أجرى الطالب الصحافي السيد حفيظ رياض في إطار تمرينات دراسته بالمعهد العالي للصحافة أجرى الطالب الصحافي السيد حفيظ رياض في إطار تمرينات دراسته بالمعهد العالي للصحافة حوارا صحافيا مصورا مع عبد السلام أديب بمناسبة اقتراب فاتح مايو العيد الأممي العمالي حول إشكالية العمل النقابي في المغرب، وفيما يلي نص الحوار. • هل يعيش المغرب حاليا أزمة في مجال العمل النقابي ؟ •• ليس المغرب وحده من يعيش أزمة في مجال العمل النقابي، بل يمكن القول أن الطبقة العاملة تعيش في جميع البلدان اليوم أزمة في العمل النقابي. فمع تعمق الأزمة الاقتصادية والسياسية محليا وعالميا وانعكاسها على الصراع الطبقي عامة بين الطبقات المالكة لوسائل الانتاج من جهة والطبقة العاملة المنتجة وعلى الوضع النقابي كأحد واجهات الصراع، أصبحت الطبقات المهيمنة سياسيا واقتصادية تتدخل بقوة في الشؤون الداخلية للمركزيات النقابية لجعلها أجهزة بيروقراطية تابعة تمتهن بحرفية عالية دورا تخديريا للطبقة العاملة من أجل أن تستمر في تقبل الاشكال المتعددة المبتكرة من الاستغلال وفي أقصى الأحوال تعمل على تكسير نضالاتها وتشتيتها. فرغم الاحساس العميق المتزايد وسط الطبقة العاملة حول ضرورة رد هجوم الحكومات والباطرونا، الا أن الطبقة العاملة لم تعد تضع ثقتها في المركزيات النقابية المتعددة بمختلف مشاربها، فرغم تواجد ما يزيد عن 30 مركزية نقابية في بلادنا إلا أن نسبة التنقيب وسط الطبقة العاملة لم تتجاوز عتبة ال 10 في المائة. ويعود ضعف نسبة التنقيب أساسا الى سقوط سمعة المركزيات النقابية نحو الحضيض في وسط الطبقة العاملة. ورغم وجود مناضلين نقابيين مبدئيين داخل هذه المركزيات، والدور الذي قاموا ويقومون به الى جانب الطبقة العاملة في الصراع من أجل انقاذ ما يمكن انقاده من حقوق العمال وحرياتهم، إلا أن دور هؤلاء يبقى ضئيلا جدا بل دور متلاشي في ظل الهجوم المتواصل للبرجوازية المهيمنة سياسيا واقتصاديا ودور البيروقراطية النقابية في العمل على جعل الطبقة العاملة تتجرع هذا الهجوم صاغرة. إذن فأزمة العمل النقابي في المغرب، لا تختلف عن أزمة العمل النقابي في الدول الرأسمالية عامة والتي تزداد تعمقا مع ازدياد تعمق أزمة نمط الانتاج الرأسمالي، فمنذ الحرب العالمية الأولى أصبحت النقابات تشكل جهازا من أجهزة الدولة الرأسمالية داخل صفوف الطبقة العاملة. فمنذ ما يقرب من مائة سنة أصبحت وظيفة النقابات هي ادارة المعارك من أجل منع الطبقة العاملة من أن تأخذ بنفسها ادارة معاركها، ومن أجل منعها من تطوير تضامنها ووحدتها مما يمكنها من الصراع بفعالية ضد الرأسمالية. تتمثل أزمة النقابات اليوم في كونها أصبحت متواطئة مع الحكومات ومع الباطرونا. فالبيروقراطية النقابية عندما تقوم "بالتفاوض" باسم العمال وخلف ظهورهم مع ممثلي الحكومة والباطرونا فمن أجل تمرير الهجوم على العمال بسلام با ودفعهم لتقبل ما يتم اعتماده من اجراءات، ونتذكر جميعا الاتفاق المشؤوم بين الحكومة والمركزيات النقابية في 26 أبريل 2011 والذي تمخض عن ما يسمى بالحوار الاجتماعي، والذي وافقت عليه كافة المركزيات النقابية، وكيف ظلت هذه المركزيات بعد مرور سنة كاملة تناشد الحكومة تطبيق بنود الاتفاق على الرغم من هزالته. ان مهمة البيروقراطية النقابية هو العمل على تأطير الصراعات من أجل المحافظة على العلاقات الاجتماعية