أصبح العمل النقابي هما من همومنا اليومية ولا يمر يوما من الأيام دون أن نقرأ في المنابر الإعلامية المكتوبة الورقية أو الإلكترونية شيئا عن هذا النشاط الإنساني الذي أصبح يمر في بلادنا بعنق الزجاجة نظرا للأزمات البنيوية التي أصبح يعيشها ، بسبب تخليه على مجموعة من القيم والمبادئ التي لا زالت حاجتنا إليها ماسة ومبررات وجودها قائمة ، وبسبب تفشي البيروقراطية والانتهازية وتشردم الطبقة العاملة التي اختلط عليها الحابل بالنابل لكثرة النقابات. ولاغناء النقاش حول هذا النشاط ،أقدم للجميع هذا الموضوعواملنا ان نفتح نقاشا مثمرا حول الحركة النقابية بالمغرب لتطوير ادائها وتمكينها من الانفتاح على تجارب أمم أخرى خاصة وان من بين نقط ضعفها التركيز اليومي وإغفال الجانب النظري رغم أهميته.. العمل النقابي هو مجموعة من القيم المادية والمعنوية التي راكمتها الإنسانية بعد مخاض عسير وتضحيات جسام قدمتها الحركة العمالية العالمية في نضالاتها ضد جشع الأنظمة الرأسمالية ، ويعد العمل النقابي أيضا شكلا من أشكال الصراع الطبقي بحيث يفرض نوعا من إعادة توزيع الدخل ، وقد لعبت القيم النقابية التي تسلحت بها الطبقة العاملة العالمية وهي تدافع عن مكتسباتها دورا هاما في نشر السلم ونبد الاستبداد ، أما في المغرب فلم تظهر الطبقة العاملة كطبقة لها موقعها في الإنتاج إلا بعد سنة 1912 أي بعد دخول الاستعمار الفرنسي وما نتج عنه من إحداث لبعض القطاعات العمومية.وأدت التغيرات التي عرفتها فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى وصعود اليمين الفرنسي إلى نضج فكرة خلق أداة نقابية بالمغرب. ولعبت ودادية معلمي التعليم الابتدائي دورا رئيسيا في مناهضة القمع الذي واكب التغيرات المشار إليها.بعد فشل هذه الودادية أصبح لزاما التفكير في إطار نقابي يستطيع العمال من خلاله الدفاع عن مصالحهم ومقاومة الاستعمار أيضا.وهكذا تم تأسيس نقابة مغربية مستقلة في 20 مارس 1955هي الاتحاد المغربي للشغل تحت إشراف الجناح اليساري لحزب الاستقلال كالمهدي بن بركة وعبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي. فحسب الدكتور محمد عابد الجابري في مذكراته -مواقف- فان اول كاتب العام لهذه النقابة هو الطيب بن بوعزة الذي انتخب بشكل ديموقراطي قبل ان ينقلب عليه المحجوب بن الصديق الذي هدد بتأسيس نقابة جديدة إن لم يسند له هذا المنصب، وظهر التوجه الوحدوي للنقابة المغربية ونبدها للتعددية ، ودافع الاتحاد المغربي للشغل على إثر تأسيس القوات المسلحة الملكية على حق جيش التحرير في الاحتفاظ بأسلحته ومتابعة عملية التحرير الشامل والكامل لجميع المناطق المستعمرة ، ولعبت حركة المقاومة دورا أساسيا في ترسيخ الاتحاد المغربي للشغل ووصل عدد المنخرطين سنة 1959 إلى 650 ألف. سنة 1964 عرف المغرب موجة من الإضرابات استمرت إلى /23 مارس 1965 هذه السنة التي عرفت اختطاف المهدي بن بركة ليعلن بعدها حالة الاستثناء . الاتحاد المغربي للشغل لم يكن في مستوى تلك اللحظة وقد أحكمت البيروقراطية قبضتها عليها .وبدا التفكير في تأسيس بديل نقابي.يستجيب لحاجة الطبقة العاملة إلى أداة نقابية كفاحية.وهكذا تم تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل سنة1978 لتتربع على عرش الاحتجاجات في المغرب .