الملك يأذن بدورة المجلس العلمي الأعلى    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    "الجنائية الدولية" تطلب اعتقال نتنياهو    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    المغرب يستضيف أول خلوة لمجلس حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية        عجلة البطولة الاحترافية تعود للدوران بدابة من غد الجمعة بعد توقف دام لأكثر من 10 أيام    دراسة: تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    جمعويون يصدرون تقريرا بأرقام ومعطيات مقلقة عن سوق الأدوية    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتفاضات الخبز في العهد الجديد
نشر في هسبريس يوم 11 - 10 - 2007

في الآونة الأخيرة، بعد التعبير عن الموقف بخصوص الانتخابات والمشاركة السياسية من طرف الأغلبية الصامتة، خرجت الطلائع الأولى من الجماهير المتضررة إلى الشوارع في العديد من المدن والقرى للتعبير عن سخطها وغضبها بفعل تردي الأوضاع الاجتماعية والظروف المعيشية. ""
عرف الشهر الأخير تصاعدا ملحوظا في الاحتجاجات واحتداد كفاحيتها، وبالرغم من التدخلات الشرسة، والمتهورة أحيانا، لقوات الأمن والقوات المساعدة، بشتى الأشكال، ما انفكت الوقفات والمسيرات الاحتجاجية تتجدد وتتسع قاعدتها.
علما أن المغرب شهد نضالات جماهيرية مريرة، أحدث بعضها اهتزازات عميقة، ومنها انتفاضة الدار البيضاء في مارس 1965 وانتفاضة مراكش وتطوان والناظور والحسيمة والقصر الكبير في يناير 1984، والاحتجاجات العارمة في طنجة وفاس في دجنبر 1990، وتلتها في العهد الجديد احتجاجات وانتفاضات بوعرفة والرشيدية وتنجداد وفكيك وخنيفرة وشفشاون، وانتفاضة العيون في سنة 2004 وانتفاضة سيدي افني (آيت باعمران) سنة 2006، وآخرها انتفاضة صفرو والبهاليل والضواحي، وكل هذه التحركات الجماهيرية خلفت ضحايا واعتقالات ومحاكمات وأحكام تقدر بقرون من السجن.
لقد شهد العهد الجديد حصته من الاحتجاجات الاجتماعية العارمة بفعل تردي الأوضاع وغلاء المعيشة واحتكار الثروات، آخرها أحداث صفرو وهجوم السلطات على عمال جبل عوام وأحداث اغبالو إيسردان، ومتابعة عدد من طلاب الجامعة بمكناس والراشيدية وتلاميذ تنجداد، هذا إضافة إلى الوقفات الاحتجاجية ضد الغلاء التي نظمتها التنسيقيات في مجموعة من المدن والمراكز رغم التشديد في إجراءات الترخيص بخصوصها، تفاديا للانفلات الذي جرى بصفرو وضواحيها.
والاحتجاج، في واقع الأمر، تعبير عن مستوى التطور السياسي الذي وصله المجتمع، إذ في المجتمعات الديمقراطية، تؤدي الاحتجاجات والانتفاضات إلى استقالة مسؤولين وأحيانا إلى إسقاط حكومات بكاملها، أما عندنا فمازالت الاحتجاجات الجماهيرية والانتفاضات الشعبية تعتبر مجرد قلاقل تؤدي فقط إلى سقوط ضحايا وجملة من الاعتقالات، غالبا ما تكون عشوائية، تتلوها محاكمات دون القيام بتحقيق واستقصاء مسؤولَين ونزيهَين في النوازل لتحديد المسؤوليات.
فالقاعدة عندنا إن المذنب الوحيد هم المحتجون والمنددون الغاضبون الذين وصل فيهم السّيل الزبى.
فلازال القائمون على أمورنا لم يعترفوا بعد بضرورة وجود ثقافة الاحتجاج، وبحق المواطن المتضرر من جراء سياسات معتمدة، التنديد بها وإظهار غضبه واستيائه بخصوصها.
إن العقلية السائدة مازالت تُصوّر المحتجين الغاضبين "شهداء الكوميرا" أو "الأوباش" أو "محرضين من طرف أعداء الوطن أو من طرف الخارج"...
كما أن الاحتجاجات الشعبية تكون مناسبة يستغلها النظام لتصفية حساباته السياسية مع خصومه بشكل أو بآخر.