المختلة بين العمل ورأس المال وفرض ما يسمى "بالسلم الاجتماعي" والذي لا يعني شيئا آخر سوى استمرار استقرار الاستغلال والاضطهاد والظلم الاجتماعي من أجل تحقيق التراكم الرأسمالي انطلاقا من فائض القيمة المقتطع من الكادحين. أزمة العمل النقابي لا تقتصر فقط على وجود بيروقراطية نقابية فاسدة على رأس هرم المركزيات النقابية وتخدم مصالح الباطرونا وتعمل على تمرير سلس لسياسات الحكومات، وأنه يكفي طرد هذه البيروقراطية واستبدالها بمناضلين نقابيين نزهاء حتى تصبح المركزيات النقابية اطارات نقابية حقيقية للدفاع عن العمال. وإنما يتعلق الأمر بشكل النقابة نفسها والتي أصبحت غير فعالة وغير ملائمة لحاجيات الصراع. فالعمل النقابي اصبح يشكل إيديولوجية إصلاحية تقوم على تقسيم الطبقة العاملة، وتعمل على نشر الوهم بان نضالات الطبقة العاملة اليوم داخل النقابات من أجل تحقيق اصلاحات دائمة تؤدي الى تحسين شروط عيش الطبقة العاملة في ظل نظام رأسمالي يحتضر. لكننا اليوم في ظل تعمق الازمة الاقتصادية الرأسمالية التي لا علاج لها، فإن "الاصلاحات" المتواصلة هي تلك التي تفرض علينا من طرف البرجوازية، مثل سياسات التقويم الهيكلي والخوصصة والاصلاح الضريبي واصلاح أنظمة التقاعد. فجميع هذه الإصلاحاتالتي تمت اساسا لصالح رأس المال، بدلا من أن تحسن شروط عيش المأجورين، لا تعمل سوى على اغراقهم أكثر فأكثر في الفقر والبؤس المتزايد. تبدو أزمة العمل النقابي أيضا من خلال تشتيت الفئات العمالية، فالنقابات تميز بين هذه الفئة وتلك بحسب القطاع الذي تشتغل فيه وبحسب نوعية المطالب التي تتقدم بها، لذلك تصبح نضالات كل فئة عمالية منعزلة عن الفئات الأخرى مما يعجل بهزيمتها. فهناك أمثلة كثيرة عن مثل هذه النضالات التي تنتهي بحوارات مع مندوبية الشغل والباطرونا والممثلين النقابيين للعمال لكي تستعيد الباطرونا تحكمها في العمال مقابل تنازلات تافهة أو تنتهي أمام المحاكم حيث تصدر الأحكام في الغالب لصالح الباطرونا أو بتعويضات هزيلة يصعب تنفيذها بالكامل. ان ما يجبر الحكومة والباطرونا على التنازل عن حقوق العمال هي النضالات العمالية الواسعة التي لا تفرق بين هذه الفئة أو تلك. لكن النقابات تحارب مثل هذه النضالات وتعمل على تكسيرها وبالتالي تشتيتها. تتلخص إذن أزمة العمل النقابي في المغرب كغيره من الدول الرأسمالية التبعية في التحول الكامل للعمل النقابي بحكم هيمنة التوجه النقابي البيروقراطي الفاسد نحو جعل المركزيات النقابية في خدمة الباطرونا والحكومات الرأسمالية على حساب الطبقة العاملة. وبطبيعة الحال فإن هذا التحول يؤدي داخل المركزيات النقابية إلى صراع خفي مرير بين التوجه البيروقراطي والتوجه الديمقراطي العمالي. وأبرز مثال على ذلك هو الصراع الداخلي الذي عرفه الاتحاد المغربي للشغل منذ نشأته مرورا عبر ما كشف عنه الشهيد عمر بنجلون خلال عقد الستينات وبداية عقد السبعينات من ممارسات بيروقراطية تصل إلى درجة الإجرام من أجل تصفية كل عمل نقابي كفاحي لفائدة التوجه البيروقراطي المهيمن. ورغم انفتاح البيروقراطية النقابية داخل الاتحاد المغربي للشغل انطلاقا من أواخر عقد الثمانينات على بعض القوى النقابية اليسارية من أجل استعادة بعض المصداقية التي فقدتها المركزية اتجاه الطبقة العاملة خصوصا مع تأسيس الكنفدرالية الديموقراطية للشغل سنة 1979، الا