أجمعت التقارير الدولية، التي حاولت استشراف حالة الأسعار في السنة التي حلت قبل أيام قليلة، على أن القدرة الشرائية ستتأثر بالتهاب أسعار البترول والمواد الغذائية في الأسواق الدولية.. هذا خبر غير سار للأسر المغربية التي عانت، في السنة الفارطة، من تآكل قدرتها الشرائية بفعل الزيادات التي طالت المواد التي تشكل جوهر قفة الأسر في المغرب. قبل أيام قليلة زيد في سعر زيت المائدة 20 سنتيما، لتصل الزيادات التي طالت هذه المادة خلال السنة الفارطة إلى درهمين ونصف... ولا يستبعد منتجو هذه المادة، التي لا غنى عنها في غذاء المغاربة، اللجوء إلى زيادات جديدة، في السنة الحالية، فهم يعتبرون أنهم غير قادرين على الصمود أمام ارتفاع أسعار المواد الأولية التي تستورد من الخارج. ولم تتخذ الحكومة القرار الذي كان يفترض أن تتخذه في نهاية السنة التي ودعناها، والقاضي بمراجعة إجراء الاستمرار في دعم أسعار الدقيق الممتاز والخبز.. هكذا، أصدرت الوزارة المكلفة بالشؤون الاقتصادية والعامة بلاغا أوضحت فيه اعتزامها تمديد العمل بالتدابير الرامية إلى الحفاظ على أسعار القمح الطري في حدود 250 درهما للقنطار الواحد والدقيق الممتاز في حدود 350 درهما للقنطار، وكذا ضمان استقرار سعر الخبز العادي المصنوع من الدقيق الممتاز في مستوى 1,20 درهم للخبزة الواحدة التي تزن 200 غرام.. لكن قد يعن للحكومة التراجع، تحت ضغط الداعين إلى إعادة النظر في صندوق المقاصة، فتعمد إلى مراجعة الدعم الذي ترصده للدقيق، فنشهد، بالتالي، زيادة في أسعار الخبز، كما حدث في رمضان الماضي.. وإن كان هاجس الحفاظ على السلم الاجتماعي لا يتيح ترجيح هذه الفرضية. قد تبرر السوق الدولية الزيادة في سعر السكر، وإن كان السعر الذي تشتري به الأسر المغربية هذه المادة مرتفعا عن ذاك الذي دون في الجريدة الرسمية.. وإذا ما قل الكلأ بفعل شح التساقطات المطرية، فقد تلجأ شركات الحليب إلى الزيادة في الأسعار، خاصة إذا ظلت أسعار مسحوق الحليب في السوق الدولية في المستويات التي بلغتها في السنة الفارطة. وإذا كانت السلطات العمومية قد أمسكت عن الزيادة في أسعار المحروقات عند الاستهلاك في السنة الفارطة رغم ارتفاعها في السوق الدولية، فإنها تتوفر على سلاح يمكن أن تستخدمه إذا ما قدرت أن الظرفية ملائمة، ويتمثل في نظام المقايسة الذي تحدد وفقه أسعار المحروقات حسب المستوى الذي تبلغه في السوق الدولية. هذه آلية يمكن أن تلجأ إليها الحكومة، خاصة وأن الخطاب الغالب (أنظر الحوار) يتجه نحو إعداد النفوس لتقبل إعادة النظر في الدعم.. غير الزيادة في أسعار المحروقات عند الاستهلاك تنذر بارتفاع أسعار المواد والخدمات الأساسية.. وهذا ما تجلى بوضوح في الزيادات التي طالت النقل في السابق. حمى ارتفاع الأسعار تطال في السنوات الأخيرة أسعار الخضر والفواكه، ولا ينتظر أن تشذ السنة الحالية عن هذا المنحى الذي تحول إلى قاعدة.. فقانون حرية الأسعار والمنافسة لا يجيز تحديد الأسعار ولا يسمح لمراقبيها سوى بالتحري في مدى التقيد بإشهارها، هذا في الوقت الذي يفرض فيه المنطق، في نظر البعض، التأكد، عند التعاطي مع مواد من قبيل الخضر والفواكه، مما إذا كان ربح التجار معقولا، خاصة وأن منهم من يعمدون إلى الاتفاق على أسعار محددة لا ينزلون عنها قيد أنملة. ناهيك عن المضاربة والوساطة التي تلهب الأسعار، إذ يؤكد العديد من المنتجين أن لا علاقة بين الأسعار التي تباع بها الخضر والفواكه في الضيعات، وتلك التي تنتهي إليها في أسواق التقسيط. ولا ينتظر أن تتراجع هذه الممارسات، مادام ضمير الرقيب لا يصحو سوى في رمضان، ليغفو بعد أن تطفأ الكاميرات.