"الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة" إصدار جديد للشاعرة مريم كرودي    18 قتيلا و2583 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    وهبي: بابي مفتوح للمحامين ومستعد للحوار معهم أمام البرلمان.. "يقولو ليا غي شنو بغاو"    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعاً بريدياً تذكارياً بمناسبة الذكرى العاشرة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر                الأحمر يغلق تداولات بورصة الدار البيضاء    أخنوش: خصصنا في إطار مشروع قانون المالية 14 مليار درهم لدينامية قطاع التشغيل    قرض ب400 مليون أورو لزيادة القدرة الاستيعابية لميناء طنجة المتوسط    جدل في البرلمان بين منيب والتوفيق حول الدعوة ل"الجهاد" في فلسطين    التجمع الوطني للأحرار يستعرض قضايا الصحراء المغربية ويشيد بزيارة الرئيس الفرنسي في اجتماع بالرباط    أنفوجرافيك | أرقام رسمية.. معدل البطالة يرتفع إلى 13.6% بالربع الثالث من 2024    إسبانيا تواصل عمليات البحث وإزالة الركام بعد أسبوع من فيضانات    تحقيقات جديدة تهز كرة القدم التشيلية    بن صغير يكشف أسباب اختياره للمغرب    كَهنوت وعَلْموُوت    التساقطات ‬المطرية ‬أنعشت ‬الآمال ..‬ارتفاع ‬حقينة ‬السدود ‬ومؤشرات ‬على ‬موسم ‬فلاحي ‬جيد    رئيس الحكومة يستعرض إنجازات المغرب في التجارة الخارجية    "روائع الأطلس" يستكشف تقاليد المغرب في قطر    بنعلي.. الوزارة ستواصل خلال سنة 2025 العمل على تسريع وتطوير مشاريع الطاقات المتجددة    وزارة الاستثمار تعتزم اكتراء مقر جديد وفتح الباب ل30 منصب جديد    إسرائيل تعين يوسي بن دافيد رئيساً جديداً لمكتبها في الرباط    الاحتقان يخيم من جديد على قطاع الصحة.. وأطباء القطاع العام يلتحقون بالإضراب الوطني    مستشارو فيدرالية اليسار بالرباط ينبهون إلى التدبير الكارثي للنفايات الخضراء و الهامدة بالمدينة    "متفجرات مموهة" تثير استنفارًا أمنيا في بولندا    فن اللغا والسجية.. المهرجان الوطني للفيلم/ جوائز المهرجان/ عاشت السينما المغربية (فيديو)    الأرصاد الجوية تتوقع ارتفاع الحرارة خلال الأيام القادمة في المغرب    غير بعيد على الناظور.. حادث سير مروع يخلف عشرة جرحى    حقيقة انضمام نعية إلياس إلى الجزء الثالث من "بنات للا منانة    لهذه الأسباب.. الوداد يتقدم بطلب رسمي لتغيير موعد مباراته ضد اتحاد طنجة    أولمبيك أسفي يوجه شكاية لمديرية التحكيم ضد كربوبي ويطالب بعدم تعيينها لمبارياته    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو    صاعقة برق تقتل لاعبا وتصيب آخرين أثناء مباراة كرة قدم في البيرو    دقيقة صمت خلال المباريات الأوروبية على ضحايا فيضانات فالنسيا        آس الإسبانية تثني على أداء الدولي المغربي آدم أزنو مع بايرن ميوني    الانتخابات الأمريكية.. نحو 83 مليون شخص أدلوا بأصواتهم مبكرا    وزيرة التضامن الجديدة: برنامج عمل الوزارة لسنة 2025 يرتكز على تثمين المكتسبات وتسريع تنفيذ إجراءات البرنامج الحكومي    ترامب يعد الأمريكيين ب"قمم جديدة"    هاريس تستهدف "الناخبين اللاتينيين"    استنفار أمني واسع بعد العثور على 38 قذيفة في ورش بناء    على بعد ثلاثة أيام من المسيرة الخضراء ‮ .. ‬عندما أعلن بوعبيد ‬استعداد ‬الاتحاد ‬لإنشاء ‬جيش ‬التحرير ‬من ‬جديد‮!‬    تصفيات "كان" 2025.. تحكيم مغربي المباراة نيجيريا ورواندا بقيادة سمير الكزاز    افتتاح النسخة الثانية من القافلة السينمائية تحت شعار ''السينما للجميع''    «حوريات» الجزائري كمال داود تقوده الى جائزة الغونكور    نوح خليفة يرصد في مؤلف جديد عراقة العلاقات بين المغرب والبحرين    دروس وعِبر للمستقبل.. الكراوي يقارب 250 سنة من السلام بين المغرب والبرتغال‬    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بسف: لن يهدأ بال العلماء حتى يعود المغرب كما بدأ، سنيا