أن الممارسات البيروقراطية الهجومية لا تفتر كلما تبين لها أن توجه نقابي ديموقراطي مكافح قد يسلبها زمام القيادة من داخل احد الفروع. وقد شهدنا منذ ذلك الحين تدخلات سافرة للبيروقراطية لتغيير ارادة الطبقة العاملة بالقوة انطلاقا مما حدث في الاتحاد الجهوي بالجديدة سنة 1992 وما حدث للاتحاد الجهوي لمدينة الخميسات سنة 2005 وما يحدث بالاتحاد الجهوي لمدينة الرباط منذ سنة 2011. وليس ما يحدث في الاتحاد المغربي للشغل مقتصر على هذه المركزية النقابية بل جميع المركزيات النقابية تعيش نفس الصراع بين التوجه البيروقراطي والتوجه الديمقراطي، والصراعات الداخلية التي تعرفها الكنفدرالية الديموقراطية للشغل منذ بداية عقد التسعينات تؤكد على تكريس التوجه البيروقراطي على حساب التوجه الديمقراطي المكافح. * يبدو من خلال حديثك على أن أزمة العمل النقابي في المغرب تتمثل في غياب الديمقراطية النقابية وهيمنة طبقة من البيروقراطيين على أجهزة المركزيات النقابية القائمة وجعلها في خدمة الباطرونا والسياسات الحكومية الموالية لها، فهل بامكانك تقديم أمثلة محسوسة انطلاقا من تجربتك الخاصة ككاتب وطني للنقابة الوطنية لموظفي وأعوان وزارة الاقتصاد والمالية؟ ** انه طلب صعب نظرا لحساسية الموضوع لكنني سأعمل مع ذلك على تقديم بعض الأمثلة المحسوسة انطلاقا من العمل النقابي داخل وزارة الاقتصاد والمالية ودور البيروقراطية النقابية في افشال كل عمل نقابي جدي يستهدف الارتقاء بالوضع المادي والمعنوي لموظفي وأعوان وزارة الاقتصاد والمالية، وحتى وإن كانت هذه الأمثلة لا ترقى الى ما تعانيه الطبقة العاملة مع العمل النقابي داخل وحدات الانتاج التي تسيطر عليها الباطرونا. في البداية أشير إلى أنه كان من المستحيل تأسيس نقابة داخل هذا القطاع في السنوات التي كانت تعرف باسم سنوات الرصاص نظرا لحساسية القطاع واعتباره كأحد قطاعات السيادة. كان الملجأ الوحيد لموظفي وأعوان الوزارة هو تأسيس جمعيات فئوية وجمعية للأعمال الاجتماعية. وقد انطلقت هذه العملية منذ بداية عقد السبعينات حيث كانت كل فئة تنتخب ممثليها بشكل ديمقراطي وقد تأسست ست جمعيات فئوية قامت بثلاث أدوار أساسية هي أولا، المشاركة في اللجنة الإدارية لجمعية الأعمال الاجتماعية والتي تقوم بتقديم بعض الخدمات الاجتماعية لموظفي وأعوان الوزارة، ثم ثانيا، تنظيم ندوات وأنشطة ثقافية تساهم من خلالها في تمرير مطالب الفئات التي تمثلها، ثم ثالثا، الدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للموظفين والأعوان لدى مسؤولي الوزارة عبر تقديم مرافعات عبر مذكرات ذات طابع مطلبي وتنظيم لقاءات مباشرة مع المسؤولين لمعالجة بعض المنازعات الفردية والجماعية. لكن الحديث عن تأسيس النقابة لم ينطلق الا في بداية التسعينات، حيث بدأت مجموعات من الموظفات والموظفين في التفكير في خلق نقابة تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل. ونظر لارهاب الادارة فقد دامت ارهاصات التأسيس أربع سنوات الا أن تأسست سنة 1995، لكن هذه النقابة الحديثة النشأة وذات التوجه الديموقراطي الكفاحي والتي اسندت فيها الكتابة العامة للرفيقة خديجة الرياضي لم تكن مقبولة سواء من طرف القيادة البيروقراطية للاتحاد المغربي للشغل أو من مسؤولي الوزارة، فكانت تحارب على واجهتين، ورغم ذلك شاركت في انتخابات اللجان الثنائية