إن ظهور الحركة الأمازيغية إبان الإستقلال الشكلي الذي عرفه المغرب والذي سماه محمد بن عبد الكريم الخطابي بالإحتقلال لم تكن نتيجة الصدفة، بل كانت ضرورة حتمية لظهور مثل هكذا حركة من أجل إعادة الإعتبار للإنسان الأمازيغي وفضح كل السياسات التي إعتمدتها الدولة المخزنية بعد معاهدة "إكس لبان" الخيانية التي باع فيه أصحاب "اللطيف" المغرب للقوى الإستعمارية في الوقت الذي كان فيها جيش التحرير المغربي يخوض معاركه الشهيرة ويلقن الدروس للقوى الإمبريالية محاولا بذلك إجلاء كل جيوش الإستعمار من الأراضي المغربية وتحريرها دون قيد أو شرط، وذلك نهجا لموقف الأمير "مولاي موحند" الذي قال من البداية أن "من ينتزع بالأفعال لا يرد بالأقوال، وإنما يرد بالأفعال". وهكذا إستطاع أصحاب "اللطيف" تسلم السلطة من فرنسا وحلافائها وتقلدوا زمام الأمور بعد خروج الجيوش الإستعمارية من المغرب – وليس سياستهم – معتمدين في ذلك على سياستهم البربرية التي حاولت إقصاء كل ما هو أمازيغي، ونتيجة هذا كانت من الضرورة ظهور مثل هكذا حركة من أجل إعادة الإعتبار لكل ما هو وطني حقيقي بعيدا عن الإنسلاخ الفكري والثقافي والهوياتي الذي إعتمدته إديولوجية الدولة المخزنية إبان الإحتقلال في التعليم والإعلام وكل مؤسساتها...الخ. هكذا ظهرت الحركة الأمازيغية باعتبارها حركة إحتجاجية من خلال مجموعة من التيارات مختلفة من الجمعيات والتنسيقيات... الخ، رافعة مجموعة من المطالب التي ترى فيها الحركة على أنها مطالب ديمقراطية ومشروعة، بل وجود مطالب لدى الحركة لا توافق تصورات السلطة السياسية المخزنية وتضرب في شرعيتها، وهذا ما سيجعلها تصطدم مع النظام المخزن مما سيؤدي إلى تضييق على عمل الحركة الأمازيغية من طرف هذا الأخير، وما الأنشطة التي كانت تمنعها الدولة على الجمعيات الأمازيغية من الندوات والقمع الذي تتعرض له إحتجاجاتها، لتنتقل إلى التهديدات والمتابعات البوليسية والإستنطاقات والإعتقالات...الخ، وما إعتقال مناضل علي صدقي أزايكو نتيجة مقال كتبه تحت عنوان "من أجل فهم حقيقي لهويتنا الوطنية"، وكذا إعتقال مناضلي جمعية "تيرلي" نتيجة رفع لافتة مكتوبة بحروف "تفيناغ" لا خير دليل على أن النظام المخزني يتعامل مع القضية الأمازيغية بالإقصاء والتهميش بدل التعامل بالواقعية والموضوعية مع مثل هكذا قضية ديمقراطية وعادلة. لكن رغم كل هذا لم يستطيع النظام المخزني أن يمنع من إنبثاق خطاب أمازيغي ينشد إنصاف الأمازيغية في الحياة العامة، وتنبذ المخططات التعريبية للحضارة الأمازيعية الضاربة في جذور التاريخ، وإذا كان طريق النضال الأمازيغي لم يكن مفروشا بالورود فإن ذلك لم يمنع عن الحركة الأمازيغية من صياغة تصور متكامل ومطالب ديمقراطية واضحة، متسلحة في ذلك بخطاب حداثي ينبد الإقصاء والتهميش ويؤسس لدولة المواطنة بدل دولة الأشخاص والرعايا. هكذا إستطاعت الحركة الأمازيغية بلورت مطالب ديمقراطية وعادلة لشعب الأمازيغي، على رأسها مطلب دسترة اللغة الأمازيغية في دوستور ديمقراطي شكلا ومضمونا والإعتراف بالهوية الأمازيغية للمغرب، ثم مطلب إعادة كتابة التاريخ المغربي خاصة وتاريخ شمال إفريقيا عامة بأقلام وطنية نزيهة وموضوعية، ومطلب إنشاء معاهد مستقلة للنهوض بالأمازيغية...