خمس إخوة من أسرة واحدة، يعانون في صمت مرارة مرض وراثي غريب أقعدهم وشل حركتهم عن العيش كباقي الناس، مرض وراثي مزمن ألم بهذه الأسرة القروية الفقيرة وجعل أبناءها الخمس يحيون إعاقة حركية تحت سقف واحد بعد فقدان سادسهم. في قرية عين بومرشد النائية بنطاق جماعة عين قنصرة ضواحي مدينة فاس حيث يقيم هؤلاء رفقة والديهما العجوزين راضية و الحسين. أسرة بدوية معوزة كهذه، شاءت الأقدار أن تعيش تحت رحمة إعاقة حركية لخمسة أفراد في آن واحد. في وسط قروي لا يفهم معنى للإعاقة وفي ظروف اجتماعية ونفسية يعلوها اليأس والحرمان، يواصل (محمد 34 سنة) و(أمينة 43 سنة) و(سعيدة 41 سنة) و(حكيمة 32 سنة) و(عبد العالي 30 سنة) زرع بذور الحياة في غرفة وحيدة وهم يترقبون بشوق كبير من يخفف عنهم ويلات إعاقة مزمنة اغتصبت زهرة حياتهم إلى حد يدركون بصبر وعزيمة ما أصابهم جراء هذا الداء الذي أفقدهم شقيقهم سعيد السنة الماضية. الدكتورعبد العزيز السفياني أخصائي في الأمراض الوراثية بالمعهد الوطني للصحة كان أجرى تحليلات طبية على الحالات الست، وعزا هذا النوع من الإعاقة الوراثية الفريدة، إلى خلل في نمو المادة الوراثية المنقولة عن الأب أو الأم معا، وبرأيه فانه على الرغم من الأبحاث الطبية المتقدمة في هذا الميدان، لم يجري التوصل إلى اليوم لإيجاد شفاء ناجع لهذه الحالة المرضية. وكان الدكتور السفياني، عرض حالة إعاقتهم على أنظار الجمعية المغربية "للمبيوباتيا" في محاولة لدراسة وضعيتهم الاجتماعية الصحية، ووفق التحليلات التي توصل إليها شهر نونبر السنة ما قبل الماضية فان حالة اعاقتهم الحركية على مستوى الأطراف السفلى والعليا ذات أصل وراثي ومستحيلة العلاج رغم أن وضعيتهم الصحية تفرض بالضرورة رعاية فائقة ومستمرة وتوفير مصاريف دواء مكلف. يقول والدهم الحسين جودار، أنه تقدم بما يزيد عن 15 طلبا للحصول على رخصة نقل أو مساعدة في هذا الإطار لمصالح ولاية فاس، قصد التكفل بأبنائه الست وزاد الحسين أنه حتى " الكراسي المتحركة" التي تقدم بطلبات للحصول عليها لدى الجماعة القروية لعين قنصرة لم يكن معها محظوظا، وكانت احدى الهيئات عرضت ثلاثة كراسي عطوبة وغير صالحة للاستعمال على أنظار المصابين، مضيفا أنه في حال مرضهم، لا يجد من يساعده لنقلهم إلى المركز الصحي و حتى وجبات إفطار رمضان لا يحصل فيها إلا على وجبة واحدة مع أن حاله تستدعي الاستثناء، ويضيف" لقد تقدمت في السن وزوجتي كذلك ولم يعد بمقدورنا إعالة ورعاية أبنائي مع تقدمهم في السن بإعاقتهم المزمنة" أما ابنه محمد جودار الذي لا يعرف المستحيل، وهو يذرف دمع الألم بسريره إلى جانب أخويه سعيد وعبد العالي وأخواته الثلاث" لقد تحطم كل شيء في حياتنا ولم تعد جدران الغرفة التي تقينا قساوة الطبيعة لتحمينا قساوة إعاقتنا، فهي لم تعد ترمز سوى للحزن والعذاب". محمد جودار تحت وطأة ظروف كهذه، كتب 44 قصيدة شعرية عنوانا لمعاناته واخوته ووالديه، قال أنه بعدما أقعده مرضه عن مواصلة الدراسة وهو بالقسم الثالث ابتدائي " لم يعد لنا وجود بهذا المجتمع، نحيا في هذا الوسط الميت عزلة قاتلة، ولا أحدا يسمع لنا إذا ما صرخنا، ولا يلين لحالنا امرئ إذا توسلنا، ولا يستجيب لحالنا أحدا إذا طلبنا". هسبريس محمد العبادي