متساوية الأعضاء سنة 1998، وأحرزت على بعض المقاعد. سيتعزز المشهد النقابي داخل وزارة الاقتصاد والمالية بتأسيس النقابة الوطنية للمالية سنة 1997 المنضوية تحت لواء الكنفدرالية الديموقراطية للشغل، والتي اسندت فيها الكتابة الوطنية الى السيد محمد دعيدعة، مسار هذه النقابة سيختلف تماما عن مسار نقابة الاتحاد المغربي للشغل، فتأسيسها تزامن مع مرحلة بداية ما يسمى "بالتناوب التوافقي" والذي عرف صعود عبد الرحمان اليوسفي كوزير أول وتنصيب فتح الله ولعلو كوزير للمالية، واعتبارا لكون الكنفدرالية الديموقراطية للشغل كانت تابعة آنذاك للاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية فإن تناغما سيحدث داخل وزارة الاقتصاد والمالية بين مسؤولي النقابة ومسؤولي الحزب داخل الوزارة. وقد أثمر هذا التناغم فتح حوار بين النقابة والوزارة والتوافق على عدد من المطالب التي لم تكن بالضرورة لفائدة الموظفين والأعوان. ففي سنة 1999 تم التوافق بين النقابة والوزارة على ادخال اصلاح عميق على نظام العلاوات نصف السنوية أقل ما يقال عنه أنه وجه ضربة قاصمة لمبدأ المساواة في العلاوات بين عموم الموظفين والمسؤولين من جهة وبين المديريات المتخصصة داخل الوزارة. فقبل 1999 كان الفرق مثلا بين اطار خارج السلم وأدنى منصب في المسؤولية أي رئيس مصلحة هو 6.000,00 درهم في السنة أما بعد الإصلاح فارتفع الفرق إلى 80.000,00 درهم في السنة. وتتزايد الفوارق كلما ارتفع منصب المسؤولية. ولم يكتف هذا التوافق بين النقابة والادارة على تأسيس فوارق صارخة في العلاوات بل تم تحصين هذه الفوارق لمنع عموم الموظفين لولوج مناصب المسؤولية عبر تأسيس مبارياة اسناد مناصب المسؤولية، وحيث أصبح اختيار المسؤولين رغم المباراة يخضع أكثر للمحسوبية وعلاقات النفوذ. ان التوافق الحاصل بين الادارة والنقابة سيؤدي الى نجاح هذه الاخيرة في التوفر على جل مقاعد اللجان الثنائية متساوية الأعضاء وبالتالي اعتبارها النقابة الأكثر تمثيلية، وبذلك أصبحت النقابة الوطنية المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل محاربة من طرف الادارة والنقابة الأكثر تمثيلية، رغم نضاليتها وفضحها للمخططات التي تؤدي الى تعميق الحيف بين الموظفين والمسؤولين. الأمر سيتكرس أكثر بعد الانقسام الذي شهدته الكنفدرالية الديموقراطية للشغل وتأسيس الفدرالية الديموقراطية للشغل، حيث اقتسمت المركزيتان مقاعد اللجان الثنائية وأصبحتا تتنافسان على من يحضى بتوافق أكبر مع الادارة وبالتالي الحصول على أكبر قدر من المكتسبات. إن المثال الذي قمت بتقديمه بيبن كيف تتمكن الدولة والبيروقراطية النقابية من افشال أي عمل نقابي سواء من داخل المكاتب النقابية عبر احداث انشقاقات داخلها أو عبر خلق تعددية نقابية تتمكن من خلالها من الالتفاف على المطالب الحقيقية للكادحين. * من خلال تتبع مسارك النقابي يظهر أنك انتخبت كاتبا وطنيا للنقابة الوطنية لموظفي وأعوان وزارة الاقتصاد والمالية سنة 2007 ومنذ ذلك الحين قامت النقابة بتقديم عدد من الملفات المطلبية وبطلب لقاءات مع مسؤولي الوزارة لكن هؤلاء لم يستجيبوا لطلباتكم. كما قمتم بإثارة عدد من القضايا الحساسة وأعلنتم مرارا عن وقفات احتجاجية وعن إضرابات تراوحت بين 24 ساعة و48 ساعة كما تناقلت وسائل الاعلام أخبارا عن دعوة قضائية رفعها ضدكم كل من مدير الميزانية ومدير الموارد البشرية سنة 2011 بسبب انتقاداتكم اللاذعة لأسلوب اجتياز مباريات إسناد المسؤولية والفوارق في العلاوات نصف السنوية. فهل تعتبرون أن قرار طردكم من الاتحاد المغربي للشغل من طرف اللجنة الإدارية للاتحاد يوم 5 مارس 2012 يدخل ضمن التصفية البيروقراطية لأحد رموز الكفاح النقابي الديمقراطي داخل الوزارة بتواطؤ مكشوف مع المسؤولين بوزارتكم؟ أم أن هناك أسباب أخرى تتعلق بمواقفكم السياسية داخل الاتحاد المغربي للشغل خصوصا منها معارضتكم الواضحة لاتفاق 26 أبريل 2011 وانتقادكم لموقف الأمانة الوطنية القاضي بالتصويت بنعم للدستور بدلا من الوقوف موقف الحياد كما كان يفعل المحجوب بن الصديق ومن تم احتسابكم على حزب النهج الديمقراطي؟ ** في البداية أريد التأكيد على أني لست عضوا في النهج الديمقراطي، ثم ثانيا لا وجود لمناضلين من النهج الديمقراطي داخل النقابة الوطنية لموظفي وأعوان وزارة الاقتصاد والمالية، لذلك لا يمكن التذرع بأن القرار الباطل المتخذ بطردي من المركزية النقابية سببه انتمائي للنهج الديمقراطي أو أن نقابة المالية تتضمن مناضلين من النهج الديمقراطي. كما أني أؤكد أن مناضلي النهج الديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل لا يخلطون بين منظورهم السياسي ونضالهم النقابي، لذلك فإن تحامل البيروقراطية والبلطجة الإعلامية على مناضلي هذا التنظيم داخل النقابة عار من الصحة ويستهدف تحريف النقاش الحقيقي حول ديكتاتورية البيروقراطية وتحريف الديموقراطية العمالية. إن قرار الطرد الذي اتخذته اللجنة الإدارية في حقي في 5 مارس 2012 بذريعة تشهيري بالمركزية النقابية هو قرار باطل لعدة أسباب: - فالمسؤول الأول والأخير عن التشهير بالمركزية النقابية هي ممارسات البيروقراطية الفاسدة نفسها والتي تؤكدها تقارير رسمية صادرة عن التفتيشية العامة للمالية وعن المجلس الأعلى للحسابات خصوصا بالنسبة لممثلي الاتحاد المغربي للشغل في تعاضدية التعليم، وأيضا تقرير جمعية فرنسية ترأسها دانيال متران قام بالكشف عن فساد قيادات نقابية بيروقراطية داخل الاتحاد المغربي للشغل تعمل على إفساد العمل النقابي داخل شركة رضال التابعة لشركة فيوليا مقابل رشاوى تتوصل بها من الشركة. وقد أورد مقال لجريدة المساء صادر في 23 فبراير العديد من الأمثلة عن فساد البيروقراطية المهيمنة داخل الاتحاد المغربي للشغل. فهذا المقال الأخير والذي لم أقرأه في حينه سمعت عنه فقط لدى العديد من المناضلين المنخرطين في نقابتنا الوطنية بل قام عدد منهم بطلب الانسحاب من النقابة بحجة فضائح البيروقراطية النقابية التي لا تشرف العمل النقابي داخل هذه المركزية. فكان علي إما أن أركن للصمت فأبدوا كالمتواطئ مع البيروقراطية الفاسدة أو أواجه الفساد الذي فاحت رائحته في الجرائد بكافة الوسائل المشروعة. لقد كان ذلك هو ما دفعني الى أن أطالب الأمانة العامة للاتحاد المغربي للشغل بإجراء افتحاص مالي وإداري للمركزية والمطالبة بتقديم إجابات للطبقة العاملة عن الاتهامات المنشورة حول قياديين داخل الأمانة. لكن اللجنة الإدارية المجتمعة في نفس اليوم الذي طالبت فيه بإجراء الافتحاص وتحت ضغط انزالات البيروقراطية النقابية وبدلا من اجراء تحقيق حول مدى صحة الاتهامات الواردة في الصحف قامت بحملة هجومية ضد التوجه الديموقراطي داخل المركزية النقابية فاتخذت