلون في الإعلام السمعي البصري كثيرا على الهيأة المذكورة، نظرا لأهميتها من جهة، ولكون ذ. عبد السلام اخشيشن الذي عينه جلالة الملك على رأسها من أهل الدار، وأدرى بشعابها، يعول عليه في أن يفعلها، بحيث تقوم بدورها في إعادة هيكلة المجال السمعي البصري بشكل إيجابي ومنتج، والسهر على احترام التعدد والتنوع، والحرص على الجودة في سوق التنافس الإعلامي العالمي الشرس، في إطار يحترم قيم البلاد الثقافية والحضارية. يشار إلى أن وزارة الاتصال نظمت بتاريخ 21 و22 أبريل 2003 يومين دراسيين حول وسائل الإعلام الديمقراطية والتنمية، رهانات الإصلاح. إعداد أبو بكر الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري التشكيلة والاختصاصات نصت المادة 2 من الظهير الشريف رقم 212,02,1 الصادر في 22 من جمادى الآخرة 1423 (31غشت2002) القاضي بإحداث الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري على أن هذه الأخيرة تتكون من المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، ومن المديرية العامة للاتصال السمعي البصري، ونقدم في ما يلي طبيعة تشكيلة المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، واختصاصاته تشكيلة المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري يتكون المجلس الأعلى للاتصال تبعا للمادة 6 من الظهير المشار إليه أعلاه من تسعة أعضاء، يتولى الملك تعيين الرئيس وأربعة أعضاء منهم، ويعين الوزير الأول عضوين من التسعة، لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، فيما يعين كل من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين عضوا لنفس المدة قابلة للتجديد مرة واحدة، ويؤدي الجميع القسم بين يدي الملك على أن يقوموا بمهامهم بصدق وأمانة، وأن يزاولوها بكل تجرد ونزاهة، في التزام تام بالظهير المحدث للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري ولا تجوز المادة 7 من الظهير المذكور الجمع بين مهام العضوية في المجلس وبين أي انتداب انتخابي أو منصب عام أو أي نشاط مهني دائم يدر ربحا، باستثناء مهام الأستاذ الباحث في الجامعات أو المؤسسات العليا لتكوين الأطر، كما لا تجوز لهم تقاضي أي أجرة، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، باستثناء الأجرة الممنوحة عن الخدمات المقدمة قبل الشروع في مزاولة مهامهم. ولا تسمح المادة نفسها لأعضاء المجلس أن يتوفروا على مصالح في منشأة تابعة لقطاع الاتصال، ولا أن يتخذوا أي موقف علني بخصوص القضايا التي يبت فيها المجلس أو التي سبق له البت فيها، أو التي يمكن أن تحال إليه في إطار ممارسة مهمته. وقد ألزمت المادة 8 من الظهير المحدث للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري بكتمان السر المهني في ما يخص الوقائع والأعمال والمعلومات التي يمكن أن يطلعوا عليها أثناء مزاولتهم لمهامهم. وتعتبر المادة10 من الظهير المذكور رئيس الهيأة العليا بحكم وضعيته المالية الإدارية في حكم عضو بحكومة جلالة الملك. اختصاصات المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري حددت المادة الثالثة من الظهير المشار إليه للمجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري الاختصاصات التالية: 1 إبداء الرأي في كل مسألة تحال إليه من لدن الملك فيما يتعلق بقطاع الاتصال السمعي البصري 2 رفع الاقتراحات للملك بشأن اختيار الشخصيات التي يرجع أمر تعيينها إليه فيما يخص المهام والمناصب العامة التي تناط بهم ممارستها على رأس الهيئات العامة المتدخلة في المجال السمعي-البصري 3 إبداء الرأي للبرلمان والحكومة في كل قضية يحيلها إليه الوزير الأول أو رئيسا مجلسي البرلمان، فيما يتعلق بقطاع الاتصال السمعي- البصري 4 إبداء الرأي وجوبا للوزير الأول بشأن مشاريع القوانين أو مشاريع المراسيم المتعلقة بقطاع الاتصال السمعي- البصري، قبل عرضها على المجلس الوزاري 5 إبداء الرأي وجوبا لرئيسي مجلسي البرلمان بشأن مقترحات القوانين المتعلقة بقطاع الاتصال قبل عرضها على المجلس المعني بالأمر 6 اقتراح مختلف التدابير على