لكن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء سخط وغضب الجماهير، مازالت هي نفسها، إنها سياسات الإفقار المنتهجة طيلة عقود، انتهت بإخراج الغاضبين عن صمتهم وراحوا ينظمون الاحتجاجات على نحو غير مسبوق في تاريخ المغرب.
وشكلت رفع أسعار المواد الأساسية والخدمات الاجتماعية (فواتير الماء والكهرباء، رسوم العلاج...) النقطة التي أفاضت كأس الغضب الجماهيري في مختلف أنحاء البلاد.
الجو العام لانتفاضات العهد الجديد
لم تشهد الفئات الكادحة والطبقات الفقيرة في تاريخها المعاصر، لاسيما منذ ثمانينات القرن الماضي على الأقل، تدهورا في المستوى العام للمعيشة وانهيار القدرة الشرائية مثلما شهدته في الخمس السنوات الأخيرة.
وساعد انتشار الفقر على تفاقم معدلات الانهيار في الأوضاع المعيشية للملايين من المغاربة، وعلى انتشار العنف والجريمة، كما بدأت تبرز حالات الانتحار بسبب الإملاق واليأس، وتعاظمت معدلات انتشار الرشوة والفساد (وهذا ما أقر به التقرير الأخير ل "ترانسبارانسي")، وتضاعفت أعداد أطفال الشوارع والمشردين والمتسولين، وأحاطت أحزمة البؤس بالمدن الكبرى إحاطة السوار بالمعصم، حيث تعيش شرائح كبيرة من المواطنين، نساها أو تناساها المجتمع، تمارس حياتها شبه البدائية رغم وجودها في نتوءات داخل المدن، بلا مياه ولا كهرباء ولا تطهير أو نظافة، يعانون الفقر وسوء التغذية، حتى أضحت فضاءات تصدر شرورها للمجتمع الذي أهملها.
على هذه الخلفية، التي عرضنا جانبا يسيرا منها لكنه ذو دلالة، عاشت بلادنا، فترات غير مسبوقة من انفجار الاحتجاج الاجتماعي في مواجهة تداعيات الليبرالية المتوحشة المعتمدة.
وماذا عن رد السلطة؟
بخصوص رد فعل السلطة، رغم تغيير الخطاب، مازلت "حليمة على عادتها القديمة".
عوض التفكير في حل الأسباب الداعية إلى الاحتجاجات والانتفاضات، التي من شأنها خلق ظروف انفلاتات أمنية، عمدت السلطات بالأساس إلى إصدار تعليمات ترمي إلى منع الاحتجاج وأي تجمع جماهيري للتنديد بالغلاء، بل أعطيت أوامر لاستعمال القوّة لتفريق الوقفات، ولردع التظاهرات غير المرخص لها مسبقا، رغم أن بلادنا تعتمد نظام التصريح وليس نظام الترخيص بخصوص الوقفات الجماهيرية، وبموازاة مع ذلك صدرت أوامر للسلطات ذات الاختصاص للتصدي ومنع أية وقفة مهما كانت الجهة التي تنظمها.
صفرو تنتفض ضد الجوع والتهميش
كان تنظيم الوقفة ضد الغلاء في إطار الوقفات التي دعت إليها التنسيقيات للتنديد بسياسة التفقير التي تنهجها الدولة، باعتبار أن الزيادات المتوالية في أسعار المواد والخدمات العمومية الأساسية تعتبر انتهاكا ومساسا خطيرا بحق المواطنين في العيش الكريم.
وبذلك عرفت مدينة صفرو حركات احتجاجية متوالية خلال أسبوع، لكن في يوم الأحد 23 شتنبر بعد انتهاء الوقفة أصر الكثير من المواطنين على التوجه إلى مقر العمالة قصد المطالبة بفتح حوار مع ممثل الملك بالإقليم، الذي ظل ممتنعا على الاستجابة لطلبهم، إلا أنهم ووجهوا بقمع شرس من طرف قوات الأمن والقوات المساعدة، مما أدى إلى تحويل المسيرة السلمية إلى انتفاضة عارمة خلّفت مئات الجرحى وعشرات المعتقلين.
ووجدت محاولات قوات الأمن تفريق المحتجين بالقوّة المفرطة ردا حثيثا ومقاومة قوية من طرف آلاف الجماهير الساخطة.