نشر في الأحداث المغربية يوم 09 - 05 - 2010

يؤكد محمد يسف الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى في هذا الحوار، على أنه تم ، بعد ربع قرن من الممارسة، فك الإرتباط بين السلطة الإدارية والسلطة العلمية، بعدما كان أصغر موظف بالإدارة، «بإمكانه أن يتعسف كما يشاء على المجالس العلمية» ، مضيفا أن إحداث المشيخة المؤسساتية «يدخل ضمن إجراءات تحصين الذات وحمايتها، وتطهير الفضاء الديني من ذرائع الغزو الخارجي، والعمل على محاصرة منابعه وتجفيفها» وإذا كان عمر المؤسسة العلمية يناهز ثلاثة عقود مند إنشائها عام 1981 إلى الآن، «فإن قوتها وحضورها حضورا ذا أثر لم يظهر إلا في السنوات الأخيرة». ويعرف يسف الفتوى على أنها «الإخبار بالحكم الشرعي لا على وجه الإلزام » مشددا على أن هيئة علمية للإفتاء تابعة للمجلس العلمي الأعلى «تختص بالنظر في القضايا التي تهم الشأن العام، أما ما يخص حياة الأشخاص في عباداتهم ومعاملاتهم وسلوكهم، فإن النظر فيها يعود إلى لجن الإرشاد بالمجالس العلمية المحلية».
* قليل من المغاربة يعرفون المجلس العلمي الأعلي والمجالس العلمية المحلية ، ففي أذهانهم يتلخص تدبير الشأن الديني في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، ما هو موقعكم المؤسساتي في منظومة المؤسسات الدينية بالمغرب؟
** للناس عذرهم في هذا الاعتقاد، ففي وقت سابق كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، باسطة سلطتها على المؤسسة العلمية بشكل ذهبت معه هيبة العلم ووقار العلماء، حتى إن أصغر موظف بها كان بإمكانه أن يتعسف كما يشاء على المجالس، دون أن يخشى ملامة، وقد دام هذا السلوك قرابة ربع قرن من الزمن، فلا عجب أن يحار الناس ويلتبس عليهم الأمر، وتذهب الظنون بهم كل مذهب.
الأمر يختلف اليوم اختلافا كبيرا بعد أن ضبط أمر المؤسسة العلمية بظهير شريف، وبقوانين منظمة حددت الحدود، وأوضحت المسالك، فلا تبعية، ولا وصاية، ولا اغتصاب لسلطة العلماء في مجال اختصاصاتهم.
ويرجع الفضل في تيسير هذا الانتقال الهادي، وفك الارتباط بين السلطة الإدارية والسلطة العلمية للسيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الحالي الأستاذ أحمد التوفيق، الذي أظهر من الحرص على استقلالية المؤسسة العلمية ما سيبقى شاهدا على حسن فهمه لتطبيق التوجيهات السامية لأمير المومنين.
* أدت هيمنة المشيخة الخارجية من جهة والمشيخة الفردية المحلية من جهة ثانية في المغرب إلي خلق بوادر فتنة دينية تطلبت التدخل لإرساء مرجعية شرعية مغربية، هل تسمح لكم قراءة تجربة المجالس العلمية بالقول إن المغرب انتقل من هيمنة المشيخة الخارجية والفردية إلى إرساء نظام مشيخة وطنيية مؤسساتية؟
** قبل أن يتم إرساء قواعد المشيخة المؤسساتية على ضوابط ضابطة، وأسس ثابتة، كانت هذه المشيخة قائمة في شخص شيخ رمز أهله رسوخه العلمي، لأن يتبوأ منصة المشيخة العلمية وأقر له بذلك أقرانه من علماء طبقته، وشيخ الجماعة هذا كما كان يسمى في المشيخة القديمة، لم يكن بالذي ينفرد باتخاذ القرار العلمي، بل كان حوله صفوة من خيرة أهل العلم والفضل، يتم إشراكهم في النظر والاجتهاد.
