مع التردي المتواصل للأوضاع الاجتماعية وعجز الدولة عن إيجاد فرص عمل، وارتفاع الأسعار مما مس القدرة الشرائية للأسر، بدأ المغرب يشهد في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد تراجع النقابات، حركات «كفاح شعبي» بلغت أوجها بمدينة طاطا وإيفني في عام 2005، وصفرو في شهر رمضان الماضي، وبومالن دادس التي خلفت إصابات واعتقالات. واكتست هذه الحركات النضالية شكل احتجاج جماهيري بالشارع، من مسيرات واعتصامات ضمت النساء والرجال والشباب والشيوخ تبدو الحركة النقابية المغربية فاقدة للبوصلة إثر التحولات العالمية التي أفرزت ظاهرة العولمة، وما واكبها من احتجاجات اجتماعية أصبحت مؤطرة من خارج النقابات. من أحداث طاطا، إلى صفرو وبومالن دادس، وزاوية أحنصال بإقليم أزيلال، فضلا عن الاحتجاجات اليومية للمعطلين في العاصمة الرباط، والنشاط المتزايد لجمعية حملة الشواهد عبر مختلف التراب الوطني، تظهر النقابات المغربية خارج سياق الأحداث، حيث تقف المركزيات النقابية متفرجة على ما يجري، مكتفية بتوفير بعض مقراتها للمحتجين دون تأطيرهم. وساهمت عوامل كثيرة في جعل النقابات المغربية تتراجع عن تأطير جزء كبير من الاحتجاجات الاجتماعية، أبرزها ما عرفه العالم من تحولات لم يكن لها صدى لدى القيادات النقابية المسيطرة. لقد عرف العالم تغيرات بعد سقوط المعسكر الاشتراكي في أوربا الشرقية وهيمنة العالم الرأسمالي، حيث هيمنت الشركات متعددة الجنسيات ونمط اقتصاد السوق، مما جعل بعض المنظمات النقابية تتبنى الأطروحات والمفاهيم الرأسمالية الجديدة كاقتصاد السوق، والمقاولة المواطنة، والتنافسية، ومرونة الشغل. وفضلا عن ذلك، يظهر أن النقابات المغربية أصبحت تعاني أزمات واضحة، تتجسد في عدم وضوح الرؤية، والافتقار إلى المصداقية، وسيطرة الزعامات التاريخية وما تفرضه من بيروقراطية. وكان لارتباط النقابات المغربية بالأحزاب وارتباطها بأجندتها، دور في عدم تطورها، فالكونفدرالية الديمقراطية للشغل، تلقت ضربة قاسية بانشقاق الفيدرالية الديمقراطية للشغل عنها بسبب الخلافات داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، وقبل أن يقع الانشقاق كانت النقابة قد بدأت تضعف بعد تجربة التناوب التي ساهمت الكونفدرالية في التمهيد لها بانخراطها في ما عرف ب»السلم الاجتماعي». ويظهر أن قدر النقابات المغربية هو ارتباطها التاريخي بالعمل السياسي، فحزب الاستقلال أنشأ الاتحاد العام للشغالين، والاتحاد الاشتراكي خلق الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، ثم الفيدرالية الديمقراطية للشغل، وحتى الاتحاد المغربي للشغل نفسه تأسس لأسباب سياسية في 20 مارس 1955 من طرف الحركة الوطنية التي عملت على تنظيم العمال المغاربة خارج الكونفدرالية العامة للشغل التابعة لفرنسا. الاتحاد المغربي للشغل، مثلا، مازال يرأسه المحجوب بن الصديق منذ الاستقلال، ومازالت تحكمه نفس البيروقراطية التي تجعله يفتقر إلى سياسة نقابية موحدة، حيث ترسخت بهذه المنظمة، منذ عقود، قاعدة انطواء كل قطاع وطني على ذاته، وكأنه مستقل بذاته. أما الاتحاد العام للشغالين، الموالي لحزب الاستقلال، فلا يخرج عن المسار العام لتعاون النقابات مع الدولة لتأمين السلم الاجتماعي، وهو بدوره يعرف أزمة تصور نقابي وتنظيمي وبيروقراطية قاتلة تجلت بوضوح في الصراع الداخلي الذي عرفه وانتهى بالإطاحة بكاتبه العام عبد الرزاق أفيلال الذي اتهمه إخوانه بالفساد والاستبداد. ولعل أبرز مظاهر هذه الأزمات أن الفئات المسيرة للنقابات أصبحت لها مصالح خاصة بها، حيث تبذل الجهد وتصرف المال في حملات تنافس الأجهزة النقابية للفوز بمقاعد في المؤسسات (مثل مناديب العمال واللجان الثنائية ومجلس المستشارين)، إضافة إلى التنافس الشرس على مقاعد المجلس الإداري للضمان الاجتماعي، والاستماتة في بعض لجان الشؤون الاجتماعية المعروفة بثرواتها الكبيرة. وإذا كانت أبرز فترات العمل النقابي القوي بالمغرب قد تجسدت في بداية الثمانينات، مع إضراب عام 1981 وأحداث يناير 1984 بمراكش والشمال)، وهي الأحداث التي تزامنت مع الشروع في تطبيق سياسة التقويم الهيكلي بتوجيه من المؤسسات المالية الدولية، وخروج حزب الاستقلال من الحكومة، فإن المتتبعين للشأن الاجتماعي يرون أن حالة السلم النقابي الاجتماعي، الذي عرفه المغرب في الآونة الأخيرة، لا يعود سببه إلى سلسلة الحوارات والاتفاقات الاجتماعية التي دشنتها الحكومات مع النقابات منذ حكومة عبد اللطيف الفيلالي، ثم اليوسفي، وجطو، بل بسبب الضغط الذي أصبح ممارسا على الطبقة العاملة في ظل قلة فرص العمل، والخوف من الطرد في ظل ارتباط النقابات بأجندات سياسية بعد تجربة التناوب. ومع التردي المتواصل للأوضاع الاجتماعية وعجز الدولة عن إيجاد فرص عمل، وارتفاع الأسعار مما مس القدرة الشرائية للأسر، بدأ المغرب يشهد في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد تراجع النقابات، حركات «كفاح شعبي» بلغت أوجها بمدينة طاطا وإيفني في عام 2005، وصفرو في شهر رمضان الماضي، وبومالن دادس التي خلفت إصابات واعتقالات. واكتست هذه الحركات النضالية شكل احتجاج جماهيري بالشارع، من مسيرات واعتصامات ضمت النساء والرجال والشباب والشيوخ. وفي الغالب لم يكن للقوى السياسية والنقابية دور في تأطير هذه الاحتجاجات باستثناء بعض الجمعيات الحقوقية التي أخذت على عاتقها الدفاع عن مطالب هؤلاء المكتوين بنار العولمة.