الحكومة ولاسيما منها التدابير ذات الطابع القانوني التي تمكن من ضمان التقيد بالمبادئ الوارد بيانها في ديباجة وأحكام الظهير المؤسس 7 رفع الاقتراح إلى الحكومة بشأن التغييرات ذات الطبيعة التشريعية والتنظيمية التي يستلزمها التطور التكنولوجي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لأنشطة قطاع الاتصال السمعي- البصري 8 السهر على تقيد جميع السلطات والأجهزة المعنية بالقوانين والأنظمة المطبقة على قطاع الاتصال السمعي - البصري 9 بحث طلبات الرخص بإحداث واستغلال منشآت الاتصال السمعي- البصري، تبعا للإجراءات القانونية والتنظيمية المعمول بها ومنح الرخص المتعلقة بذلكن وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. 10 منح الرخص باستعمال الموجات الراديو- كهر بائية التي تخصصها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات لفائدة قطاع الاتصال السمعي - ا لبصري، ولهذه الغاية يؤهل المجلس عند الحاجة لإحداث لجنة للتنسيق مع الهيئات العامة الأخرى المكلفة بإدارة طيف الموجات ومراقبته 11 مراقبة تقيد هيئات الاتصال السمعي - ا لبصري بمضمون دفاتر التحملات وبصفة عامة تقيدها بالمبادئ والقواعد المطبقة في القطاع 12 المصادقة على دفاتر التحملات الخاصة بالشركات الوطنية للاتصال السمعي - ا لبصري العام ومراقبة التقيد بها 13 السهر على التقيد بتعددية التعبير عن تيارات الفكر والرأي ولاسيما ما يتعلق بالإعلام السياسي، سواء من قبل القطاع الخاص أو من القطاع العام لاتصال السمعي - ا لبصري.ولهذه الغاية يوجه المجلس اتبعا للفترات التي يحددها إلى الحكومة وإلى رئاسة مجلسي البرلمان والمسؤولين عن الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والغرف المهنية الممثلة بالبرلمان، بيان المدة الزمنية التي استغرقتها مداخلات الشخصيات السياسية والنقابية أو المهنية في برامج أجهزة الإذاعة والتلفزة ويجوز له بهذه المناسبة إبداء جميع الملاحظات التي يرى فيها فائدة 14 السهر على التقيد بالنصوص التشريعية والتنظيمية التي تحدد القواعد والشروط المتعلقة بإنتاج وبرمجة وبث الفقرات المتعلقة بالحملات الانتخابية التي يتعين التقيد بها من لدن هيئات الاتصال بالقطاعين العام والخاص 15 السهر على تقيد أجهزة الاتصال السمعي خالبصري بالنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في ميدان الإشهار ولهذه الغاية يمارس المجلس بجميع الوسائل الملائمة، مراقبة كيفية برمجة الفقرات الإشهارية التي تتولى بثها هيئات الاتصال السمعي- البصري التابعة للقطاع العام أو المستفيدة من سند للاستغلال أيا كان نوعه في إطار هذا القطاع 16 المعاقبة على المخالفات المرتكبة من لدن هيئات الاتصال السمعي-البصري أو تقديم اقتراح بشان العقوبات المترتبة عنها إلى السلطات المختصة وفقا للتشريع الجاري بها العمل ولدفاتر التحملات ذات الصلة 17 سن المعايير ذات الطابع القانوني أو التقني المطبقة لقياس عدد المتابعين لبرامج منشآت الاتصال السمعي-البصري هذا ويمكن للمجلس الأعلى للاتصال السمعي-البصري وفقا للماد4 من نفس الظهير أن يتلقى من المنظمات السياسية أو النقابية أو الجمعيات المعترف لها بصفة المنفعة العامة، شكايات متعلقة بخرق أجهزة الاتصال السمعي-البصري للقوانين أو الأنظمة المطبقة في القطاع، كما يمكنه أن يبدي الرأي في شكايات في نفس الموضوع قد تحيلها عليه السلطة القضائية، ويجوز له هو الآخر أن يحيل على السلطات المختصة أمر النظر في الممارسات المخالفة للقانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة. يشار إلى أن الملك أكد في مستهل الظهير للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري على وجوب ضمان الحق في الإعلام كعنصر أساسي لحرية التعبير عن الأفكار والآراء ولا سيما عن طريق صحافة مستقلة وبوسائل سمعية-بصرية يمكن أن تتأسس، ويعبر من خلالها بكامل الحرية، وبواسطة مرفق عام للإذاعة والتلفزة قادر على ضمان تعددية مختلف تيارات الرأي في دائرة احترام القيم الحضارية الأساسية والقوانين الجاري بها العمل في المملكة.