في هذه الأثناء كان بعض أعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان قد وصلوا إلى مقر العمالة لمعاينة الأحداث، إلا أن قوّات الأمن بادرت باعتقال بعضهم على مرأى المحتجين، الشيء الذي أجج من غضبهم، وسرعان ما تطور الوضع إلى التراشق بالحجارة واندلاع انتفاضة في مختلف أحياء المدينة، وقد شملت الاعتقالات ذلك اليوم 37 شخصا، عدد منهم يشمل القاصرين.
وعندما هَمَّ عضوان من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالاستفسار عن اعتقال رفاقهم، ردت السلطات باحتجازهما، وبعد مدة أطلقت سراح أحدهم واحتفظت بالثاني رهن الاعتقال.
وعلى إثر هذه الأحداث التي خلفت عدة ضحايا أصيبوا بجروح متفاوتة، ضربت عناصر من القوات المسلحة حصارا على الأحياء الملتهبة بالمدينة، كما رابضت أمام المصالح والمؤسسات التي استهدفها غضب الصفريويين (الإدارات، الأبناك، السجن..)، واستقرت سيارات رجال الأمن والقوات المساعدة في أهم زوايا شوارع صفرو تحسبا لأي طارئ لاسيما وأن علامات السخط والتذمر والغضب ظلت بادية على الوجوه.
وتبيّن مرّة أخرى أن تدخل السلطات غير المحسوب والمعتمد على استخدام القوّة المفرطة، ساهم في تأجيج غضب المحتجين، إضافة إلى الاعتقالات العشوائية التي ذهب ضحيتها مجموعة من القاصرين.
انتفاضة بوعرفة "هامش الهامش"
منذ نضوب "المنغنيز" ببوعرفة تحولت هذه المدينة إلى فضاء للتهميش، مشكلة مع عين الشعير وبوعنان وتندرارة وضواحيها مسرحا لعدّة احتجاجات شعبية ضد الإقصاء والفقر والموت البطيء.
وفي غضون شهر مايو من السنة الجارية تحدى سكان بوعرفة مختلف أشكال الترهيب والتخويف والتلويح بالقمع، وخرج الآلاف في مظاهرة شعبية، قيل إنها امتدت على طول زهاء كيلومتر، إذ قدر عدد المتظاهرين ب 10 آلاف، أجراء وعاطلون وشباب، تجار صغار وحرفيون...
وبالمناطق المجاورة نظمت وقفات احتجاجية تضامنية لمساندة أهل بوعرفة المنتفضين ضد الفقر والتهميش، وذلك بتندرارة وبوعنان وبني تادجيت وتالسينت.
وظلت بوعرفة مثالا لما اقترفه مصاصو دماء الشعب، إذ في السابق، من أجل نهب منجم "المنغنيز"، امتد خط السكة الحديدية إليها، لكن تركت المدينة على حالها بعد أن تم إقفال المنجم، ومنذئذ يتوجع أهلها فقرا وتهميشا منذ أكثر من أربعين سنة.
وعندما وصل السيل الزبى، بعد أن اكتوى سكانها بنيران شتى صنوف الحرمان طيلة عقود من الإهمال انتفضوا وأعلنوا عن غضبهم، آنذاك وصف مجموعة من المحللين الاقتصاديين بوعرفة ب "هامش الهامش".
لكن منذ سنة 2000 وسكان بوعرفة يتحركون ويتظاهرون وينددون، ففي يونيو 2001 انطلقت مظاهرة صاخبة من بني تادجيت رفضا لغطرسة الجيش بالمنطقة، وكان اعتداء بعض الجنود على مواطنين مناسبة لتفجير السخط إزاء واقع الحرمان الشامل المفروض على السكان، وفرض الغضب الشعبي العارم آنذاك انتقال لجنة مكونة من أحمد الميداوي وزير الداخلية والجنرال حسني بنسليمان والجنرال عبد العزيز بناني وبنوهاشم مدير الأمن الوطني، إلى عين المكان. والتزم وزير الداخلية أمام الملأ بخلق مشاريع تنموية للنهوض بالمنطقة، لكن "سير الضيم" كما يقال، وظل "هامش الهامش" يسير نحو المزيد من التهميش.