قرار الطرد في حقي وقار التوقيف في حق الرفيق عبد لفناتسة وقرار حل الاتحاد الجهوي لنقابات الرباطسلاتمارة. - لكن هذه القرارات تعتبر باطلة لأن القانون الأساسي للمركزية النقابية ينص في الفصل 20 أن الإجراءات التأديبية قد تتراوح بين الإنذار والإقالة من المهام والتوقيف المؤقت والطرد من "الاتحاد" بالنسبة للعضو، وبين الإنذار والتجميد والحل بالنسبة للجهاز؛ وأنه لا يحق اتخاذ الإجراءات، القصوى بالخصوص، إلا بعد الإنصات للمعنيين بالأمر. لكن هذه الشكلية القانونية المتعلقة بالاستماع الى دفاع المعنيين بالأمر لم تحترم. - كما أن هذه القرارات تعتبر باطلة لأن القانون الأساسي الذي لم يدخل في مهام اللجنة الادارية مهمة طرد الأعضاء في الاتحاد، يشير فقط في الفصل السابع الى ما يلي: التجميد أو الحل، إذا اقتضى الحال، للأجهزة المشلولة أو المخلة بالتزاماتها الأساسية أو المسيئة لمبادئ وأهداف الاتحاد تتم وفقا لشروط يحددها النظام الداخلي. علما أنه منذ انعقاد المؤتمر العاشر للاتحاد في دجنبر 2011 لم يتم لحد الآن إصدار القانون الداخلي. أما بخصوص الدعوة القضائية التي تم رفعها في حقي من طرف مديري الميزانية والموارد البشرية بصفتهما الشخصية وليس الإدارية، فقد قام المديران بسحب الدعوى لأنها لم تستند على مبررات قانونية صحيحة ومعيبة من حيث الشكل، إضافة إلى تقديم توضيحات بخصوص الانحرافات الحاصلة في مجال إسناد مناصب المسؤولية والفوارق الصارخة في العلاوات نصف السنوية. وقد عادت العلاقات عادية ولا أعتقد أن الدعوى كان ورائها تواطؤا مع البيروقراطية النقابية. بالنسبة لمواقفي التي انتقدت اتفاق 26 أبريل 2011 وكذا موقف الأمانة الوطنية بعد اعتمادها التصويت بنعم للدستور، فلا تدخل في المجال السياسي، بقدر ما تعتبر موقفا نقابيا كفاحيا منحازا بشكل كامل الى جانب الطبقة العاملة، ما دام الاتفاق المشئوم ل 26 أبريل يتجاهل مطالب الطبقة العاملة على عدة مستويات كما أن الدستور الممنوح ليوليو 2011 كرس تراجعا خطيرا عن اعتبار الشغل والصحة والتعليم بمثابة حقوق تعمل الدولة على تكريسها. لكن البيروقراطية النقابية التي تعتبر قراراتها مقدسة ترفض أن تعبر القواعد النقابية عن مواقفها بكل صراحة رغم أن الفصل الثالث من القانون الأساسي يضمن لجميع الأعضاء حقهم في التعبير: "يضمن "الاتحاد" لأعضائه حرية الرأي والتعبير مع احترام هويته ومبادئه". * ما هو حجم التداخل بين السياسي والنقابي في قرارات الطرد التي لحقت خمسة قياديين بالاتحاد المغربي للشغل؟ ** ان الفكرة العامة التي عبرت عنها في بداية هذا الحوار والتي تؤكد أن الدول الرأسمالية تهيمن من خلال بورجوازيتها الصغرى على المؤسسات النقابية لضبط حراك الطبقة العاملة ومنع أي محاولة حقيقية لتنظيمها الذاتي من خلال ديمقراطية عمالية حقيقية بل وتخديرها إيديولوجيا من أجل تسهيل تقبلها لمختلف "إصلاحات" الطبقة المهيمنة التي تسير دائما ضد مصالحها. فهذا النهج الرأسمالي الذي أصبح يطبع سلوك الدول الرأسمالية منذ بداية القرن العشرين أي منذ بداية احتضار نمط الانتاج الرأسمالي، نجده يتمظهر بقوة في بلادنا منذ خروج الاستعمار المباشر. فالدولة الرأسمالية التبعية في المغرب ظلت مواظبة على هذا السلوك من خلال هيمنة البيروقراطية النقابية على المركزيات النقابية والتي أصبحت تشكل طبقة بورجوازية صغرى نسميها في