سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اليزيد الراضي: على مؤسسة الإفتاء الموجودة في كل المجالس العلمية تحمل مسؤولياتها رئيس المجلس العلمي المحلي لمدينة تارودانت قال إن الفتوى ليست كلمة تقال وإذا تدم الإنسان يمكن أن يزيلها ويزيل أثرها
- لماذا عقد ندوة حول الفتوى اليوم؟ أليست هذه مبادرة متأخرة للمجلس العلمي الأعلى كان يجب أن يقدم عليها قبل مدة طويلة؟ هذه الندوة فرضتها ظروف المرحلة الراهنة التي يمر منها المغرب، لأنه من الفتوى يأتي الخير للأمة، وتحتاج استقامة الفتوى وانضباطها إلى أمرين هامين، الأمر الأول هو احترام النصوص الشرعية واحترام المقاصد الشرعية، وهو ما عبرت عنه الندوة في شعارها حول الضوابط الشرعية، رب فتوى لا تلتزم بالضوابط الشرعية لا تمتلك المصداقية الكافية ولا تملك المشروعية، ومن تمة لا تقبل ولا تسهم في إفادة الحياة وترقيتها نحو الأفضل، والشرط الثاني هو أن تتجاوب الفتوى مع متطلبات الواقع، لأن المفتي الذي يتجاهل الواقع وربما لا يعرفه لا يمكن أن يصدر فتوى مناسِبة للأمة تريحها وتعبِّد الطريق أمامها وتأخذ بأيدي الأمة للتقدم إلى الأمام، فإذا جمعت الفتوى بين هذين الأمرين نجحت ووفقت ونفعت، وإذا تجاهلت أحد هذين الأمرين أو تجاهلتهما معا، لن تكون ناجحة ولن تكون مفيدة، وإنما ترهق الأمة وتزرع البلبلة في صفوفها، ولذلك ونظرا إلى أهمية هذين الأمرين، اختير هذا الموضوع، فهو موضوع كبير يحتاج إلى مدارسة وتأمل، ولهذا كان اختيار تنظيمها في يومين كاملين. - كل هذا الكلام عن أهمية الفتوى وخطورتها في المغرب جيد، إلا أن الملاحظ أن هناك جمودا من هذه الناحية، والهيأة المختصة التابعة للمجلس التي يفترض أن تقوم بدورها لا تقوم به، بدليل أن الفتوى الشهيرة الموعود بها منذ سنوات عن المعاملات البنكية، بعد الضجة حول فتوى القرضاوي، لم تصدر بعد، ما رأيكم في هذا الأمر؟ أنا لا أسمي هذا جمودا وأفضل أن يتريث المفتي، ولو كان مؤسسة، وأن يحيط بالموضوع من كل جوانبه، قبل أن يصدر الفتوى، لأن الفتوى ليست كلمة تقال ثم بعد ذلك إذا ندم الإنسان يمكن أن يزيلها ويزيل أثرها، ولذلك خير للفتوى أن يتريث المفتي، ولو كان المفتي جماعة، وأن يدرس الموضوع بدقة وأن يستعين بالخبراء إذا اقتضى الحال، ولذلك فإن الذين لا يقدرون خطورة الفتوى ولا يعرفون مسؤولياتها ومشاكلها قد يقولونإنه قد طال الأمد أكثر من اللازم. - ولكنْ ألا ينطبق هذا التريث على رد المجلس على فتوى القرضاوي في وقتها، لماذا كان الاستعجال في الرد ثم التريث في إخراج الفتوى بعد ذلك؟ بالنسبة إلى الرد الذي أذيع ونشر فهو ليس فتوى وإنما هو تنبيه على خطأ شخص، مهما كانت قيمته العلمية، تحدث عن المغرب وتجاهل أن في المغرب علماء هم أَولى الناس بالحديث عن شؤونه، هذا هو موضوع البيان، أما الفتوى فهي لم تمس الموضوع لا سلبا ولا إيجابا، لأن هذا الموضوع غير مطروح للنقاش، ولكن الموضوع الذي طُرح بالفعل للنقاش بإلحاح هو لماذا تحدث هذا الإنسان، رغم وزنه العلمي ووزنه العالمي إن شئنا، عن المغرب وكأنه ليس فيه أي عالِم؟... كان عليه أن يقول إن شؤون المغاربة يعرفها المغاربة، لأن «أهل مكة أدرى بشعابها».. هذا هو سبب ذلك الرد السريع، أما الفتوى فهي، إلى حد الساعة، لم تدرس ولم تناقش وربما ليس في نية المجلس العلمي أن يناقشها، والفتوى ليست في هذا الموضوع بالذات بل في موضوع عام هو المعاملات البنكية، وهو موضوع مطروح على الساحة، لأنه أولا، قبل أن أقول إن هذا الامر يجوز أو لا يجوز، يجب أن أعرف ماذا يجري، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره كما يقال، والبنوك، إلى حد الآن، لا تعط أسرارها، ولا تقول ماذا يقع بالضبط، والفقيه لا يستطيع أن يجيب إلا إذا كانت جميع الحيثيات واضحة أمامه. - نلاحظ أن هناك حالة من الفوضى والتسيب في مجال إطلاق الفتاوى، ما رأيكم في هذه الظاهرة؟ حقيقة، هناك تسيب بالفعل، خاصة بعد أن تكاثرت الفضائيات وبعد أن أصبحنا نسمع مثل هذا العنوان «فتاوى على الهواء»، مع العلم بأن الفتوى لا تصدر من دولة إلى أخرى ولا من شرق إلى غرب أو من غرب إلى شرق، لأن الفتوى تتقيد بظروف الزمان والمكان، وما يكون صالحا للمشارقة قد لا يكون كذلك بالنسبة إلى المغاربة، والعكس صحيح.. ويرى البعض ممن لا خبرة لهم بشؤون الفتوى أن هذه الفتاوى في الفضائيات تحل المشكل، والحق غير ذلك، خاصة وأن المفتين في الفضائيات ليسوا كلهم على علم تام بما يُفتون فيه وليسوا كلهم على علم بالواقع الذي يفتون فيه، ومن الشروط الضرورية في الفتوى أن نراعي العادة والعرف والبيئة بمعناها العام. - لكن هذا أمر واقع اليوم، ومهما تحدثنا لن نقضي على هذه الظاهرة التي هي في تزايد مستمر، وهناك هيئات علمية على المستوى الإسلامي، هل ترون مثلا أن مثل هذه الهيئات لا بد أن تعالج هذه الظاهرة من خلال قرارات أو توصيات، خاصة وأن الأمر لا يخص قطرا دون آخر؟ بالنسبة إلى الفتوى بشكل عام، يجب أولا إقناع الناس بأن الفتوى لا تصدر من مكان إلى مكان، بل تتقيد بظروفها الزمانية والمكانية، والأمر يحتاج إلى توعية، وعندما يقتنعون لن نجدهم بعد ذلك يوجهون الأسئلة من الشمرق إلى المغرب أو العكس، لأنهم يعلمون أن الفتوى لا تصدر من مكان إلى مكان وأن لكل دولة ظروفها، ونحن نعرف أن الإمام الشافعي رحمه الله عندما كان في العراق كان لديه مذهب فقهي، وعندما انتقل إلى مصر غيَّر كثيرا من مذهبه، بسبب تغيُّر ظروف الزمان والمكان، لذلك يجب إقناع الناس بهذا، وبعد ذلك لا بد لمؤسسة الإفتاء، التي انبثت في كل مجلس علمي، أن تملأ الساحة حتى لا يشعر الناس بالفراغ.. فالطبيعة تكره الفراغ، لأن الإنسان عندما يسأل هنا ولا يجد من يجيبه قد يوجه سؤاله إلى خارج الوطن، ولذلك لا بد أن يتحمل العلماء في المجالس العلمية المحلية مسؤولياتهم، لأن هذه هي الأسئلة التي تطرح بكثرة، أما ما يهم هيئة الإفتاء الملحقة بالمجلس العلمي الأعلى فهي خاصة بما له صبغة عامة، والأمور التي لها صفة عامة محدودة بالمقارنة مع الفتاوى الخاصة.