الخ. وبالتالي لم يكن للنظام المخزني من بديل أمام تنامي المطالب الداعية إلى إنصاف القضية الأمازيغية والتي زكتها على مستوى الدولي تقارير المحتشمة عن الوضع الحقوقي بالمغرب. لذلك كان أول ردود أفعال مباشرة للنظام المخزني على شكل إستجابة لهذه المطالب من الطرف الملك الحسن الثاني بإعتباره الفاعل الرئيسي داخل النظام السياسي المغربي، وهكذا سيقر من خلال وعده في خطاب "ثورة الملك والشعب" سنة 1994 إدراج الأمازيغية في التعليم للإستئناس بها من أجل تسهيل على التلاميذ الذين لديهم صعوبة في التعلم اللغة العربية، وكذا إدراج الأمازيغية في الإعلام من خلال تخصيص حيز للأمازيغية في الإذاعة والتلفزة من خلال نشرة اللهجات التي يتم تقديم فيها الأخبار ب (الريفية، تشلحيت، السوسية)، إلا أن هذه الإستجابة رأت فيها الحركة الأمازيغية إحتقارا للغة الأمازيغية من خلال نعتها باللهجة في مقابل اللغة. وصولا إلى سنة 2001 وفي إطار سياسة ردود الأفعال دائما للنظام المغربي تجاه الأمازيغية سيقف محمد السادس في خطاب أجدير ليعترف بالأمازيغية والذي سيأسس من خلاله "المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية"، لكن قبل الحديث عن المعهد وما حققه حتى هذه الظرفية دعونا نطرح بعض تسائلات: لماذا جاء هذا الخطاب في هذه الظرفية بالذات؟ وهل كانت لدى النظام المخزني إرادة حقيقية للإعتراف بالأمازيغية أم هو خطاب حاول من خلاله وقف الزحف الأمازيغي الذي كان يتجه في تنظيم مسيرة "توادا" وذلك بالتنسيق بين التنظيمات الأمازيغية على مستوى الوطني، وكذا مع الإطارات الأمازيغية على مستوى الجزائر؟ وما مصير الحركة الأمازيغية والخطوات النضالية التي كان مقبلين على تنظيمها بعد هذا الخطاب؟ وهل نجح المخزن في وقف هذا الزحف وإحتواء المناضلين الأمازيغيين من خلال مؤسسة "لركام"؟ إن الإجابة عن مثل هكذا أسئلة سيبين حقيقة هذا الخطاب في هذه الظرفية بالذات وسيفضح التعامل البرغماتي للملك محمد السادس مع القضية الأمازيغية. أما الحديث عن مؤسسة "لركام" والفصول التي نص عليها، فلا شيئ تحقق على أرض الواقع من غير إحتواء المناضلين الأمازيغيين وإعتقال الأمازيغية داخل أصوار هذه المؤسسة المخزنية، فلا إدراج الأمازيغية في التعليم والمؤسسات العمومية ولا ضمان إشعاعها في الفضاء الإجتماعي والثقافي والإعلامي كما نص على ذلك "الفصل الثاني من خطاب أجدير"، ولا إعداد برامج للتكوين الأساسي والمستمر لفائدة الأطر التربوية الذين تقتضي مهنتهم إستعمال اللغة الأمازيغية، كما ينص على ذلك "الفصل الخامس من خطاب أجدير". لماذا إذن لم تنجز هذه المهام التي حددها ظهير أجدير ولم تحقق الأهداف التي رسمها ونص عليها؟ إذن من خلال هذا نخلص أن هذا الخطاب لم يحقق شيئ يذكر على أرض الواقع للأمازيغية، ما عدى تلميع صورة النظام السياسي المغربي أمام المنضمات الحقوقية الدولية، وهذه هي سياسة المخزن الذي عودتنا بمثل هكذا خطاب وبمثل هكذا شعارات ومؤسسات...