جاء قول رئيس النادي، خلال ندوة "المداخل التشريعية لاستقلال السلطة القضائية" التي نظمها المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية بشراكة مع نادي قضاة المغرب، ومؤسسة "هانس سايدل" الألمانية، أول أمس السبت، بالرباط، في سجال بينه وبين عبد الإله لحكيم بناني، الكاتب العام لوزارة العدل والحريات، الذي استحضر خلال مداخلته في الجلسة الافتتاحية للندوة، حالة توقيف قاض إسباني لمدة سنة من طرف المحكمة العليا الإسبانية بسبب ضعف مردوديته، معللة قرارها بأنه حكم في 107 ملفات فقط خلال سنة، ولم يصل إلى المعدل المحدد في 451 ملفا. ورفض الشنتوف إسقاط هذا المثل على حال القضاة المغاربة، موضحا أن هؤلاء القضاة تجاوزوا معدل الإنتاج العالمي من الأحكام القضائية، بسبب قلة الموارد البشرية في المحاكم، وتابع قائلا "نطلب فقط توفير ظروف ملائمة للاشتغال والوسائل المادية، وسيكون القضاة في المستوى". وكان الكاتب العام لوزارة العدل والحريات أكد وجود قضاة يعالجون أكثر من 3000 قضية في السنة، لكن بالمقابل يوجد قضاة لا يتعدى معدل القضايا التي يعالجونها 200 قضية في السنة، وهو ما رفضه الشنتوف معتبرا أن الأمر "ربما يتعلق بحالات استثنائية، والاستثناء لا يقاس عليه". ورد الكاتب العام للوزارة على موضوع قلة الموارد البشرية العاملة في الجهاز القضائي، الذي أثاره الشنتوف، بقوله "إن الدولة بذلت مجهودا خاصا لتوفير الموارد البشرية الكافية للسلطة القضائية، سواء الموظفين أو الملحقين القضائيين، منذ سنة 2008"، وعملت على توفير هذه الموارد في ظل الاعتقاد السائد أن المشاكل التي يعانيها القضاء المغربي تتلخص في الخصاص في القضاة والموظفين العاملين في المحاكم. وقدم بناني أرقاما حول ارتفاع عدد المناصب المالية للموظفين، التي بلغت 502 منصب مقابل أربعة مناصب سنة 2007، لتصل إلى 1069 سنة 2009، قبل أن يقل إلى 673 سنة 2010، ويعود للارتفاع خلال سنة 2011، حيث بلغ 1468 منصبا. وتابع الكاتب العام للوزارة قائلا إنها "مناصب مالية وضعتها الدولة رهن إشارة العدالة، لأنه قيل إن مشاكل العدالة تكمن في الخصاص في الموارد البشرية، وهذا معناه أنها سحبتها من قطاعات حكومية أخرى"، وفي ما يخص الملحقين القضائيين، قال بناني إن نسبة زيادة عدد القضاة الذين وظفوا منذ سنة 2007 إلى الآن، ربما بلغت نسبة عدد القضاة الذين تم تعيينهم منذ عقود خلت"، معتبرا أن معدل الملحقين القضائيين قبل سنة 2007 لم يكن يتجاوز 100 ملحق قضائي، لينتقل إلى 136، ثم تعميم 144 ملحقا قضائيا على محاكم المملكة في سنة 2008، ليرتفع عددهم إلى 393 سنة 2009، لينخفض سنة 2012 إلى 246 ملحقا قضائيا. كما قدم بناني أرقاما حول عدد القضايا المحكومة في مجموع المحاكم الابتدائية المغربية، موضحا أنه انخفض من مليونين و220 ألف قضية سنة 2009، إلى مليونين و52 ألفا سنة 2010، ليواصل انخفاضه في سنة 2011 إلى مليون و847 ألفا ثم إلى مليون و791 ألفا سنة 2012، مشيرا إلى أن توفير كل هذا الزخم البشري ظهرت انعكاساته على أداء المحاكم. وفي هذا السياق، أكد بناني أن وزارة العدل عمدت إلى وضع معايير لتقييم أداء المحاكم لرصد الاعتمادات المالية اللازمة لها، ومنها ضمان الأداء الجيد والفعال للمحكمة، وضمان حق الأشخاص في الولوج إلى القضاء العادل والمنصف، وضمان سير مرفق العدالة بشكل عام. من جانبها، قالت لطيفة توفيق، رئيسة غرفة بمحكمة النقض، إن دلالات الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية تكمن في ثلاث نقاط، أولها مراجعة المقتضيات التي تكرس تبعية السلطة القضائية، وضمان استقلالها المالي والإداري، وتقوية آليات التفتيش التابعة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، بدل تكريس التبعية الضمنية للسلطة التنفيذية عبر احتفاظ هذه الأخيرة بتفتيش المحاكم من خلال إحداث ما سمي بالسلطة الحكومية المكلفة بالعدل لتعذر الفصل في الإدارة القضائية بين ما هو إداري وما هو قضائي. وثانيها، تضيف توفيق، خلال مداخلتها في الجلسة الافتتاحية، يكمن في تسليط المزيد من الضوء وتحديد الأدوار الموكولة بوضوح للمؤسسات المستحدثة بمقتضى مشاريع القوانين للجديدة على رأسها آلية التنسيق بين السلطة الحكومية المكلفة بالعدل ومؤسسة المسير الإداري، موضحة أن الأولى لم يتضح بعد دورها ولا المجالات التي ستتولى مباشرتها، بينما ترك أمر تأليف الهيئة وتحديد اختصاصاتها رهينا باتفاق قد يتم أو لا يتم بين ممثلي السلطتين، من خلال قرار مشترك يحدد الجهة التي سيجري الاحتكام إليها في حال عدم التوافق على مقتضيات هذا القرار. أما مؤسسة المسير الإداري، تضيف توفيق، فلم تتضح بعد معالمها لا من حيث وضعيتها بكتابة الضبط ولا الاختصاصات ولا الجهة التي سيتبع لها المسير، فضلا عن عدم وضوح حدود الإشراف الإداري للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل على المحاكم، التي كرستها من خلال إحداثه. أما ثالثها، فيكمن في تفادي إرباك العمل بعدة مؤسسات، فعلى مستوى المجلس الأعلى للسلطة القضائية في ما يتعلق بإجراءات ومساطر اشتغاله (المسطرة التأديبية)، وأيضا، على مستوى المحاكم، حيث يؤخذ على مشاريع القوانين تقديم دور المسؤول القضائي وتجريده من أهم سلطات تدبير وتوزيع الأشغال، وهو ما يسير في اتجاه افراغ المبدأ التشريعي من محتواه المتمثل في ربط المسؤولية بالمحاسبة، إذ كيف يمكن محاسبة مسؤول قضائي عن إنتاج المحكمة الكمي والنوعي إذا كان لا يتحكم في تسييرها وتدبيرها، وهذا الوضع، حسب لطيفة توفيق، يترتب عنه العديد من الفرضيات، أقلها توفير منفذ للمسؤول القضائي للتهرب من المحاسبة عن المسؤولية التي يتقاسمها معه مكتب المحكمة والجمعية العامة، اللذان سيتوليان تدبير المحاكم.