ولم يخل عصر من عصور تاريخنا من رجال تألق نجمهم في سماء العلم، والورع، والتقوى، والنزاهة، والمصداقية، ارتفعوا فيها عن كل شبهة، أدركوا ما أدركوه من المجد العلمي بفضل عصاميتهم وتجردهم وإخلاصهم في الطلب والتحصيل، وبفضل المعاهد والجامعات العريقة ذات الشهرة الواسعة، والصيت البعيد، كجامعة القرويين بفاس، وجامعة ابن يوسف بمراكش، وغيرهما من المعاهد والمدارس العلمية التي كانت المشيخة تصنع في أروقتها.
وعندما أصاب هذه المؤسسات ما أصابها من التوعك والتعب العلمي، انعكس ذلك سلبا على المشيخة التي تراجعت بشكل ملموس، وانطفأ أو كاد إشعاع مدرسة الغرب الإسلامي في العلوم الشرعية عامة، والفقهية بوجه خاص، ولاسيما فقه المدرسة المالكية التي كانت جامعة القرويين صانعة رموزها، ولولا أن أمير المومنين المغفور له الحسن الثاني، تنبه لحالة الاحتضار فأدركها وهي في الرمق الأخير، باتخاذ عدد من الإجراءات الإحيائية، لكانت الآن في خبر كان، ومن هذه الإجراءات:
إنشاء دار الحديث الحسنية بالرباط لبناء جيل من علماء الشريعة يكونون نواة لتجديد شباب المشيخة؛
ومنها كرسي الدروس الحسنية الرمضانية الذي أصبح جامعة عالمية يتعاقب على منصتها كبار علماء الإسلام من مشارق الأرض ومغاربها، على اختلاف تخصصاتهم ومناهجهم، وتنوع ثقافتهم، وفي هذا المشهد يتجلى وقار العلم وجلاله بما يضفي عليه حضور أمير المومنين ورئاسته الفعلية لحلقاته؛
ومنها: إحداث شعب للدراسات الإسلامية بكليات الآداب والعلوم الإنسانية.
هذا إلى الجهود الطيبة التي بذلت من أجل إعادة الاعتبار لجامعة القرويين.
كل ذلك أسهم في إنعاش الثقافة الشرعية إلى حد ما.
وأثناء الانشغال بتفعيل الإجراءات المستعجلة هبت على جسم الأمة الذي ضعفت آليات المقاومة فيه، رياح تحمل في طياتها بذور مذاهب وأفكار غريبة عن معتقد أهلنا وما ألفوه في تدينهم وعبادتهم ومعاملاتهم، وأخذ التشكيك في ثوابت الأمة ومقدساتها واختياراتها يعلو صوته، وبدا وكأن المغرب أمسى قاب قوسين أو أدنى من فقدان هويته الدينية التي تزعزعت الأرض من تحت أقدامها، إذ كان هذا الوافد الغريب يتغذى بإمدادات نشطاء من خريجي مدارس المشرق الذين أقبلوا إلى المغرب بحمولاتهم الفكرية المناهضة للثوابت، وتمركزوا في جامعاتنا يصنعون أطر الثقافة الوافدة بل بدأت جامعاتنا نفسها تنتج الفكر الوافد، وتمكن له في أرضنا، وبدأت خصوصيات المغرب في التدين تتساقط تباعا تحت ضربات الفكر الخارجي.
* رفع عدد المجالس العلمية إلي ما يقارب الثمانين مجلسا وأحدث مجلس للجالية المغربية بالخارج، لكن المراقبين يلاحظون أن المجالس لاتتمتع بمرونة وسرعة الندخل في القضايا التي تطرح في فضاءات النقاش العمومي وتحتاج فصلا دينيا ممن لهم الاختصاص والأهلية.
** إن إحداث المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية بالمملكة يعد حدثا من أهم الأحداث الكبرى التي شهدها عصر الحسن الثاني، في مجال إصلاح الشأن الديني وتأهيله، كما يعد شاهدا على عبقرية هذا الملك الذي كان يملك بصيرة نافدة وقدرة خارقة على توقع ما يمكن أن يحدث قبل حدوثه.
ويدخل إحداث المشيخة المؤسساتية ضمن إجراءات تحصين الذات وحمايتها، وتطهير الفضاء الديني من ذرائع الغزو الخارجي، والعمل على محاصرة منابعه وتجفيفها.
