بعد قرابة شهر من انعقاد أشغال الدورة العاشرة للمجلس العلمي الأعلى، أعلن هذا الأخير عن تنظيم ندوة علمية في موضوع الفتوى بين الضوابط الشرعية والتحديات المعاصرة، وذلك نهاية هذا الأسبوع بمركز الندوات التابع لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين بالرباط. ويأتي تنظيم هذه الندوة في الوقت الذي احتدم فيه النقاش حول الفتوى ودورها في المجتمع وفي ظل هجوم على فتاوى يصفها البعض بأنها تتناقض مع المنطق، فيما ينفي المنظمون أن يكون الجدل الدائر حول الفتوى هو الذي دعا المجلس إلى تنظيم هذه الندوة، مؤكدين على أنه نشاط عادي وجزء من برنامج لجان المجلس العلمي الأعلى. ويشارك في هذه الندوة العلمية 19 مشاركا من داخل المؤسسة العلمية وخارجها، وسيفتتحها كل من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية والكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى. وتتوزع الندوة على أربعة محاور أساسية تهم الفتوى والضوابط الشرعية، تنظيم الفتوى والاجتهاد المؤسسي، الفتوى وحركة التمدن والمتغيرات الاجتماعية والفتوى في مجال الأسرة والأقليات المسلمة. من جهته أوضح الدكتور سعيد شبار عن اللجنة التحضيرية أن الندوة تنقسم إلى قسمين، الأول يهم تعريف الضوابط الشرعية للفتوى، ومعنى ذلك حماية الفتوى من التسيب والارتجال، ومن أن يتطرق إليها من ليس له دراية وإلمام بالعلوم الشرعية، موضحا في تصريح لالتجديد أن مسألة الضوابط مهمة في جعل الفتوى في السياق الشرعي المنضبط الملتزم المتقيد بضوابط الشرع، فيما يهم القسم الثاني من اللقاء جعل هذه الفتوى مواكبة للتحديات المعاصرة، مشيرا إلى أنه لا معنى لأن يبقى الإفتاء منحصرا في الأشكال القديمة دون أن يكون له حضور ومواكبة للمستجدات والتحديات المعاصرة، فالعالم المفتي والفقيه المفتي - بحسب شبار - لابد أن يكون حاضرا في مكانه وزمانه ومتابعا للنوازل والمستجدات التي تعرض بين الفينة والأخرى، سواء كانت قضايا عامة أو خاصة. وأضاف شبار أن الندوة التي ينظمها المجلس العلمي الأعلى تحاول أن تحيط بموضوع الفتوى من كل جوانبه أولا من جهة التحسيس بأهمية الإفتاء، واعتبار أن منصب الإفتاء منصب شرعي كبير ينبغي أن يقدر حق قدره من الجهات التي تقوم به، ومن جهة أخرى التأكيد على أن الفتوى مواكبة شرعية للمجتمع والنوازل والتحديات المعاصرة المختلفة. وأكد شبار على أن موضوع الفتوى متعدد الواجهات والجبهات، ولكن قبل ذلك كله لابد أن يكون للإفتاء ضوابطه الشرعية التي تحميه من كل تشويش، خصوصا ونحن نعلم أن منابر الإفتاء أصبحت متعددة ومفتوحة أمام الجميع، ويمكن للمرء أن يسمع عشرات ومئات الفتاوى في اليوم من مختلف المذاهب والمرجعيات والحساسيات، معتبرا أن هذا أمر خطير لأنه يشكل وعيا وقناعات قد لا تكون هي القناعات المطلوبة والوعي المطلوب الذي تريد المؤسسة العلمية من خلاله أن تثبت اختيارات معينة في بلدنا. وشدد شبار على أن عملية الافتاء يجب أن تكون محلية تراعي الاختيارات الوطنية؛ على اعتبار أن الفتوى في بعد من أبعادها هي بناء للوعي ولثقافة شرعية تنسجم مع اختيارات وثوابت البلد، وكذا سد منافذ الفراغ التي يمكن أن ترد منها فتاوى لا تتفق مع هذه الاختيارات والثوابت. وحول تزامن الفتوى مع الجدل الدائر بين عدد من الجهات حول الموضوع، قال شبار إن الندوة ليست استجابة لنقاش كان دائرا على الصعيد الوطني بين بعض الفعاليات والحساسيات في موضوعات معينة، مشيرا إلى أن هذا جزء من الأنشطة الثابتة والقارة التي ينظمها المجلس الأعلى وتختارها اللجنة المتخصصة في الأبحاث والدراسات، مشيرا إلى أن هذا الجدل لن ينتهي، وسيظل دائما هناك خلاف بين الآراء على الساحة الوطنية في بعض القضايا الجزئية. ونبه شبار إلى أن القضايا العامة التي تهم الشأن الوطني يكون الإفتاء فيها موكولا إلى الجهة الرسمية المتخصصة في الافتاء وهي الهيأة العليا المكلفة بالافتاء. وكان الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى محمد يسف قد جدد التأكيد في حوار مع إحدى الجرائد الوطنية أخيرا على أن الهيئة العليا للإفتاء التابعة للمجلس تختص بالنظر في القضايا التي تهم الشأن العام، أما ما يخص حياة الأشخاص في عبادتهم ومعاملتهم وسلوكهم، فإن النظر فيها يعود إلى لجن الإرشاد في المجالس العلمية المحلية، موضحا أن الفتوى هي الإخبار بالحكم الشرعي لا على وجه الإلزام، وهي من الوظائف الأساسية لعلماء الشريعة يمارسها من له مؤهلاته. ويشارك في الندوة التي تستمر على مدى يومين عدد من العلماء والباحثين وهم محمد الروكي، زيد بوشعراء، الحسين آيت سعيد، محمد المصلح، عبد القادر بطار، عمر بنعباد، الحسن العبادي، عبد الحميد عشاق، عز الدين المعيار الإدريسي، سعيد بيهي، محمد التاويل، اليزيد الراضي، الجيلالي لمريني، الشيخ عبد الله أبو عطاء الله (بلمدني)، الناجي لمين، الحبيب التجكاني، مصطفى بنحمزة، السعدية بلمير، محمد العمراني الكدي.