إن موضوع التفرغ النقابي، وفي سياق تنظيمات نقابية بيروقراطية متعاونة، يثير داخل تلك التنظيمات الانتباه، كما يثير شهية أنصاف النقابيين الانتهازيين الذين لا يستحقون أن يتفرغوا نقابيا. والتفرغ النقابي مبدئيا هو مكسب للشغيلة وعموم الطبقة العاملة، تستعمله تنظيماتها النقابية قصد تطوير أدائها النقابي، والوقوف والسهر على سير تلك التنظيمات. وحسب القانون المنظم للنقابات فان عدد المتفرغين يتحدد حسب تمثيلية المركزيات النقابية بمجلس المستشارين. ما يهمنا ها هنا هو كون التفرغ النقابي ليس هدية من الباطرونا ودولتهم، بل هو مكسب انتزع بفضل نضالات الشغيلة وعموم الطبقة العاملة. لكن طريقة استعماله من طرف قيادات المركزيات والنقابات القطاعية هو الذي يثير الإشكال، الأمر الذي لا يقلق الباطرونا ودولتهم ولا يقض مضاجعهم. فالمركزيات النقابية، وانسجاما مع طبيعة قياداتها البيروقراطية الفاسدة، التي تحتكر التنظيمات النقابية وتحارب بواسطة ميليشيا ت نقابية كل فهم نقابي ديموقراطي وكفاحي، تستعمل هذا المكسب لارشاء تابعيها، سواء من ميليشياتها الممارسة للديماغوجية أو من تلك الميليشيا العنيفة التي تستعمل القوة العضلية والأسلحة البيضاء. هذا التوزيع البيروقراطي والفاسد يتأسس على معايير غير منصفة ومجحفة، ولا يضع أي اعتبار لنضالات الشغيلة وعموم الطبقة العاملة ويمكن تحديد تلك المعايير على الشكل التالي 1 –التراتبية الفردية داخل التنظيم النقابي. 2 –رصيد الولاء للقيادات. 3 –الانتماء الحزبي في حالة تعدد الأحزاب داخل المركزية. 4 –الانتماء الجغرافي. 5 –الانتماء القطاعي. سنكتفي بهذه المعايير الأساسية التي تعتمدها القيادات المركزية في توزيع غنيمة التفرغ النقابي، بحيث أن التدقيق الشامل لكل المعايير سيجرنا لا محالة إلى متاهات علائقية تستحضر ما هو اجتماعي واقتصادي وسياسي ونفسي، تجسد بالفعل منطق الريع الذي يستبطنه القيادات النقابية المركزية، كما يحتاج إلى الكثير من التفاصيل ليس هذا المقال مجالها. فالتراتبية الفردية داخل التنظيم نقصد بها الثقل المعنوي للنقابي وسط القيادات وفي محيط حاشيتها. هذا الثقل المعنوي تحدده القيادات وتكرسه في أوساط الحاشية والمنخرطين، وليس نتاج أداء نقابي يخدم المصلحة النقابية العامة. أما المعيار الثاني، فحاشيات القيادات النقابية –تناضل- من اجل رفع رصيدها من الولاء، وكلما كبر الرصيد كلما سنحت الفرصة للاستفادة من الريع النقابي. وبخصوص الانتماء الحزبي داخل المركزيات التي تضم أحزاب عدة، فموازن القوى داخل المركزيات، وما يؤسسها من توافقات، هي التي تحدد كوطا كل حزب من المقاعد –الفارغة-.وأخيرا الانتماءين الجغرافي والقطاعي. فالانتماء الجغرافي تظهره خريطة توزيع –التفرغ النقابي-على المستوى الوطني. إذ أن السائد هو استمرار ارتفاع نسبة حصص المراكز، كالدار البيضاء والرباط وطنجة وفاس على حساب المناطق الأخرى.”المغرب النافع ” والقنيطرة أما الانتماء القطاعي، فالقيادات المركزية تستحضر في عملية التوزيع تلك، الحضور الوازن لبعض القطاعات داخل المركزية، الأمر الذي يجعل هذه القطاعات تستفيد أكثر من غيرها من القطاعات. وإذا نحن تناولنا فيما سبق طريقة توزيع القيادات النقابية –للتفرغ النقابي-يبقى أن نشير إلى طبيعة الأداء لدى أغلبية هؤلاء المتفرغين النقابيين. وحتى لا نكون مجحفين في حق متفرغ شريف يحوز الحد الأدنى من الأمانة النقابية التي تتوخى خدمة مصالح الشغيلة وعموم الطبقة العاملة، فان ما يسود في أوساط اغلب المتفرغين النقابيين اثناء مزاولتهم لهذا التفرغ، لا يمت بأية صلة بانتظارات القواعد النقابية في تطوير الأداء النقابي وتصليبه. فمنهم من تخلص من عمله وتحول إلى مداوم بالمقر النقابي حسب توقيته الشخصي، ومنهم الذي يتدرب على التقاعد بشكل قبلي، ولم يعد يربطه بقطاعه ولا بالعمل النقابي أي شيء غير علاقة مشبوهة بالقيادات أو بعضها، ومنهم كذلك من –يقطع الصباط-،لكن لحساب قيادته ولحسابه الشخصي، وغيرهم كثير يكرسون توجه قياداتهم الوطنية والمركزية. إن طبيعة التفرغ النقابي من طبيعة البيروقراطية المسيطرة على التنظيمات النقابية إذ تم إفراغ ذلك التفرغ من مضمونه النقابي الديمقراطي والكفاحي، ليتحول إلى امتياز يهرول المهرولون من النقابيين خلفه. هكذا تمت إعادة توجيه هذا المكسب النقابي ليصير علة ومرضا ينخر الجسد النقابي، ويكبح كل عملية تصحيح وتجديد للعمل النقابي الطامح إلى تغيير موازن القوى السائدة لصالح الشغيلة وعموم الطبقة العاملة. وفي الختام، إن إعادة انتزاع مكسب –التفرغ النقابي- من النقابيين غير المستحقين، هو من صميم الحرب على البيروقراطيات الفاسدة، وهذه الحرب التنظيمية لن تنتصر فيها، طال الزمن أو قصر، سوى القواعد النقابية بمعية قياداتها الديمقراطية والكفاحية التي تتمتع بالشرعية والمصداقية. بقلم الأستاذ احسين