وقد دشنت بالفعل مرحلة كفاحية هامة أستعرضها من خلال المحطات التالية: - في يناير 79 أضرب عمال المؤسسات الصناعية تضامنا مع عمال المكتب الوطني للكهرباء .. - وفي 4 يناير 79 خاض 10000 سككي إضرابا لا محدودا واستمر إلى غاية 19 يناير. . -30 يناير 1979 ،عمال الدوكيرات خاضوا إضرابا لا محدود ا بميناء الدارالبيضاء . - فبراير 1979، 4000 عاملا بجرادة خاضوا إضرابا لمدة أسبوعين . - عمال مكتب الأبحاث والمساهما ت المعدنية خاضوا إضرابا لعدة أيام - في أبريل 79 بعد إضرابات متقطعة خاض المدرسون إضرابا عاما لمدة 48ساعة وانضم الاتحاد العام للشغالين بالمغرب إلى بعض جمعيات الآباء ووقف ضد الإضراب وتم إغراق المؤسسات بالشرطة وكثرت الاعتقالات. . وبعد دعوة النظام لمجموعة من النقابات لتوقيف تمرد العمال في القطاع العمومي والخاص استجابت المركزيات الرجعية آنذاك ومنها بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل التي أوقفت إضراب مستخدمي الأبناك. وأعلنوا مقاطعتهم ل.ك.د.ش التي دعت إلى إضراب عام في الصحة وذلك يوم 7 مارس وتم طرد حوالي 1600 عامل - وعلى إثر الزيادة في المواد الغذائية في 29 ماي 1981 دعت إلى التعبئة وتراجعت الحكومة ولبت طلبها.. وفي 6 يونيو 1981 انطلقت مظاهرات عنيفة قي الشرق: بركان و وجدة...... وقلصت الحكومة الزيادة إلى 50 بالمائة ودعت ك.د.ش.إلى إضراب عام في يونيو 81 تحول إلى مواجهات عنيفة في الدارالبيضاء. بعد سيطرة الاتحاد الاشتراكي على الكونفدرالية ظهرت تيارات أخرى اخترقتها أفقيا وعموديا خاصة بعد اتفاق 1996 الذي يعتبره جل المتتبعين للشأن النقابي المغربي البداية الحقيقية للتناسل النقابي الذي عرفه المغرب من رحم الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وان كان التناسل سمة تميز الحركة النقابية المغربية بشكل عام والتي يمكن إجمال أسبابها فيما يلي: ◊عدم وجود حد فاصل بين النقابي والحزبي وأصبح لكل حزب منظمة نقابية موازية وهذا في غير صالح الطبقة العاملة. ◊غياب الديمقراطية الداخلية واكبر تجلياتها تربع بعض القادة على عرش المركزيات وأصبح الموت هو الأمل الوحيد في تخليهم عن عروشهم. ◊التركيز على الانشغالات اليومية وتهميش التكوين النظري الذي يعتبر البوصلة التي توجه المناضل وتقيه من السقوط في بعض الأخطاء كما تمكنه من الاستفادة من تجارب أمم أخرى. ◊ ارتهان القرار النقابي لجهة خارج الإطار النقابي. ◊عدم التعاطي بالجدية المطلوبة مع حاجيات الطبقة العاملة واعتبارها كخزان للأصوات في الاستحقاقات الانتخابية. إلى كل الأسباب تنظاف رغبة الطبقة المسيطرة على تشتيت الطبقة العاملة واحكام قبضتها عليها للمزيد من استغلالها وقد تم تداول خبر تخصيص المخابرات المغربية اعتمادات كبيرة لتقليم أظافر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في مرحلة سابقة. يتضح بجلاء أن أزمة الحركة النقابية المغربية المتمثلة في الالتفاف على الديموقراطية والكولسة وتحكم الحزبي في النقابي و إشكالية الوحدة و الإنشقاق وغيرها ليست وليدة اليوم بل لازمتها منذ تأسيس" الإتحاد المغربي للشغل" إلى آخر نقابة تأسست " الفدرالية الديموقراطية للشغل