ولئن كان عمر المؤسسة العلمية يناهز ثلاثة عقود مند إنشائها عام 1981 إلى الآن، فإن قوتها وحضورها حضورا ذا أثر لم يظهر إلا في السنوات الأخيرة، ومرد ذلك إلى سوء فهم المقاصد الحسنية فهما صحيحا مما أفضى إلى تجميد المؤسسة العلمية وشل حركتها، حتى كاد الرأي العام أن يفقد أمله فيها، فكان على العلماء أن ينتظروا بصبر وتحمل زهاء ربع قرن مجيء عهد محمد السادس ليجدد هيكلتها، ويكسبها من المناعة ما تستطيع به أن تقلع إقلاعا حقيقيا.
فمنذ عام 2004 تحركت سفينة المؤسسة العلمية على نحو جيد، حركة واضحة الأهداف والمقاصد، وخلال هذه الفترة تعززت قدرتها العلمية بعلماء وعالمات، لهم ولهن حضور متميز في محيطهم الاجتماعي، وامتدت شبكتها امتداد أطراف المملكة، بل تجاوزت حدود الوطن لتواكب حركة الإنسان المغربي المسلم المتقلب في أرض الله بحثا عن رزقه، إذ في ظرف خمس سنوات فقط، ارتفع عدد المجالس من تسعة عشر إلى ثلاثة وثمانين مجلسا، وهكذا يمكننا أن نعتبر عام 2004 عام إقلاع حقيقي للمؤسسة العلمية، حيث بدأ تصحيح صورة المجلس العلمي المحلي في مجتمعه الذي يعيش فيه، وأخذ الناس يسمعون صوته، ويشاهدون صورته، ويحسون حركته.
*هل يخضع اختيار العلماء لاعتبارات أمنية وإدارية أم أنكم أرسيتم قواعد نظام معياري آخر في الاختيار؟ وإلى أي حد تواجهون خصاصا في العثور على العلماء القادرين علي النهوض بالتصور الجديد لإصلاح الشأن الديني؟
** لقد كان لاختيار العنصر البشري اختيارا صحيحا أثر قوي في إحداث التواصل، إذ لم يتحكم في الاختيار عنصر آخر سوى الكفاءة العلمية، والقناعة برسالة العلماء، والعمق الشعبي، والمصداقية، والوفاء للثوابت العقدية والمذهبية وللخصوصية المغربية، ولنظام المغرب السياسي: إمارة المومنين، القائمة على البيعة الشرعية من لدن أهل الحل والعقد في الأمة.
وهكذا تم بناء المشيخة العلمية المؤسساتية التي هي في واقع الأمر امتداد للمشيخة الأولى، باعتبار هذه أنسب وأليق بعصر المؤسسات، وإننا نحس أن هذه المشيخة قد حددت أهدافها ورسمت معالم طريقها، ورتبت أولويات برنامج عملها.
ومن ضمنه تنقية بؤر الشغب على العقيدة والمذهب والخصوصية، ولن يهدأ بال العلماء حتى يعود المغرب كما بدأ، سنيا، أشعريا، مالكيا، جنيديا، في ظل الإمامة العظمى.
*الفتوى مثلا، أنجزتم فيها عملا مهما يجعلها آلية مؤسساتية لملاءمة النص الديني مع مستجدات العصر، لكن إلي أي حد نجحتم في منافسة الفتاوي الني يسعى الناس في طلبها من خارج المؤسسة العلمية؟
** الفتوى هي الإخبار بالحكم الشرعي لا على وجه الإلزام وهي من الوظائف الأساسية لعلماء الشريعة، يمارسها من له مؤهلاتها.
وغالبا ما كان العلماء يعزفون عن الإفتاء، إلا إذا تعين في حقهم، ولم يجدوا منه مهربا.
وعادة الناس في أمر الفتوى أنهم يقصدون فيما نزل بهم من نوازل عالما يعرفونه ويثقون بعلمه وورعه وتقواه ولا يتعدونه إلى غيره.
وإذا كان المفتي في بعض البلدان الإسلامية تعينه السلطة الحاكمة، ويكون المخول وحده للإفتاء الشرعي، فإن المغرب لم يعرف هذا النوع من المؤسسات في سالف أيامه، وإن كان بعض اعلامه قد صدرهم علمهم وسلوكهم إلى هذا المقام دون تعيين رسمي.