وفي أكتوبر 2005 انتفض أهالي تالسينت وبوعرفة للمطالبة بالعمل ومورد عيش قار وإلغاء فواتير الماء والكهرباء التي بفعل غلائها غير المعتاد آنذاك، صبت الزيت في النار، وتدخلت القوات المساعدة والسيمي ككلاب مسعورة على المتظاهرين الذين فاق عددهم 2000، وقد وصل بهم الأمر إلى إطلاق النار الحي في الهواء، الشيء الذي نتج عنه عدّة ضحايا، لم يعرف عددهم بالضبط بسبب الخوف من الاعتقال.
وفي اليوم الموالي حضر عامل بوعرفة إلى تالسينت لكن السكان رفضوا لقاءه احتجاجا على القمع الشرس الذي قوبلت به مظاهرتهم الاحتجاجية السلمية. كما انطلقت في نفس اليوم مظاهرة مماثلة ببوعرفة.
ومع استمرار تردي الأوضاع ابتدع السكان أساليب جديدة للاحتجاج والتعبير عن الغضب والسخط، إذ اختار بعضهم اللجوء إلى الجزائر باعتبار أن الحياة لم تعد تطاق بالمنطقة، هذا في وقت ينعم فيه القائمون على الأمور في "نغنغة" النعيم بالعاصمة الإدارية أو الاقتصادية.
وفي أبريل 2003 قام أزيد من 300 مواطن بمسيرة نزوح جماعي، رجالا ونساءا، فتصدت لهم السلطات المحلية والقوات المساعدة بعد سيرهم 20 كلم في اتجاه الجزائر، وهي نفس الطريقة التي لجأ إليها 35 شابا من عين الشعير في يناير 2007.
أحداث بني تادجيت
عرفت بني تادجيت احتجاجات جماهيرية واسعة على إثر الزيادات الأخيرة في الأسعار، ومن جراء ظروف لا إنسانية للحصول على الدقيق من النوع الرديء المدعم، اعتبارا لسوء توزيعه وتهريبه خارج البلدة إلى السوق السوداء على مرأى من السلطات المحلية.
وحسب أحد الغاضبين، فإن الأوضاع السائدة حاليا ببني تادجيت شبيهة بأجواء المجاعة التي عرفها المغرب في ظل الاستعمار الفرنسي، والمعروفة بأعوام "البون".
انتفاضة آيت باعمران
عرفت مدينة سيدي إفني، حاضرة أيت باعمران، احتجاجات واسعة في غضون سنة 2006، وكان انفجار غضب أهلها قد تزامن مع تنظيم المهرجان الثقافي والسياحي السنوي، وتلى ذلك اعتقالات في صفوف شباب المدينة الغاضب.
وتحددت المطالب آنذاك في إحداث عمالة بسيدي افني وإتمام الشطر الثالث لميناء افني وبناء الطريق الساحلية بين افني وطانطان وتوفير الأطر الطبية وتشغيل الشباب العاطل، على غرار ما تم تطبيقه بخصوص شباب الأقاليم الصحراوية.
وقبل ذلك، في غضون شهر مايو سنة 2004، عرفت مدينة سيدي افني، الواقعة على شاطئ منسي من المحيط الأطلسي، وقبل يوم واحد من اندلاع أحداث العيون، أكبر مسيرة احتجاجية في تاريخها، إذ شارك فيها أكثر من أربعة آلاف شخص اعتصموا أمام مقر الباشوية ورفعوا شعارات تطالب برفع الحصار على مدينتهم وضواحيها، وقد وصل مدى هذا الاحتجاج إلى مدينة كلميم، إذ خرجت مئات النساء من أصول أمازيغية للاحتجاج أمام مقر الولاية والمطالبة بمعاملتهن بالمثل على قدم المساواة مع النساء من أصول صحراوية ممن يحظين بالاستفادة السخية من منحة "الإنعاش الوطني"، لكن المظاهرة سرعان ما تم تفريقها، لتجد لها صدى في ضواحي كلميم حتى وصلت إلى طاطا.
وحسب مجموعة من الملاحظين ظلت المنطقة المكونة من كلميم وآسا الزاك وطانطان وسيدي افني، تشكل إحدى كبريات أحزمة البؤس التي تهدد بكوارث اجتماعية باعتبارها إحدى المناطق المنسية.
