يؤكد رمضان من جديد، فشل الحكومة في السيطرة على أسعار المواد الغذائية الأساسية، تاركة حرية التصرف في تحديد الأثمان في الأسواق للشركات المنتجة، والتجار، والسماسرة، الذين يستغلون المناسبات، مثل رمضان، لقلب قاعدة العرض والطلب، على حساب المستهلكين. وشهدت المواد الغذائية الأساسية، مع بداية الشهر الفضيل، وقبله بأيام، صعودا جديدا، خصوصا اللحوم الحمراء، والبيضاء، والأسماك، والخضر والفواكه، والتمور، والقطاني، والتوابل، إلخ، ما أحدث اختلالات في ميزانيات الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وحد من قدراتها الشرائية العامة، الضعيفة أصلا. وقبل حلول رمضان، الذي يعد شهر استهلاك بامتياز، ارتفعت أثمان اللحوم الحمراء لتقترب من 80 درهما للكيلوغرام الواحد، في بعض أسواق الدارالبيضاء، في حين صعدت أسعار الخضر بشكل لافت، مثل الطماطم، التي فاق الكيلوغرام الواحد منها 5 دراهم، وثمن بعض الأصناف الجيدة من الفواكه أكثر من 15 درهما، مثل التفاح، والإجاص، والخوخ، والموز. وشهدت أسعار التمور هذا الموسم غلاء غير مسبوق، إذ يبلغ ثمن الكيلوغرام من الرطب العادي 20 درهما، والممتاز حوالي 100 درهم. ويرجع الغلاء، أساسا، إلى أن رمضان حل هذا الموسم قبل نضج التمور، الذي يكون عادة في بداية أكتوبر، ما دفع إلى استيراد الكميات المطلوبة من دول تونس، والإمارات العربية، والعراق، في حين يتأتى تمر الجزائر من الكميات المهربة من الحدود الشرقية، وأساسا بني درار. من جهتها، تستمر موجة الغلاء في أسواق الأسماك، التي كانت إلى عهد قريب ملاذ الطبقات الفقير. وبعدما سجل سعر السردين، الذي يوصف بأنه سمك الفقراء، 10 دراهم قبل سنتين، ارتفع حاليا ليقترب من 40 درهما، في وقت يتحدث مهنيون عن أن الثمن مرشح ليصل إلى 30 درهما في الأيام المقبلة، تحت تأثير "انخفاض المنتوج بسبب الاستنزاف". وانتقل سعر بعض أصناف المنتوجات البحرية الجيدة بنسبة تقارب الثلث، كما هو الحال بالنسبة إلى القرش، والميرلان، والبارجو، والقرب. ويتراوح السعر بين 60 درهما و100 درهم، حسب النوع والجودة ونقط البيع. وكانت الحكومة أعلنت قبل أيام، في بلاغ لها بمناسبة رمضان، أنه "سيجري تأمين تزويد السوق المحلية بالطماطم، واللحوم الحمراء، طيلة شهر رمضان المبارك"، موكدة أن "الإنتاج المرتقب للطماطم، خلال شهري غشت وشتنبر، يقدر ب 220 ألف طن (مقابل 160 ألفا خلال رمضان الماضي)، ما سيمكن من تغطية الطلب على هذه المادة، خلال هذا الشهر الفضيل". وزاد البلاغ قائلا "بالنسبة إلى اللحوم الحمراء تؤكد الوضعية أن الإنتاج المتوفر، خلال شهر رمضان، يقدر ب 31 ألفا و500 طن، في الوقت الذي يقدر الطلب ب 32 ألف طن"، مشيرا إلى أن "تموين السوق بالمنتوجات الأكثر استهلاكا، خصوصا الطماطم واللحوم الحمراء، شهد تقلبات مرتبطة أساسا بالظروف المناخية". ويظهر بوضوح أن البلاغ أرجع صعود الأسعار، الذي حدث فعلا مع بداية رمضان، إلى ارتفاع الطلب، مقابل العرض. وفي نظر الحكومة، يؤدي توفير العرض إلى تلبية الطلب المتزايد على المواد الغذائية، ما يؤدي، نظريا، إلى خفض الأسعار، الأمر الذي لم يحصل إطلاقا، وكأن قاعدة العرض والطلب في الأسواق المغربية، لم تعد سارية المفعول. وما يثير الانتباه، في ما يخص مسألة استمرار غلاء المواد الغذائية في المغرب، أن الأخيرة، إلى جانب المواد الغذائية والمنتوجات النفطية، شهدت انخفاضا كبيرا في الأسواق العالمية، مع اندلاع الأزمة العالمية قبل سنة، وانخفاض الطلب العالمي على هذه المواد. وحسب متتبعين، بلغت نسبة الانخفاض النصف، بالنسبة إلى مواد من قبيل الحبوب، والقطاني، والأرز، والثلث، بالنسبة إلى مواد، مثل الزيوت، والحليب ومشتقاته. لكن الانخفاض الأكثر أهمية، هو المسجل في المواد النفطية، التي تراجعت أسعارها في الأسواق العالمية بنسبة الثلثين، إذ انخفض سعر البرميل الواحد من حوالي 142 دولارا للبرميل، في يوليوز 2008، إلى حوالي 70 دولارا حاليا، بعدما تراجع ليقترب من 30 دولارا، بداية 2009. والنتيجة، المفترض أن تترتب عن تراجع أسعار الذهب الأسود، انخفاض أسعار كل المواد والخدمات، بفعل انخفاض تكاليف النقل، على الصعيدين الدولي والوطني، غير أن لأمر لم يكن كذلك في أسواق المغرب، إذ ظلت أثمان النقل كما هي، بل ارتفعت تذاكر النقل الحضري بصورة واضحة، خلال الأيام الأخيرة، نتيجة انتهاء العطل، وعودة الأسر إلى مساكنها.