ولما اختلط الحابل بالنابل، وقام في كل ناد مفت يفتي، وتعددت كراسي الإفتاء ومنابره، حتى سامه كل مفلس، كان لا بد من حماية شرع الله من تلبيس إبليس، وحراسة تدين المسلمين من فتاوى الجاهلين، بضبط مجال الإفتاء اتقاء للفتنة، "والفتنة أشد من القتل"، وذلك بإحداث هيئة علمية للإفتاء تابعة للمجلس العلمي الأعلى تختص بالنظر في القضايا التي تهم الشأن العام، أما ما يخص حياة الأشخاص في عباداتهم ومعاملاتهم وسلوكهم، فإن النظر فيها يعود إلى لجن الإرشاد بالمجالس العلمية المحلية.
* هناك نقاش في المجتمع حول حدود الطابع الإسلامي للعمل التشريعي للدولة وأنتم أصدرتم فتوي المصالح المرسلة ، هل هي حل عملي لإشكال الصراع التقليدي بين المرجعية الدينية والضرورات الدنيوية في عمل مؤسسات الدولة؟
** من نوازل الشأن العام بامتياز، قضية المصلحة المرسلة التي قدمت الهيئة العلمية للإفتاء الجواب عنها، على سؤال أمير المومنين مولانا محمد السادس رئيس المجلس العلمي الأعلى، والذي يعد في صدارة ما أصدرته الهيئة في النوازل التي عرضت عليها، بما تضمنته من بيانات حول هذه الآلية المتميزة في باب الاجتهاد الفقهي، المواكب لحركة المجتمع ولما يشهده العصر من تحولات، فاستعمال هذه الأداة التي تميز الفقه المالكي باعتمادها مصدرا في غيبة النص القطعي، وفق ضوابط وشروط محددة، يحقق معنى المواكبة الفعلية للتطور، ويضع شريعة الله في صلب حياة الناس، إذ يسوغ لولي أمر الأمة أن يسن من القوانين في ضوء هذه الأداة ما يحقق المصلحة دون خوف من الوقوع في مصادمتها لمقاصد الشريعة ومكارمها.
* في المغرب 50 ألف مسجد، والنقييم الأولي يشير إلي أن 80 في المائة من القائمين علي شؤون المساجد عاجزون عن إعادة المسجد إلي أدواره الاجتماعية والتنويرية، وعن حمايته من توظيفه من طرف الخوارج، بماذا قتم بهذا الخصوص؟
** أعلن أمير المومنين محمد السادس بمناسبة رئاسة جلالته الدورة السابعة للمجلس العلمي الأعلى بمدينة تطوان عن ميثاق العلماء.
ولئن سألتني عن معنى هذا الميثاق، فلن يكون لي من جواب على سؤالك إلا أنه التزام من علماء العصر بمثل ما التزم به سلفهم من علماء الأمة الذين سبقوهم، وهو حراسة الثوابت والمقدسات، والذب عن الهوية الدينية وتثبيت جذور الانتماء إلى الخصوصية الحضارية والثقافية والتشبث بعرى العرش المجيد، والالتفاف حول إمارة المومنين ضامنة وحدة الوطن وأمنه واستقراره، وناصرة الملة والدين.
في إطار هذا التصور الممتد امتداد الزمان والمكان والإنسان، يشتغل علماء الأمة بما لديهم من آليات ووسائل، وبرامج ومناهج، على ملفات وأوراش هي أكثر من أن يحيط بها العد، بيد أن تقديم الأهم في سلم الأولويات يقتضي معالجة المستعجل قبل غيره، وهو في نظر العلماء، إعادة الاعتبار إلى مساجد المملكة والنهوض بتأهيل رجالها، أئمة، وخطباء، ووعاظا، ومرشدين، حتى يستأنف بيت الله دوره التنويري كما كان في سالف أيام المجد وعصور الازدهار، وحتى يكون حقا وواقعا منبعا للحكمة، ومصحة للروح، وقلب المجتمع النابض، ولسانه الناطق، وضميره الذي لا ينام على ضيم، ولا يستكين لظلم.
من أجل ذلك كان برنامج تأطير أئمة المملكة، وعددهم يناهز خمسين ألفا، بمثابة الخطوة الأولى التي يخطوها الميثاق على درب الإصلاح.
ومما لا ريب فيه، أن هذا البرنامج يعد مبادرة شجاعة، وتجربة متفردة في بابها، يجري الآن تجسيدها على أرض المغرب بنظام وإحكام، وفي هدوء واطمئنان، ويقين لا يشوبه شك بأن المغرب يصنع نموذجا سيكون له صداه، وسيكتشف الناس قيمته بعد حين.
