في 13 يناير سنة 2007، أصدرت مجموعة " الإختيار الأمازيغي" أرضية فكرية تضمنت ما يمكن اعتباره خارطة طريق للمستقبل النضالي للحركة الأمازيغية… وكان ذلك إسهاما مهما في إطار دينامية نضالية أمازيغية بأفق سياسي وثقافي اتخذ الهوية مطلبا وقضية ورافعة. ذلك أن الأرضية المذكورة انتبهت في تلك المرحلة التي سبقت المقتضى الدستوري لسنة 2011 إلى ضرورة التمييز في الفعل النضالي بين المطالب الظرفية والمطالب الإستراتيجية… والحال أن الحركة الأمازيغية أخطأت الطريق، لأنها لم تنتبه فعليا لهذا التمييز، وراهنت على تحقيق مطالب حقوقية وثقافية دون أن تسائل السياق السياسي والإختيار الإيديولوجي للدولة المغربية. وهكذا بدا أن دستور 2011، الذي أعلن الأمازيغية لغة رسمية، شكل انتصارا مهما حقا، لكنه اتضح بعد ذلك أنه انتصار ظرفي أضعف الفاعل الأمازيغي وأصابه بالصدمة، وشتت الفعل النضالي منذ تلك اللحظة رغم كل المكاسب التي حققتها الأمازيغية في هذا البلد. وفي الوقت الذي كان يفترض في هذا الفعل النضالي أن يتطور ويتجدد ويستوعب الواقع الجديد الذي أفرزه دستور 2011، بدا واضحا أن مكونات الحركة الأمازيغية لم تتمكن من استثمار لحظة ودلالات الترسيم، وظلت في حالة صدمة الدهشة التي جعلتها عاجزة عن التصرف واتخاذ القرار، كما أنها لم تنجح في تجديد خطابها وآليات اشتغالها، ولم تحدد لها أفقا استراتيجيا واضحا لمواجهة تحديات ما بعد الترسيم. وهو ما تجلى في استمرار سلوك النضال المطلبي في الوقت الذي كانت فيه المرحلة الجديدة تقتضي امتلاك قوة اقتراحية بل وتقريرية أيضا للانتقال إلى مستوى الفعل لا الإنفعال. وهكذا تغير حال الأمازيغية نظريا، لكنه تراجع عمليا. أما خطاب الحركة الأمازيغية فقد ظل وفيا للنضال المطلبي عبر العرائض والمراسلات والوقفات الإحتجاجية في مواجهة مظاهر التضييق التي ظلت تعترض طريق أجرأة المقتضى الدستوري والقوانين التنظيمية. لقد شكلت أرضية "الإختيار الأمازيغي" لحظة نقدية أساسية في مسار الفعل النضالي الأمازيغي، لأنها نبهت الفاعلين والنشطاء في تلك المرحلة إلى ضرورة التأسيس لدينامية جديدة تنبني على صياغة مشروع مجتمعي يتضمن موقفا واضحا ورؤية موحدة للحركة الأمازيغية من المسألة الديموقراطية وإعداد التراب وقضايا المجتمع الاقتصادية والثقافية والقيمية، بالإضافة إلى مكانة المغرب الدولية. لكن نضالات الحركة لم تلتفت لهذا المقترح، واستمرت على نفس النهج الذي بدت معه المطالب متعددة ومشتتة، وبدون سقف نهائي. وهو ما لم يسمح لها بأن تطرح بوضوح قضية الهوية في علاقتها بالسلطة السياسية… ومازال هذا "الخلل التنظيمي" الذي تم تشخيصه في تلك الأرضية قائما حتى الآن. لذلك فإن تصحيح المسار أصبح اليوم مطلبا ملحا أكثر من أي وقت مضى، وذلك من أجل تجاوز الأخطاء وتجديد الخطاب والقطع مع السلوك المطلبي الإنفعالي. دواعي هذا الكلام تتصل بموعد 20 أبريل الذي ستعود فيه الدينامية الإحتجاجية إلى الواجهة، حيث اختارت مجموعة من الفعاليات الأمازيغية هذا التاريخ بحمولته الوجدانية الرمزية موعدا لتنظيم مسيرة وطنية بمدينة مراكش في الذكرى الخامسة والأربعين للربيع الأمازيغي الذي يؤرخ لحراك احتجاجي بطولي من أجل الهوية بتيزي وزو سنة 1980… واختيار هذه الذكرى لتنظيم المسيرة الإحتجاجية يحمل عددا من الرسائل المهمة للذوات الأمازيغية المناضلة وللرأي العام الوطني والإقليمي وللدولة والحكومة على السواء… وهو ما من شأنه أن يشكل بداية لمرحلة جديدة في التعاطي مع الجمود الذي يعرفه واقع الأمازيغية. هذه المبادرة الاحتجاجية من شأنها إذن؛ أن تعيد الفعل الأمازيغي إلى سكته الصحيحة بعدما تم تعويمه وتشتيته خلال السنوات الأخيرة. فمسيرة 20 أبريل تحمل رسالة خاصة للفعاليات الأمازيغية مفادها أن الوقت قد حان لتوحيد الصفوف ومواجهة تحديات المرحلة المقبلة، خصوصا بعدما تحولت الأمازيغية في السنوات الأخيرة؛ عند البعض؛ إلى وسيلة للاسترزاق والتفاوض الشخصي من خلال التماهي مع مشهد حزبي وسياسي موجه لا يمتلك الإرادة الطيبة ولا القرار الفعلي في الإنتقال بالأمازيغية إلى الوضع الذي تستحقه في هذا البلد… أما رسالة " ثافسوت ن إيمازيغن" للرأي العام الوطني فتتمثل في كون الحركة الأمازيغية ليست منفصلة عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية للمغاربة، فهي تتأسس على ثوابت مرجعية تجعل الأرض ومن يعيش فوق هذه الأرض في صلب اهتماماتها. لذلك ينبغي أن لا تتخلف عن احتضان واعتناق قضايا المجتمع في كل المجالات… ثم إن اختيار زمان ومكان المسيرة يذكر بأن هذا البلد هو جزء من فضاء جغرافي أوسع على امتداد شمال إفريقيا… الحكومة معنية بدورها بهذه الرسائل، وهذا لا يرتبط فقط بإجراءاتها في ما يتعلق بتنزيل القانون التنظيمي للأمازيغية، بل يرتبط أيضا بملفات حقوقية واجتماعية تطرح نفسها بقوة في النقاش العمومي. واختيار مدينة مراكش له رمزيته ودلالته على هذا المستوى، حيث تستحضر "ثافسوت ن إيمازيغن" معاناة ضحايا زلزال الحوز، وذلك للتعبير عن رفض التعامل الرسمي مع هذا الملف في ما يتعلق بوتيرة إعادة إعمار المناطق المنكوبة. الرسالة الأهم في هذا السياق هي تلك التي ينبغي أن تلتقطها الدولة، فالمصالحة الهوياتية تقتضي أن تنسجم السلطة مع الأرض التي يستمد منها الشعب هويته. ولأن هذه الأرض أمازيغية، فإن كل من يقطنها أمازيغي بالضرورة. لذلك فإن هذا الإنسجام يقتضي الإقرار بأمازيغية الدولة أيضا بمنطق جغرافي وليس إثنيا أو عرقيا. وهو ما يعني كتابة تاريخ البلد من جديد من أجل إعلاء الموروث الحضاري لهذا الشعب، وجعله مرجعا قيميا للخصوصية المغربية وإطارا مشتركا لتدبير الاختلاف والتعددية.