يكون اليوم العالمي للقضاء على الفقر مناسبة للكشف عن فحوى السياسيات التي تنهجها الحكومة وانعكاساتها على الصعيد الاجتماعي والمعيشي كلما حل يوم 17 أكتوبر. "" في هذا اليوم من كل سنة تنزل شعوب العالم إلى الشوارع من أجل الاحتجاج عن انتشار الفقر، رغم ما وصلته من تقدم وقدرات إنتاجية للتعبير عن تضامنهم مع الفقراء عبر العالم. في حين أن المغرب الذي يستشري فيه الفقر ويحتضن الكثير من الفقراء لم يعرف مثل هذا الاحتجاج بهذه المناسبة، بل ولم يع أغلب المغاربة أن 17 أكتوبر هو اليوم الدولي للقضاء على الفقر، وذلك بالرغم من أنه تزامن هذه السنة مع تنظيم تنسيقيات مناهضة للغلاء لعدة وقفات احتجاجية على امتداد المملكة وبالرغم من أن الزيادات المتتالية في أسعار المواد الأساسية أثارت غضبا شعبيا واسع المدى، وبالرغم من أن الأسعار مازالت قابلة للارتفاع في أي وقت على حين غرة، دون إخبار أو سابق إنذار كالعادة. احتجاجات في المدن والقرى ضد تردي الأوضاع المعيشية والتنديد بارتفاع الأشعار ،لكن 17 أكتوبر (اليوم الدولي للقضاء على الفقر) مرّ في صمت مطبق من طرف الدولة والإدارة وفعاليات المجتمع المدني، ما عدا الوقفة التي نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أمام البرلمان تحت شعار :" يوم وطني ضد العطالة والغلاء من أجل العيش الكريم". ظل تحرك المجتمع المدني المغربي محدودا جدا، لا يكاد يبين احتفاءا باليوم العالمي للقضاء على الفقر، لم يرق إلى مستوى الاحتفاء باليوم العالمي للموسيقى أو المسرح، علما أن قضية التصدي للفقر في الدول المتقدمة، رغم أنها معنية بالفقرة أقل منا، قد أظهرت أن المجتمع المدني يلعب دورا أكثر بروزا حينما يتقلص دور الدولة، لأن في تلك الدول تهتم مجتمعاتها المدنية بفقرنا أكثر مما نهتم نحن به ، وذلك منذ أن بدأ إحياء اليوم العالمي للقضاء على الفقر سنة 1993 عندما أخذت الأممالمتحدة على عاتقها تقليل عدد فقراء العالم ذوي دخل أقل من دولار واحد ( 10 درهما) يوميا بنسبة النصف بحلول سنة 2015. إن أهم ما تم تسجيله بالمغرب بمناسبة إحياء اليوم العالمي للقضاء على الفقر إعطاء انطلاقة ل 17 مشروع تنمية لفائدة 17 جمعية غير حكومية في إطار شراكة بين برنامج الأممالمتحدة للتنمية ودولة إيطاليا، ويقدر الغلاف المالي الإجمالي لهذه المبادرة بمليوني يورو ( ما يناهز 22 مليون درهم) مرصودة لتنمية السياحة البيئية والصناعية التقليدية والعلاجات الأولية وتحسين تغذية الأطفال في وضعية صعبة. إن الاحتفاء الجدي بهذا اليوم أضحى يتطلب الآن خلق جبهة من أجل التحسيس بأهمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحث على تفعيل آليات حمايتها والنهوض بها والتفكير الجماعي في أنجع السبل للدفاع عنها، ومن أجل بلوغ هذا الهدف تعمل حاليا مجموعة من الفعاليات الحقوقية والديمقراطية ببلادنا على تأسيس "شبكة التضامن الاجتماعي" على المستوى الوطني والمحلي ، وتضم مجمل القوى الديمقراطية المهتمة بالدفاع عن تلك الحقوق. إن إشكالية الفقر بالمغرب أضحت مركبة بفعل تداخل مجموعة من المعضلات، كالفساد والرشوة وتضييق الخناق على حرية التعبير. فانتشار الرشوة والفساد يؤدي إلى ضرب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين وإلى غياب مسألة ناهبي