ويلتقي على بناء هذا النموذج إرادة العلماء ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في تنسيق وانسجام، وتكامل والتزام.
*نظمتم ندوة قيمة لتفنيد دعاوى الإرهاب شارك فيها جمع مهم من العلماء، وفي نفس الوقت تتحاشون الدخول في نقاش مع ما يعرف بالمراجعات العقائدية لشيوخ السلفية الجهادية، هل تعتقدون أن خلاصات تلك الندوة تغنيكم عن أي عمل إضافي بهذا الخصوص؟
** لئن كان للسلفية شيوخ في هذا البلد الأصيل، فلن يكونوا إلا علماء الأمة الذين اختاروا السير على نهج من سلف من علماء المغرب، ومضوا وهم محافظون على الوفاء للثوابت والمقدسات، والعض بالنواجذ على اختيارات السلف وعدم التفريط فيها، أو الانحراف عنها، وليس السلف من جاء يسعى ببضاعة ملتقطة من هنا وهناك، مفصولة عن سياقاتها، مبتورة من أوائلها وأواخرها، يريد لها أن تكون بديلا لموروث ضاربة جذوره في عمق الزمن السحيق، وناسخا لعشرات القرون من المجد العلمي الموثق متنه وسنده، المعدل رجاله ورواته.
هيهات أن يحدث هذا التغيير إلا أن يدك شموخ الأطلسين المتوسط والكبير.
نعم، نظم المجلس العلمي الأعلى ندوة في موضوع الإرهاب بالدار البيضاء، تناول البحث فيها مقولات الإرهاب مفندا لها، داحضا لحجج أصحابها، بالبرهان القاطع، والدليل الدامغ، كاشفا زيغها، مبطلا ضلالها.
وكانت مناسبة لمن كان ضالا أن يهتدي، أو معاندا أن يرعوي، والرجوع إلى الحق غير من التمادي في الباطل...
وبعد، فإن الأمة وهي عازمة على الإقلاع الشامل في دينها ودنياها لفي أشد الحاجة إلى كل أبنائها، فلا يجوز لمن كان مخلصا لدينه ووطنه أن يتأخر عن ركوب قطار الصحوة أو يتخلف عن موكب النهضة التي يقود خطاها أمير المومنين محمد السادس على الدرب القاصد.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
* ما هي القيمة المضافة التي حلتها الدورة الأخيرة للمجلس العلمي الأعلى ؟
شكلت الدورة العاشرة خطوة جديدة على درب النهوض بمشروع الإحياء الديني، فقد دار النقاش فيها حول قضايا ذات قيمة، مثل حضور المؤسسة العلمية في كل المواعيد الحاسمة، ومتابعة لجن المجلس لمقرراتها بالتفعيل والتطبيق والتوثيق والتحقيق، كما نظرت في ملف الوعظ والإرشاد من حيث الجدوى والمردودية، ومعالجة الموضوعات اليومية التي يعيشها الناس، ووقفت طويلا أمام موضوع التزكية الدينية واقترحت مجموعة من المقاربات التي من شأنها أن تضبط هذه الآلية، وتجعلها سهلة ميسورة، وفي نفس الوقت جامعة مانعة بأن لا يحرم منها المؤهلون، وأن لا تكون أداة هدم بيد العابثين.
وكما توجت الدورة التاسعة أعمالها بتوجيه نداء من علماء المملكة إلى أشقائهم علماء الجزائر في موضوع حرمة الجار، وحقوقه، وما أخذه الله على العلماء من العهود والمواثيق، أن يبينوا الحق ويناضلوا عنه، وألا يكتموه وهم يعلمون، فإن الدورة العاشرة ختمت أشغالها ببيان يكتسي أهمية كبيرة أبان فيه العلماء عن توجههم المستقبلي بمعالجة ملفات ذات قيمة كبرى، كملف الشباب، وملف الطفولة وملف العالم القروي، وتتضمن هذه الملفات محتوى عميق من حيث إنه يتغيى تعبئة شعبية لمواجهة التحديات التي تستهدف الأمن الروحي، والتصدي للاختراقات المذهبية، وسواها مما يهدد الوحدة، ويزرع بذور الطائفية المفضية إلى الضعف والانحلال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.