أحداث العيون
أعادت أحداث العيون سنة 2004 ذاكرة المغاربة إلى ما وقع سنة 1999 بالمدينة نفسها، عندما واجه رجال الأمن والقوات المساعدة بعنف شديد مواطنين محتجين رفعوا شعارات ومطالب اجتماعية رافضة للمقاربة الأمنية الصرفة.
وانفجرت الأحداث في جو احتقان اجتماعي مهدد بالانفجار، آنذاك كان حي "معطى الله" بالعيون قد احتضن اندلاع مظاهرة بدأت صغيرة ارتجلها بعفوية بعض قاطني الحي أمام وفد صحفي كان يقوم بزيارة للمدينة.
إذ تجمع ما يناهز ثلاثين نفرا يرددون شعارات معادية للمغرب وللوحدة الترابية على مرأى ومسمع قوات الأمن.
وحسب أكثر الروايات رواجا، عرفت مدينة العيون تصاعدا في الاحتجاجات يوم السبت 21 مايو 2004، وكانت البداية باعتصام أمام السجن المدني لأعضاء أسرة أحد السجناء تم نقله إلى سجن أيت ملول، مما استدعى تدخل قوات الأمن لتفريق المعتصمين، باعتباره اعتصاما غير مرخص به من طرف السلطات. وفي يوم الاثنين 23 مايو تجمع شباب أمام منزل السجين المرحل، لكن تم تفريقهم، وفي اليوم الموالي احتشد نحو 60 شابا بحي "معطى الله"، ومن ثمة كانت انطلاقة مظاهرة مع رشق قوات الأمن بالحجارة واضرام النار في إطارات السيارات وسط الشارع العام، فاضطرت السلطات إلى تعزيز قوات الأمن، وفي اليوم الموالي اتسعت دائرة الاحتجاجات وارتفع عدد المتظاهرين وكان رد فعل رجال الأمن قوّيا نتج عنه مئات الضحايا من ضمنهم نحو 20 رجل أمن.
وحسب أكثر من مصدر داهمت قوات الأمن في جناح الليل حي معطى الله واقتحمت مجموعة من البيوت به، وهجمت على سكانها بالضرب والإهانة، حيث تم تسجيل أكثر من 40 إصابة واعتقال مئات الأشخاص أغلبهم من الشباب.
انتفاضات من أجل الحق في الماء
عرف العهد الجديد انتفاضات بعض القبائل من أجل الحق في الماء، إذ انفجرت سلسلة من الاحتجاجات المتواصلة.
وقد تصاعدت حدة المسيرات من أجل الماء وتنوعت أشكالها، وحملت العديد من سكان القرى النائية على قضاء ليال في العراء أمام مقرات العمالات والولايات لاسيما وأن تعاقب سنوات الجفاف كان قد أدى إلى تأزيم الأوضاع المعيشية لدى سكان العالم القروي.
واعتبارا لعزلة الكثير من المناطق النائية لم يرق صدى تلك الاحتجاجات المتفرقة إلى درجة ما ترتب عن الانتفاضات الحضرية.
ففي البادية كانت الاحتجاجات سلمية لم تكن تتعد وقفات ساهم فيها عدد قليل من الغاضبين، إلا أنها لم تؤد إلى أي نتيجة رغم تحمل المتظاهرين عناء السفر والحضور أمام مقرات العمالات والولايات.
ومع تجاهل السلطات تناسلت الوقفات الاحتجاجية وسرعان ما تحولت إلى مسيرات غضب لم يخل بعضها من مواجهات مع رجال الأمن، سقط على إثرها بعض الضحايا القلائل.
خلاصة القول
لقد تساءل الكثير من المحللين بخصوص تطورات المجال الاجتماعي في العهد الجديد، علما أنه على أرض الواقع المعيش لا يشعر المرء إلا ببروز انعكاسات الزيادات المتتالية للأسعار وجمود الأجور وعدم تلبية مطالب الحركات الاحتجاجية في مختلف القطاعات الاجتماعية والمواجهات الشرسة لكل احتجاج، وفي أحسن الظروف اعتماد موقف عدم الاكثرات.
وتشير حالات الاحتجاج واسعة المدى إلى جملة من الدلالات البارزة منها:
- اتساع النطاق الجغرافي لفعل الاحتجاج والتنديد من جراء تردي الأوضاع، وامتدادها إلى أغلب المدن.
- امتداد هذه الموجة إلى أغلب الفئات الاجتماعية في المجتمع المغربي، حتى الفئات المتوسطة.