المال العام، وهذا في ظل ضعف استقلال القضاء، الشيء الذي يساهم بشكل كبير في تشجيع الفساد والرشوة وبالتالي إلى المزيد من تجميع الشروط لاستشراء الفقر واتساع دوائره. كما أنه وبشهادة العديد من المحللين والسوسيولوجيين يعتبر غياب حرية التعبير أو تضييق الخناق عليها من الأسباب التي تساهم في انتشار الفقر واستشرائه باعتبار أنه كلما غابت حرية التعبير تقلصت فرص مشاركة المواطنين في صناعة القرار السياسي والاقتصاد وضاقت كذلك إمكانيات الضغط من أجل توجيه السياسيات العمومية أو الدفع لتغييرها وتعديلها. إن الأشخاص الذين يعيشون في وضعية فقر مدقع، في عرف المجتمع الدولي هم الذين يتوفرون على دخل لا يتعدى دولار واحد (10 دراهم تقريبا) في اليوم، لكن حتى ولو كانوا يربحون أكثر من ذلك فهناك العديد من العائلات بالمغرب أضحت تعيش فقرا لا يطاق رغم أن معيليها يتوفرون على عمل قار سواء في القطاع العمومي أو القطاع الخاص. فمنذ أن حصل المغرب على استقلاله في أواسط خمسينات القرن الماضي، وعلى امتداد أكثر من أربعة عقود، و حكوماته المتعاقبة ، والتي بلغ عددها 28 مع ذهاب حكومة إدريس جطو، تحدثت عن وضع سياسات وخطط وحددت الميزانيات ونفقت الأموال لكي تحقق التنمية لتحسين مستوى المعيشة والتصدي للفقر. وبعد كل هذه الجهود والأموال التي صرفت، والسياسات التي بلورت، تم تكريس الفقر واتسعت دائرته وترسخت آليات التفقير إلى أن وصل الحال إلى ما هو عليه الآن بالمغرب. فبالرغم من أن المغاربة بذلوا جهودا كبيرة وعانوا كثيرا من الحرمان وأثقلت كهولهم بالضرائب العادية منها والاستثنائية منها والتضامنية، فإنهم ظلوا يعاينون تدهور أحوالهم المعيشية، لاسيما منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، حيث ازداد الفقر توسعا بشكل لم يسبق له مثيل. وهكذا يبدو أن النمو الاقتصادي الذي حققه المغرب، تحقق بالأساس من خلال تدهور مستوى معيشة أوسع فئات الشعب و على حساب توسيع دائرة الفقر، إذن، فأين ذهبت ثمار النمو الاقتصادي؟ إن جزءا كبيرا منها ذهب إلى القلة و إلى الهذر بأشكاله المختلفة و إلى الاستهلاك البذخي. لقد ازداد الفقر وانتشر واتسعت الهوة بين القلة الغنية التي لا تكاد تبين عدديا أمام الأغلبية الساحقة الفقيرة. إن توزيع وإعادة توزيع الثروات والخيرات الوطنية من أهم مقاصد تدبير معاش وعيشة الإنسان في أية دولة ، كما أنه من المعلوم أن الدولة هي التي تشرف على عملية هذا التوزيع وإعادة التوزيع عبر جملة من الآليات الظاهرة منها و الباطنية، المشروعة منها وغير المشروعة، المباشرة وغير المباشرة أو الملتوية. وبذلك، فان تناول إشكالية الفقر بالمغرب تلزمنا أن نتناولها آخذين بعين الاعتبار الإطار العام للمسار الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، خاصة فيما يتعلق بالاختيارات الكبرى التي نهجها القائمون على أموره منذ الاستقلال و السياسة المعتمدة في توزيح الثروات و نتائج النمو المحققة . إن التصدي للفقر بالمغرب يمر بالضرورة وحتما عبر التصدي لجذوره، أي عبر بلورة إستراتيجية مستديمة واضحة المرامي والأهداف، تضع نصب عينيها ثقافة تخليق الحياة العامة واحترام المال العم واجتثاث آليات إنتاج وإعادة إنتاج عوامل وأسباب الفقر والتهميش ووضع حد لمسلسل التفقير الممنهج.