باعتبار "رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب الكتاب"، أقدم رحلة مدونة باللغة العربية كتب بعد صدور قرار النفي على الأندلسيين، وورد فيها وصف فرنساهولندا ومدنهما الكبرى، ارتأت "المغربية" نشر فصول منه في حلقات. الحلقة السابعة حينئذ أخذوا فيما بينهم وقالوا لي: من أهل دينكم، وتكلمنا معهم، ولم نر قط من قال لنا مثل هذا الكلام والأجوبة التي رأيناها وسمعناها منك، قلت لهم: اعلموا أنني ترجمان سلطان مراكش ومن كان في تلك الدرجة يحتاج دراية في العلوم وكتب المسلمين وكتب النصارى، ليعرف ما يقول، وما يترجم بحضرة السلطان. وأما إذا كنت بحضرة علماء ديننا لا أقدر أتكلم في العلوم بحضرتهم. حينئذ أردت أن أقوم لأذهب إلى الدار التي كنت نازلا بها، وقالوا لي: لا تقم نحن نبعث معك خدامنا، واقعد معنا للكلام، قالت المرأة: كيف أباح لكم نبيكم أن تنكحوا أربعة نساء والله تبارك وتعالى لم يعط لأبينا أدام عليه السلام إلا امرأة واحدة. ولما رأى القضاة الحاضرون أن هذه المسألة عقلية أعانوها وتقووا علي بهذه الحجة، قلت لهم: أمنا حواء ظهر فيها بركة أكثر مما تظهر في أربعة نساء من زمننا، لأنها ولدت كذا وكذا مرة ذكورا وإناثا، ونساء زمننا واحدة تكون مريضة، وأخرى عاقر لا تلد أبدا، ومثل الأغراض كثير فيهن لم تكن في أمنا حواء، قالوا: سيدنا عيسى عليه السلام أمر ألا يتزوج الرجل إلا امرأة واحدة، وأنتم تأخذون أربعة، قلت لهم: الأنبياء الأوائل، عليهم السلام، مثل سيدنا إبراهيم، وسيدنا يعقوب وغيرهم، في أي مقام هم عندكم. قالوا في مقام محمود ومرضيين عند الله تعالى، قلت: كيف كانت لهم نساء كثيرة، وجواري كما في ديننا، وكان لسيدنا سليمان عليه السلام سبعمائة امرأة بالنكاح وثلاثمائة جارية كما هو في التوراة، قالوا: في ذلك الزمن أبيح ذلك ليكثر النسل، والآن الدنيا عامرة، قلت: قرأت في التوراة في كتب التواريخ أن بعض السلاطين في الزمن الأول كانوا يحركون بثمانمائة ألف رجل، جيشا، والآن ليس في الدنيا سلطان من يجمع للحرب ذلك العدد إلا السلطان السيد الكبير. وهذا برهان أن الدنيا كانت عامرة. ثم قال لي القاضي: ولحم الخنزير، لماذا هو ممنوع عندكم؟ قلت: له نجس، لأنه لا يأكل إلا النجاسات، وحتى في الإنجيل هو ممنوع، قالوا: ليس بممنوع، وأين المنع في الإنجيل؟ قلت: قرأت فيه أن مجنونين كانا في المقابر، مالنا ولك يا يسوع ابن الله، أجئت ها هنا لتعذبنا؟ وكان هناك قطيع خنازير كثيرة ترعى بعيدا منهم فطلبا إليه قائلين: إن كنت تخرجنا من ها هنا فأرسلنا إلى قطيع الخنازير، فقال لهم: اذهبوا، ولما خرجوا مضوا، ودخلوا في الخنازير، وإذا بقطيع الخنازير كله وثب على جرف ووقع في البحر، ومات جميعه في المياه، وهرب الرعاة وكانوا نحو ألفين، قلت لهم: الأنبياء عليهم السلام، كانوا يخسرون الناس في أموالهم؟ قالوا: لا، قلت لهم: هذا نحو ألفي خنزير تساوي دارهم كثيرة، وأذن سيدنا عيسى عليه السلام في إفنائها وتلفها، وأن أربابها يخسرون قيمتها لأجل الخنازير كانت عنده حراما، ولو كانت من المواشي المباحة لم يأذن سيدنا عيسى عليه السلام للجنون بالدخول فيها لإفسادها وهلاكها. فأخذ القضاة في الكلام والتدابير في الجواب، ثم قالوا: لم تبلغ هذا العدد الذي ذكرته، قلت: هذا الذي قرأته، فأحضر الإنجيل، فوجده كذلك. وقد ذكر هذه المسألة في موضوعين في الإنجيل، في الفصل الخامس عشر لمرقس، وهو الذي قال: ماتوا نحن ألفين. ثم أنهم أخذوا في الكلام، ولم يجذوا ما يجاوبوا به، وكان قد مضى من الليل نحو نصفه، فانصرفت إلى منزلي، وبعثوا معي خدامهم ورأيتهم فارحين شاكرين لي، ولم يسمعوا مني إلا ما ذكرت، وكل ذلك عكس دينهم.