الخ، لكن عندما نقارن فعاليتها على مستوى الواقع بدل النظري لا شيئ يذكر ولا شيئ تحقق، حتى وإن كان على مستوى النظري إعترف بالأمازيغية فتبقى بلا جدوى إن لم تأخذ القضية الأمازيغية في شموليتها كلغة، تاريخ، ثقافة، قيم، حضارة وهوية. نفس السياسة البرغماتية سيتعامل بها النظام المغربي مع ترسيم اللغة الأمازيغية في دستور 2011 الذي نص على أن "الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة" مقيدة بالقانون التنظمي (الفصل الخامس). مع العلم أننا كإمازيغن أبدا ما كنا نطلب بالأمازيغية في مثل هكذا دستورالذي تتمركز فيه السلطة في يد شخص واحد، هو المشرع والقاضي والمنفذ وهو الذي يرسم كل السياسات الإستراتيجية للدولة أما باقي المؤسسات الأخرى ما هي إلا مؤسسات إستشارية لا تمتلك أي سلطة ولا يمكن أن تتحرك بدون الضوء الأخضر من المؤسسة الملكية. يجب أن يعرف الكل أن إشكاليتنا كإمازيغن لا تتمثل في وجود الأمازيغية في الدستور أو لا وجود لها في هذا الأخير، وإنما إشكاليتنا هي الديمقراطية، نحن نريد الديمقراطية نريد الدستور الديمقراطي يؤسس لدولة المواطنة والمواطنين بدل دولة المؤمنين والأشخاص والرعايا، وبالتالي لا جدوى لترسيم الأمازيغية في مثل هكذا دستور الذي رفضناه من البداية. وهذا الترسيم ما هو إلا محاولة لفرملت المطالب الحقيقة لإمازيغن والترسيم الحقيقي للأمازيغية وما هو إلا محاولة تشتيت مطالب إمازيغن لحث الأحزاب على إقحام الأمازيغية في برامجهم الإنتخابية ومشاريعهم الحزبية الضيقة. فكيف يمكن أن ترسم الأمازيغية في دستور يحمل لغة مستفزة لإمازيغن من قبيل مفاهيم "المغرب العربي" و"الإنتماء العربي" و"العالم العربي" و"الأمة العربية"؟ فمن يكون إمازيغن من داخل هذا الإنتماء؟ هل هم أقلية توافدت من خارج هذه الرفعة الجغرافية التي تعرف بشمال إفريقيا -تامازغا- أم هذا الخطاب يحاول من خلاله النظام المغربي تزكية الأطروحات القومية بالأصل العربي لإمازغن؟ إن الإستجابات البرغماتية وردود الأفعال المباشرة للنظام المغربي في تعامله تجاه القضية الأمازيغية لا تخدم أبدا القضية الأمازيغية إن لم تكن هناك إرادة سياسية حقيقية، وإن لم تأخذ القضية الأمازيغية في شموليتها بعيدا عن إحتواء القضية وعن نهج سياسة الهروب إلا الأمام بدون تحقيق أي شيئ يذكر على أرض الواقع إلا إستغلال القضية الأمازيغية لتسويق الخارجي وتلميع صورة المغرب أمام المجتمع الدولي، بالهوية الأمازيغية ما زالت مهمشة والمناطق الأمازيغوفونية لم تستفيد من برامج التنمية والإنسان المازيغي محروما من حقه في إختيار الأسماء الأمازيغية لأبنائه بالرغم من الإعتراف بالأمازيغية (خطاب أجدير) وبالرغم من ترسيم الأمازيغية (دستور2011)، وهذا إن دل على شيئ فهو يدل على أن النظام المخزني المغربي ليست لم أي إرادة حقيقية للإعتراف بالأمازيغية كلغة وتاريخ وثقافة وحضارة وهوية...الخ، بل هي مجرد سياسة ينهجها تجاه الأمازيغية لخدمة مصالحه في الداخل والخارج.