في يوم ربيعي، مثل هذا اليوم من سنة 1957، خرج من قلب نيويورك، نساء أردن أن ينفضن عنهن غبار الخنوع والاستسلام للاستغلال، الذي كان أرباب العمل يستنزفون به عرق جبينهن دون أن يجدن نصيرا لهن. طالبن، آنذاك، بالمساواة مع الرجل في الأجور وساعات العمل، فكانت مظاهرة دفع ثمنها عدد من العاملات، اللواتي قدن المظاهرة، ليصبح ذلك التاريخ منطلق رحلة نضالية نسائية بامتياز، في بحث لإيجاد حلول لقضايا مختلفة تعيق الوجود المتوازن للمرأة في الأدوار المختلفة. في المغرب، يشكل يوم 8 مارس محطة سنوية للوقوف على حصيلة المكتسبات، التي تؤكد الحضور الفاعل والنضال المتواصل للمرأة داخل الحركة النسائية، التي ما زالت تتوق إلى المزيد من الحقوق، فما تحقق لحد الآن، وإن كان إيجابيا، فهو لم يبلغ بعد حجم المجهودات التي بذلتها النساء في تأكيد مطالبهن المشروعة، والدفع في اتجاه رفع الضرر والحيف المضروب عليهن. وتميز المغرب بتقدمه في مجال احترام حقوق المرأة، مقارنة مع العديد من الدول العربية، بالأساس، من خلال المراحل الحاسمة الإيجابية، التي قطعها في هذا المجال، وأبرز المكاسب تبقى، دون شك، الإصلاحات القانونية الخاصة بتعديل القانون الجنائي، وتضمينه لقوانين جديدة تهم المرأة، كتجريم التحرش الجنسي، وإصلاح مدونة الشغل، لتبقى أقوى المكاسب هي الإصلاح الذي عرفته مدونة الأسرة، لأنه لم يقتصر على تعديل القوانين، بل أعيد النظر في المبادئ التي تستند عليها، بحيث نصت على مبدأ المساواة بين الزوجين، وأعادت الاعتبار للمرأة المغربية بحذف العبارات، التي كانت تسيء إليها وتمس كرامتها، وجعل الأسرة المغربية محورها الأساس، بالتنصيص على بعض حقوق الطفل. وتكمن أهمية هذا الإصلاح في التأثير على سلوكات وعقلية المغاربة نساء ورجالا، ثم إصلاح قانون الجنسية الذي سيساهم، دون شك، في رفع الحيف عن مجموعة من المغاربة ذكورا وإناثا، والحد من المعاناة التي طال أمدها بالنسبة للعديد من الأسر، وتمكين النساء المغربيات من ممارسة مواطنتهن، ما اعتبر، في وقته، انتصارا جديدا للأسرة المغربية. غير أنه إذا كانت كل هذه الإشارات تترجم الإرادة الكبرى لتحسين وضعية النساء اجتماعيا واقتصاديا وقانونيا، فإن الحركة النسائية المغربية ما زالت ترى أن ذلك لم يرق إلى مستوى طموحاتها، ما دام التطبيق الملموس لم يحقق للمرأة المساواة المطلوبة بعد. فما زالت الحركة النسائية تسعى إلى تقنين التمييز الإيجابي (الكوطا)، كضمانة قانونية لتمثيلية سياسية وازنة، بالمؤسسات المنتخبة، ثم إلى إصلاح القوانين الانتخابية التي تعتبرها إقصائية في حق النساء، في الوصول إلى البرلمان المغربي. لقد اكتسبت الحركة النسائية نضجا كبيرا مكنها من أن تصبح قوة اقتراحية قادرة على المساهمة في صياغة القوانين، وإبداع الوسائل الكفيلة بتحقيقها، ما جعل نضالها، من أجل تغيير أوضاع المرأة المغربية، لا ينفصل عن الانفتاح، الذي طبع الأجواء السياسية، ووجود إرادة سياسية حاملة لمشروع مجتمعي يحاول الاستجابة لتطلعات مكونات المجتمع المدني، وضمنها الحركة النسائية، في محاولة لترسيخ الممارسة الديمقراطية. إن تحقيق مكاسب لفائدة المرأة المغربية يطرح ضرورة تعزيزها والحرص على تطبيقها، لكنها ليست نهاية الطريق، فالحركة النسائية مازالت تناضل من أجل حقوق اقتصادية واجتماعية فعلية للنساء. وكعادته كل عام، يهل علينا اليوم العالمي للمرأة في جو يعلو فيه التفاؤل بمستقبل مشرق، ومزيد من الحقوق في سبيل مساواتها الكاملة بالرجل. مرة أخرى، تجمع الحركة النسائية على مواصلتها النضال من أجل حقوق سياسية، واقتصادية واجتماعية فعلية، وضرورة حث الحكومة والجماعات المحلية على تحمل مسؤوليتها، للقضاء على الأمية، ومظاهر الفقر والتشرد، وإقرار مبدأ تكافؤ الفرص، والرفع من تمثيلية النساء في الحقل السياسي، وبالتالي إقرار مواطنة كاملة وفعلية للمرأة المغربية.