منذ تأسيسها إلى اليوم أصدرت الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري قرارات وعقوبات زاجرة اتجاه بعض الاختلالات الصادرة من طرف بعض الهيات الإذاعية والتلفزية ذات طابع أخلاقي-قيمي وإشهاري-اقتصادي، كان آخرها القراران المتعلقان ببرنامج اسمع اسمع الذي تبثه إذاعة شدى اف ام و برنامج ليبر اونتين على إذاعة هيت راديو. مبدأ التقويم ومهما يكن من اختلاف في المعالجة، فيرى مراقبون أن قرار الهاكا يهدف إلى تقويم وتصحيح الأخطاء التي قد تقع في مسار الحقل الإذاعي والتلفزي ببلادنا كما وقع لإذاعة هيت راديو التي اعترفت إدارتها بخطئها في بيان لها. وقد أكد المجلس الأعلى على مبدأ الحرية في التعامل مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية والفكرية من طرف المتعهدين، لكن شريطة أن تمارس هذه الحرية في ظل احترام الكرامة الإنسانية والقيم الدينية والنظام العام والأخلاق العامة التي تضمن تماسك الأسرة والمجتمع ككل والحفاظ على الفئة الناشئة. ومن الأكيد أن المقاربة الإصلاحية هي الفلسفة المؤطرة لجل قرارات المجلس الأعلى الذي اتخذ أحيانا قرار التحذير قبل الجزر. الحدث واتخذت الهاكا خلال سنتين ما يقارب عن خمسة إجراءات تحذيرية وعقابية بخصوص بعض التجاوزات التي عرفها الحقل الإذاعي و التلفزي ببلادنا. وهكذا فقد سبق أن أصدرت الهيأة قرارا يوم 3 أكتوبر 2007 تحت رقم 0725 لمنع وصلة إشهارية لمنتوج ْمههفش أدرجتها قناتي الأولى والثانية . وجاء في بيانها حتتضمن لقطات تعطي للقاصرين مثالا خاطئا على طريقة تعاملهم إزاء أساتذتهم داخل المؤسسات التعليمية، ويضيف البيان حنفس اللقطات تشجع على عدم الاحترام الواجب اتجاه هيئة التدريس، لاحتوائها على عناصر من شأنها استغلال قلة تجربة وسذاجة الأطفال والمراهقين. كما فرضت الهاكا عقوبة في حق هيت راديو لصاحبها يونس بومهدي، وذلك لإخلاله الصريح بالتزاماته المتعلقة بالتحكم في البث خلال حلقات أيام 2 و5 و6 نوفمبر 2007 من برنامج بث حر الذي يعتمد على النقاش مع جمهور ناشئ، حول قضايا حساسة اجتماعيا وثقافيا مثل استهلاك المخدرات والكحول والخيانة الزوجية والاغتصاب والشذوذ الجنسي. و قد اعتبر هذا القرار الأول من نوعه للهاكا واعتبر القرار المذكور بأن النقاشات الني بثت خلال حلقات البرنامج السالفة الذكر تكشف عن خلل واضح في التحكم في البث وعن استخفاف غير مقبول في معالجة المتعهد للمواضيع المثارة ومس بكرامة بعض المشاركين وعن استهانة بالتأثير المحتمل لهذه النقاشات على المستمعين عموما وعلى المستمعين الشباب المستهدفين من طرف البرنامج على وجه الخصوص. وتشتمل العقوبة التي فرضتها الهاكا على الإذاعة المذكورة على عقوبة مالية قدرها مائة ألف درهم درهم وعلى إنذار وعلى بث نص قرار الهاكا خلال برنامج بث حر بالإضافة لعقوبة تأديبية لإخلالها بالتحكم في البث وبالأخلاقيات. وفي 24 شتنبر 2008 أصدرت الهاكا قرارا آخرا يقضي بمعاقبة المتعهد هيت راديو بعد معاينة المخالفات المرصودة في حلقات برنامج ليبر اونتين خلال شهر غشت التي تضمنت حوارات ذات طبيعة بورنوغرافية تخل صراحة بالأخلاق العامة، وتحريض منشطي البرنامج وبدون تحفظ وبطريقة متكررة على هذه الحوارات، حيث أمرت بوقف بث الخدمة هيث راديو المغرب على الشبكة الأرضية و على شبكة الانترنيت كل يوم من الساعة الثامنة مساء إلى الساعة العاشرة ليلا لمدة 15 يوما بدون انقطاع، مع بث البلاغ مباشرة. من جهة أخرى اصدر المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري بتاريخ 24 شتنبر 2008 قرارا يقضي بمعاقبة المتعهد شدى راديو فيما يخص برنامج اسمع اسمع الذي في إحدى حلقاته خالف الفصل 9 فقرة 3 من القانون الذي ينص على أن لا يكون من شان اي برنامج تمجيد مجموعات ذات مصالح سياسية أو عرقية أو اقتصادية أو مالية أو إيديولوجية أو خدمة مصالحها، حيث اعتبرت الحلقة شكلا من أشكال الدعاية غير المعلنة لصالح منعش عقاري مجموعة الضحى. و جاءت العقوبة مالية قدرها 53,000درهم، مع وقف بث خدمة شدى اف ام على الشبكة الهرتزية الأرضية و الانترنيت كل يوم من الساعة 12 زوالا إلى الساعة 1 بعد الزوال سبعة أيام دون انقطاع ابتداء من اليوم التالي من اصدار البلاغ. تأخر العقوبة لكن من جهته قال يحيى اليحياوي المختص في الإعلام والتواصل في تصريح لالتجديد: أنا أتصور أن العبرة ليست بحجم ومستوى العقوبة بقدر ما هي بمبدأ العقوبة في حد ذاته، وتحديدا في الجانب الزجري للحيلولة دون تكرار ما وقع. فالمهم هو إعمال مبدأ العقاب كأداة ردع في المستقبل، سيما وأن المجال سيفتح أكثر فأكثر. كما أشار إلى نقطة هامة تخص المذيعين أو الإعلاميين قائلا: من جهة أخرى فإن المفروض أن يخضع الصحفيون لدورات تدريبية ترفع من منسوب الوعي لديهم، بأن الانفتاح ليس معناه الفوضى، وحرية التعبير ليس معناها التجاوز على المشترك الجمعي، وعلى أخلاقيات مهنة نريد أن ترسم وتحترم. وفيما يخص تأخر الهاكا في اتخاذ القرارات حيث لا يتسنى ذلك إلا بعد تذمر وشكاية المستمعين، يقول اليحياوي: لا تزال الهاكا مقصرة في دورها وعقابها غالبا ما يأتي متأخرا، فيبدو ولكأنه لتصحيح واقع حال قائم عوض استشرافه، وهذه لربما من نقائص النص المؤسس لها. أما فيم يخص التجاوزات التي تقع في الإشهار والتي يشتكي منها المواطن المغربي، قال اليحياوي: إن حقل الإشهار بالمغرب لا يزال يتلمس طريقه. فهو غير مقنن بما فيه الكفاية، ولا يخضع لتقاليد محددة، على اعتبار أن المغرب لم يبدأ إلا مؤخرا في اكتشاف السوق واقتصاد السوق. الإشهار لا يتماهى دائما مع الإعلان، إنه ثقافة أيضا وأخلاقا واحتراما للمنافسة. مضيفا:العديد من المقاولات إما لا تزال توزع الإشهار على مزاج مديرها العام دون قيد أو شرط، أو أن هؤلاء يتطاولون على مجموعة من القيم للترويج لسلعهم وخدماتهم، الغاية هنا تبرر الوسيلة بنظرهم. التربية أولا من جهة أخرى يرى شكيب بنعمر ممثل الهيأة الإذاعية والتلفزي في الائتلاف الثقافي والفني بالمغرب، انه إذا كانت الإشكالية المطروحة هي أخلاقية فيما يخص تجاوزات الإذاعتين، فاللجوء إلى القانون التنظيمي هو لجوء أساسي. لكنه عقب على قرار الهاكا قائلا: لا يمكن أن يزدهر الإعلام أو الثقافة بدون حرية أو ديمقراطية، ومسار الديمقراطية الذي نسير فيه لابد أن تشوبه أخطاء عملية ومهنية وأخطاء صادمة أحيانا يجب التعامل معها بتروي. لذلك في نظر بنعمر أن المعالجة يجب ألا تكون زجرية و إنما إصلاحية بعبارة أخرى يجب على الهاكا أن تأخذ بعين الاعتبار المرحلة الانتقالية التي يمر بها الحقل السمعي البصري فأي قرار زجري يجب أن يكون متفهما للمرحلة حتى تستمر عملية إصلاح الإعلام. و شدد بنعمر على أن دور الهاكا يجب أن يكون تربويا أكثر منه زجريا خصوصا مع الطاقات الشابة التي تطمح إلى التجديد والإبداع و العطاء والتي تحتاج إلى الأرضية التربوية والقيمية الصحيحة الصلبة والتي تحتاج أيضا أن نقبل أخطائها ونقومها حتى تنجح في مسارها.