الغالب بالارستقراطية النقابية، لكونها تحول المركزيات النقابية إلى مصدر للريع الاقتصادي فتحقق من وراء تموقعها في الأجهزة القيادية ثروات هائلة ومداخيل مستمرة، وذلك مقابل قيامها بمهام وضيعة هي ضرب الديموقراطية العمالية واستبدال الانتخابات الحرة لممثلي العمال من خلال الجموعات العامة بالتعيين أو بالتجييش البلطجي من أجل تسييد نخبة بيروقراطية تعيد انتاج نفس السلوكات المناهضة للديموقراطية العمالية. إذن فالخلفية السياسية التي تحكم قرارات الطرد التي لحقت خمسة قياديين بالاتحاد المغربي للشغل والتي تمت على أيدي البيروقراطية النقابية تخفي الكثير من الحقائق من بينها ما يلي: - أن قرار الطرد لا يهم أشخاصا بدواتهم أكثر ما يهم قطاعات نقابية واسعة محلية ووطنية، علما أن القطاعات النقابية المستهدفة: الاتحاد الجهوي لنقابات الرباطسلاتمارة، الشبيبة العاملة المغربية، التنظيم النقابي للمرأة العاملة، الجامعة الوطنية للتعليم، الجامعة الوطنية لموظفي وعمال الجماعات المحلية، الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي، الاتحاد النقابي للموظفين، النقابة الوطنية لموظفي وأعوان وزارة الاقتصاد والمالية ...، تعتبر من أنشط النقابات المكافحة والديموقراطية، والتي أصبح توسعها وصيتها وسط الطبقة العاملة يدفع أكثر نحو اتخاذ مواقف نضالية متجذرة في مواجهة السياسات الحكومية الهادفة الى تحميل الطبقة العاملة فاتورة أزمة الباطرونا. فالمسيرة النقابية التي انخرطت فيها العديد من النقابات الوطنية يوم 29 فبراير 2012 والتي تعرضت الى قمع وحشي سبقت بأيام قليلة قرارات الطرد المتخدة يومي 5 و22 مارس 2012. من هنا يمكن الجزم بأن قرارات الطرد الأخيرة تحكمها أجندة سياسية خارج الاتحاد المغربي للشغل واتخذت قبل الحدث بمدة طويلة ربما منذ انتهاء المؤتمر العاشر للاتحاد، وأن أدوات تنفيذ هذه الأجندة هي البيروقراطية النقابية؛ - الانزعاج السياسي للطبقة المهيمنة ودفعها للبيروقراطية النقابية لتصفية التوجه النقابي الديمقراطي المكافح ينطلق أيضا من كون هذا التوجه يساند حركة 20 التي نشأت بتزامن مع ما يسمى "بالربيع العربي" والتي تستبطن حمولة سياسية تستهدف تغييرا سياسيا جذريا. وغير خاف الدور الحاسم الذي يمكن أن يلعبه الانخراط الواسع للطبقة العاملة في مشروع التغيير السياسي الجذري؛ - التوقعات المستقبلية المتعلقة بتعمق الأزمة الاقتصادية والسياسية واحتمال اتخاذ قرارات حكومية لا شعبية لتفريغ الأزمة على حساب الطبقة العاملة من خلال سياسات تقشفية اضافية ومزيدا من ضرب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للكادحين. فلكي تتفادى الطبقة المهيمنة تطور خط نقابي ديمقراطي مكافح قد يقود نحو مواجهات عمالية للسياسات التي يمكن اعتمادها مستقبلا، تعمل على بلورة عمليات تصفوية لهذا التوجه عبر بيروقراطيتها الانتهازية. لقد عاش الاتحاد المغربي للشغل منذ نشأته في ظل هيمنة بيروقراطية جسدها المحجوب بن الصديق واتباعه بقوة وتم العمل من خلالها على تصفية كل توجه نقابي ديموقراطي يشرع في التعبير عن نفسه، وتلك هي حالة جامعة قطاع البريد مثلا منذ عقد الستينات والتي تعرضت للعديد من قرارات الطرد والتوقيف يل والاعتداء على المناضلين الشرفاء وفي مقدمتهم الشهيد عمر بنجلون. وتلك هي أيضا حالة عدد مت القطاعات والاتحادات الجهوية التي