لقد جسد الوضع النقابي المغربي، وعبر بيروقراطيات نقابية فاسدة تتحكم بالتنظيمات العمالية، التعاون العملي لتلك البيروقراطيات بمعية الباترونا ودولتها، مع السياسة الدولية المهيمنة في مجال الشغل. هذه السياسة المعبرة بامتياز عن اختلال موازن القوى لصالح الرأسماليين وإمبراطوريتهم الكونية، والتي تطالب الطبقة العاملة بكل فئاتها بالمرونة في الشغل ومزيد من اعتصار للأرباح على حساب ما تعيشه تلك الطبقة من أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مزرية لا تحافظ على الكرامة الإنسانية. فنقاباتنا لا تسير إلا في ركب النقابات الأجنبية المتعاونة مع الرأسمال الدولي، وتواظب على أداء اشتراكاتها السنوية بالملايين من السنتيمات، في تجمعات نقابية دولية، كالفدراليات والاتحادات الدولية. إنها، أي النقابات، جزء من كل، ،قطعة من دكاكة تسوي بالأرض كل ما ارتفع من حقوق مشروعة، وتطالب الجميع بان يصيروا نسخة واحدة، من اجل وهم التنمية الذي سيكلف جماهير العمال والكادحين انسانتيتهم. إن منطق النضال لدى البيروقراطيات النقابية هو منطق مقلوب. منطق يلغي الصراع ليعوضه بالتوافق، ويناضل من موقع التوافق بالإلحاح على انتزاع بعض الفتات الذي سيبقي القواعد النقابية مرتبطة بها. فالمعارك النقابية الوطنية للنقابات التعليمية مثلا هي معارك من داخل التوافق، ومن اجل الحفاظ على هذا التوافق، يتدخل المركز النقابي فيما هو إقليمي ليهدئ الأوضاع أو ليطرد من يعتبرهم نقابيين مثيري للفتن = agitateurs. هذا التوافق المبهم، والمقدمات المنطقية التي تؤسس له، أليس إعلانا صريحا عن التعاون الطبقي خلف وهم ما هو وطني؟ إن الانطلاق من فكرة الإحساس بالوصاية على النظام والدفاع عنه، وفي نفس الوقت المطالبة الشكلية بحقوق العمال عبر البيانات والبلاغات والاجتماعات التي لا تنتهي، لا يشعر تلك البيروقراطيات بالتناقض، وحين يضعها النضال الحقيقي الجاري بإحدى المواقع في موقف حرج، تقفز إلى واجهة الأحداث، وتصر مع المصرين بتلبية مطالب لا يمكنها أن تكون جزئية جزئية أو محلية. إن قبول تلك البيروقراطيات النقابية الفاسدة بالسلم الاجتماعي، وما ترتب عنه من إجراءات تعسفية ضد الطبقة العاملة، ضيعت مكاسبها الطفيفة، وبمدونة الشغل المكرسة للهشاشة في العمل، وميثاق التربية والتكوين اللاديموقراطي واللاشعبي، ومدونة الصحة التي تريد المتاجرة في صحة الإنسان، والميثاق الجماعي الجديد الذي يهمش المشاركة الجماعية في الشأن المحلي، وقانون النقابات وقانون الإضراب اللذان يحولان المنظمة العمالية إلى ملحقة بالدولة، وقياداتها الراضخة إلى موظفين “سامين”، وكل ما سيطبق من إجراءات هجومية على شروط عمل العمال وعلى استقرارهم، أمر يبرز بجلاء بقاء النقابات في حظيرة الدولة، ويؤكد عدم استعداد قياداتها البيروقراطية للمغامرة بالمواقع الامتيازية التي يوفرها ذلك التعاون. وبكون التواجد في واجهة النقابات يفتح للبيروقراطية النقابية الفاسدة باب الامتيازات، فان تلك البيروقراطية متعددة في وحدة متكاملة. والامتيازات توزع حسب الموقع في التراتبية البيروقراطية داخل المنظمات النقابية. إن البيروقراطية النقابية الفاسدة / المتعاونة جهاز يتناسل داخل المنظمات العمالية كالورم، حتى يضمن الاستمرارية، استمرارية توفير الأمن النقابي للدولة، ومنع عودة الإطارات النقابية إلى أصحابها / القواعد النقابية وعموم الشغيلة، لتكون بالفعل أدوات نضال للدفاع عن مصالحها، وتعيد الصراع الأساسي إلى سكته الطبيعية. فمرض البيروقراطية النقابية الفاسدة لا يمكن اجتثاثه من المنظمات العمالية إلا بالتربية النقابية الديمقراطية والكفاحية، وإشراك العمال وعموم الشغيلة في تدبير الشأن النقابي، بطريقة بيداغوجية تستهدف تفعيل الإحساس بالثقة في النفس لديهم، ودفعهم ليتعلموا ما كانوا محرومين منه من فكر وسلوك. إن احتراف البيروقراطية النقابية الفاسدة للعمل النقابي المتعاون هو في الحقيقة العقبة الأولى أمام تحرر العمال وعموم الشغيلة من الاستغلال المزدوج، واحد من طرف الرأسمال، والثاني من طرف البيروقراطية الفاسدة نفسها، الأمر الذي يتطلب من النقابيين الديمقراطيين والكفاحيين تجديد أسئلتهم وطرقهم في التعامل مع ظاهرة البيروقراطية النقابية الفاسدة المتفشية داخل المنظمات العمالية. بقلم الأستاذ احسين