- بروز دور المرأة والشباب في الكثير من الوقفات الاحتجاجية والانتفاضات، بل منها ما لم تكن لتنجح لولا مساهمة المرأة المكثفة فيها.
- أغلب الانتفاضات والوقفات الاحتجاجية نتج عنها إصابات بجروح ومتابعات ومحاكمات وصدور أحكام بالسجن.
- أغلبها كانت عفوية وغير مؤطرة مع تسجيل غياب تام للنقابات.
- عكست الاحتجاجات وعيا مهما بالمصالح الاقتصادية للمحتجين والغاضبين، كما أكدت من جديد غياب تأثير الأحزاب السياسية في النسيج الاجتماعي.
- أفرزت الحركات الاحتجاجية الأخيرة جيلا جديدا من الساخطين الشباب غير المنتمين سياسيا.
- كان الاستعمال المفرط للقوّة هو الرد الرئيسي على الاحتجاجات، حيث تدخلت قوات الأمن والقوات المساعدة وأحيانا الجيش بشراسة لخنق أصوات المحتجين الغاضبين.
إن المغرب يعيش اليوم احتقانا اجتماعيا بسبب تعاظم عدد المغاربة الذين لم يعودوا يمتلكون وسائل لضمان قوتهم اليومي ولا يؤمنون على حاضرهم ومستقبلهم. ولعل هذا الوضع يطرح من جديد وبحدّة إشكالية التغيير، لاسيما في شقيها الاقتصادي والاجتماعي، وإشكالية الانتقال الديمقراطي.
وأغلب الانتفاضات والاحتجاجات الاجتماعية، التي عرفها العهد الجديد كانت ردود فعل على تدهور الأوضاع وعلى إثر الزيادات في الأسعار والهجوم الكاسح على القدرة الشرائية لأوسع الفئات.
إلا أن انتفاضة صفرو وبعض احتجاجات مراكز الأطلس المتوسط والجنوب الشرقي، كان لها وقع خاص بعد تسجيل نسبة ضئيلة من المشاركة في الانتخابات الأخيرة، إذا أكدت أن الأغلبية الصامتة ساخطة على الوضع.
الاحتجاجات بلغة الأرقام
خلال الدورة الأولى سنة 2006 سجلت الإضرابات العمالية ارتفاعا بنسبة 69 بالمائة مقارنة مع سنة 2005، ففي المجموع تم تسجيل 44 إضرابا في القطاع الصناعي والتجاري والخدمات مقابل 39 إضرابا سنة 2005. وقد ارتفعت أيام الإضراب إلى 18559 يوما مقابل 9436 سنة 2005، أي بتسجيل زيادة بلغت 97 بالمائة، علما أن إضرابات الفترة الأولى من سنة 2006 تميزت بطول مدتها وارتفاع عدد المشاركين فيها.
أما الدورة الثانية من سنة 2006، فقد سجلت 106 إضرابا، إذ تم تسجيل ارتفاع بنسبة 74 بالمائة مقارنة مع الدورة الثانية لسنة 2005، وبنسبة 42 بالمائة مقارنة مع الدورة الأولى من سنة 2006. وعبأت هذه الإضرابات عددا كبيرا من المضربين ناهز 10500 مُضْرِب.
وهذه أرقام مصدرها محايد غير منحاز للعمال أو للنقابات، وهي تشير إلى وجود أزمة اجتماعية عميقة، وأغلب تلك الإضرابات مؤسسة على قاعدة اقتصادية خبزية محضة من جراء تردي الأوضاع المعيشية، لكنها تظل حركات ضد التفقير والتهميش.
وبخصوص التنسيقيات المناهضة للغلاء، فقد تشكلت أول هيئة محلية لمناهضة ارتفاع الأسعار بواد زم في غضون شهر مارس 2006، وفي شتنبر 2006، تناسلت المطالبة بتشكيل تنسيقيات لمناهضة ارتفاع الأسعار، وقد فاق عددها الآن الخمسين. وفي نهاية أكتوبر 2006 عقدت التنسيقيات الملتقى الوطني الأول خرج بإعلان الرباط لتنسيقيات مناهضة ارتفاع الأسعار، وهو الإعلان الذي انطلقت منه لتنظيم وقفات احتجاجية في مختلف المدن والمراكز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.