تم الهجوم عليها بالقوة لتغيير مكاتبها المنتخبة ديموقراطيا من طرف القواعد وأيضا حالة الاتحادات الجهوية بالجديدة والخميساتوالرباط وما يتم العمل به حاليا. * نفهم من خلال خلاصة حديثك صعوبة العمل النقابي اليوم داخل المركزيات النقابية السائدة بسبب هيمنة التوجه النقابي البيروقراطي وعمله على إفشال أي توجه نقابي مكافح لفائدة الديمقراطية العمالية والنضال من أجل بلورة مطالب الطبقة العاملة، فهل لا زال تنقيب الطبقة العاملة اليوم بإمكانه منع أو حتى أن الحد من الهجوم المتواصل ضد شروط عيش العمال؟ ** لا أعتقد، فالنقابات أصبحت اليوم خاضعة بالكامل للبيروقراطية النقابية التي تشكل أداة الباطرونا الحاكمة والتي من خلالها تعمل على الحفاظ على هوامش أرباحها ودفع العمال الى تقديم المزيد من التضحيات. فكلما اتخذت الحكومات اجراءات لفائدة رأس المال وعلى حساب العمل، تسعى البيروقراطية النقابية الى طرق ملتوية لجعل الطبقة العاملة تقبل بتلك الاجراءات. فقد تنطلق من رفض تضحية الطبقة العاملة لفائدة رأس المال، تم تتحول تدريجيا نحو اشتراط ان تكون التضحية موزعة بين جميع السكان، ويؤدي ذلك عمليا الى اجراء حوارات استعراضية في اطار ما يسمى بالحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات مع حضور وازن لنقابة الباطرونا، ويتحول الحوار الى كيفية فرض التضحية لفائدة الرأسمال الوطني. في آخر مشهد من المسرحية يتم التوافق على ابرام اتفاق بين المركزيات الاكثر تمثيلية والحكومة والباطرونا كما حدث في الاتفاق المشؤوم ل 26 أبريل 2011 ، والذي لا زالت النقابات تجتر مطالب تنفيذ بنود الاتفاق على هزالته. فالتوجه النقابي البيروقراطي يفكر بمنطق الاقتصاد الرأسمالي التبعي المهيمن. وعندما يفرض هذا المنطق الأخير قرارات من أجل تقديم الطبقة العاملة تضحيات أكبر، يصبح من مهام البيروقراطية النقابية اقناع الطبقة العاملة باسم "الواقعية" والتي تعتبر أزمة النظام الاقتصادية والسياسية بمثابة "كارثة طبيعية" كالزوابع والفيضانات والزلازل تستوجب من الجميع وخاصة الكادحين تحمل تبعاتها. فممارسات البيروقراطية النقابية منذ عقد الستينات ما فتئت تعمق مأساة الطبقة العاملة عبر جعلها تتجرع المخططات تلو المخططات الرأسمالية التقشفية والاصلاحات التي تتم لفائدة رأس المال على حساب العمل وحيت شكل عقد الثمانينات أبرز مرحلة للهجوم البرجوازي على مكتسبات الطبقة العاملة من خلال سياسات التقويم الهيكلي والخوصصة والتسريحات الجماعية والفردية وتجميد التوظيف. ونظرا لهذا الدور الخطير الذي تقوم به البيروقراطية النقابية فقد أصبحت الطبقة العاملة تعتبر النقابات بمثابة مؤسسات تابعة للدولة، لذلك فهي ترفضها وتحاول الابتعاد عنها وتنظيم نضالاتها خارج كل تدخل من طرفها. إن سلوكات البيروقراطية النقابية الانتهازية والمضادة للطبقة العاملة تتكرس أكثر عندما تتجاهل التسريحات الفردية والجماعية للعمال أو في أقصى تقدير تعمل على فتح حوارات مع مندوبيات الشغل ومع الباطرونا للوصول الى تكريس تلك التسريحات مقابل تعويضات هزيلة. بل كثيرا ما تعمل البيروقراطية النقابية على تكسير نضالات واضرابات الطبقة العاملة بالكثير من الحيل الملتوية، وإذا ما عجزت عن ذلك تتدخل الآلة القمعية والمحاكمات الصورية والتي تتابعها البيروقراطية من بعيد وبالتعبير عن أدنى قدر من التضامن