اكتسى تخليد فاتح ماي في بداية الاستقلال طابعا خاصا ، وإن كانت مشاركة الطبقة العاملة والسياسيين أمرا بديهيا، كان حضور الملك محمد الخامس رحمه الله والوزراء الأولون في المنصة الرسمية متابعين للخطب والاستعراض أمرا غير عادي. وبعدما تولى الراحل الحسن الثاني الحكم ومع تشرذم مقصود للطبقة العاملة، أصبح فاتح ماي عيدا حقيقيا للعمال فقط . وكان الاستعراض مناسبة لتقديم المطالب ومناسبة أيضا لتجاوب عميق لباقي أفراد الشعب معها. وهو استعراض يسبقه إنصات دقيق لخطاب وزير التشغيل ولخطب القادة النقابيين والسياسيين. إلى حدود 1990 كان فاتح ماي أيضا مناسبة سياسية بامتياز ، فجموع من الطلبة والتلاميذ و غير المنقبين كانوا يهيئون مع العمال، سواء داخل بورصة النقابة أو في مقرات تنظيماتهم الجمعوية والسياسية، تخليد ذلك اليوم بتوزيع المناشير ووضع الملصقات على الجدران إلى «التسلل» يوم العيد في صفوف المسيرات العمالية ورفع شعارات سياسية واجتماعية خارج ما اتفقت عليه القيادات النقابية مع المصالح الأمنية المختصة. وكانت الشعارات المرفوعة تتوجه بالنقد إلى النظام الملكي والحكومة والبرلمان والباطرونا على حد سواء، وتخلق في نفس الآن تجاوبا مع المتتبعين من أبناء شعبنا ، كثيرا ما يصل بهم الحماس ببعضهم إلى درجة المرور من موقف المتفرج إلى موقع المشارك في الاستعراض . وغالبا ما ينتهي الاستعراض بمواجهة في الشوارع والأزقة في هذه المدينة أو تلك مع رجال الأمن والذين كانوا يستنفرون يوم فاتح ماي مدججين بالرشاشات وبالدخيرة الحية.ومع ذلك كان المشاركون يتوجهون إليهم بذلك الشعار: البوليس كون على بال... المشاكل بحال بحال. وإلى حدود 1990 ماي كانت قطاعات واسعة من العمال والموظفين تقيم بعد الاستعراض، لقاء للمشاركين لتناول وجبة بإحدى المطاعم أو تنظيم نزهة مشتركة لهم ولأسرهم في المنتزهات أو الغابات القريبة ، يقيمون أوضاعهم وما جرى خلال الاستعراض. لقد كان يوما بنكهة العيد حقا. في السنين الأخيرة انتفت كل هذه المظاهر إلا من حضور كل أنواع قوات الأمن، المسلحة بالهراوات والكاميرات والعربات المصفحة المزودة بخراطيم المياه ،وجيش عرمرم من المخبرين الذين يتسابقون لتسجيل الشعارات ، وتركت للنقابيين عبء تنظيم تظاهراتهم لوحدهم ، وبدت الاستعراضات وكأنها «شر» لا بد منه ، حضور ضعيف وشعارات أضعف وتجاوب لا يذكر من جمهور قليل العدد. وعُوض البشر بسيارات الأجرة وما شابه ذلك ، ولم يعد أحد يأبه بما ستقوله الحكومة على لسان وزير التشغيل ليلة العيد . وفي غياب الحماس يعود النقابيون المشاركون في الاستعراض على بيوتهم مرهقين نفسيا وجسديا، ولسان حالهم يقول : لقد مر اليوم والسلام. في سنوات الاستقلال تم إقرار عدة مكتسبات نص عليها: - الظهير الخاص بالاتفاقات الجماعية، أبريل1957 -الظهير الخاص بطب الشغل، يوليوز1957 -ظهير حول النقابات المهنية ، يوليوز1957 - ظهير حول شروط العمل والأجور في القطاع الزراعي ،أبريل1958 -الظهير الخاص بالسلم المتحرك للأجور والأسعار، أكتوبر1959 - الظهير القاضي بإحداث الضمان الاجتماعي ، دحنبر1959 وفي السنوات الأخيرة استفادت الشغيلة من عدة مكتسبات جاءت في مدونة الشغل سنة 2003: -إقرار التغطية الصحية الاجبارية(2002) -إصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي -الرفع من سن الأطفال المستفيدين من خدمات الصندوق إلى 26 سنة (2010) والرفع من قيمة التعويضات العائلية ابتداء من 1999 . ملفات تهم الشغيلة لا زالت تحت الدرس: - معضلة التقاعد في المغرب - الحكامة في تسيير التعاضديات (مشروع مدونة التعاضد) - خادمات البيوت - تشغيل الاطفال - الحق في العمل الحركة النقابية بالمغرب: محطات (بإيجاز) الحركة النقابية في فترة الحماية بضع سنوات بعد إبرام عقد الحماية بدأت الحركة النقابية المطلبية بتأسيس وداديات وجمعيات للموظفين والمأجورين، ثم تجمعت بعضها سنة 1930 في إطار اتحاد النقابات بالمغرب بإيعاز من الكنفدرالية العامة للشغل الفرنسية. وأثناء ولاية الحكومة الشعبية بفرنسا شهد المغرب أول اضراب عام1936 كان من نتائجه المباشرة إنشاء عدة مركزيات نقابية شكل المنخرطون المغاربة فيها أقلية في أول الأمر، ثم أغلبية فيما بعد. بدءا من 1950 وفي مرحلة مناهضة نظام الحماية بدأ النقابيون المغاربة يفكرون في إطار نقابي وحدوي مستقل (حر) موازاة مع نضالهم السياسي داخل حزب الاستقلال وعملهم الفدائي في المنظمات السرية . وتجندت أطر من حزب الاستقلال في تلك الفترة لتشجيعهم على خلق ذلك الإطار النقابي الحر بما يخدم وحدة المغاربة وإجماعهم في معركة الاستقلال. الاتحاد المغربي للشغل: ويوم 20 مارس 1955 انعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد المغربي للشغل، بأحد المنازل بحي بوشنتوف بالدار البيضاء، نتيجة تحالف بين الحركة العمالية (أبرز قادتها الطيب بن بوعزة ،المحجوب بن صديق والتباري) و حركة المقاومة( من أبرز قادتها ابراهيم الروداني). وقد دعا النداء الصادر عن المؤتمر التأسيسي العامل المغاربة للوحدة و النضال من أجل : - حق العمل - القضاء على البطالة - تحسين الأجور - الاتفاقات الجماعية - الضمان الاجتماعي - التوزيع العادل للثروات - احترام حقوق الانسان كما كانت لنفس المؤتمر عدة مطالب سياسية: - إقرار ديمقراطية حقيقية - الإعلان عن مجلس تأسيسي - إقرار دستور ديمقراطي - إنجاز إصلاح زراعي جذري - تطهير الإدارة من الخونة و المتواطئين مع الاستعمار - تصفية القواعد العسكرية الأجنبية التشرذم النقابي ابتداء من سنة 1960 إن كان الصراع السياسي أيام الحماية حاسما في وحدة العمل النقابي، في إطار إ م ش ، فإن ذلك الصراع في مرحلة ما بعد الاستقلال،عصف بتلك الوحدة بعد 1960 وتجلى أساسا في سعي الدولة المغربية أولا في إبعاد بعض قيادات الاتحاد المغربي للشغل من ميدان الصراع السياسي وثانيا في تشجيع بل وخلق منظمات نقابية جديدة كالاتحاد العام للشغالين سنة 1960 واتحاد نقابات العمال الأحرار سنة 1963 . وتميزت تلك الحقبة بسيطرة التوجه المطلبي الصرف مقابل «مكافئات مادية «لبعض قيادي إ م ش ،ويُعد محمد بن عبد الرازق أحد مهندسي ذلك التوجه إلى أن انتهى به المسار في فضائح مالية عجلت بموته. وأدى الصراع داخل إ م ش إلى مواجهات واصطدامات دامت زهاء 18 سنة انتهت بقيام 6 نقابات وطنية إلى تأسيس البديل المقابي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل. الكنفدرالية الديمقراطية للشغل : البديل النقابي الديمقراطية ، الجماهيرية ، التقدمية و الوحدة هي المبادئ التي أعتمدتها 6 نقابات، مستقلة عن إ م ش، في مبادراتها التي أفضت إلى تشكيل لجنة تحضيرية من أجل عقد مؤتمر تأسيسي لمركزية بديلة . و يوم 25 نوفمبر 1978 عقد المؤتمر التأسيسي للمركزية النقابية الجديدة: الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، استجابة لمطامح الطبقة العاملة في التحرر من كل أنواع الاستغلال و بناء الأداة النقابية الديمقراطية. وتجاوزا لمرحلة الانحطاط البيروقراطي و الانتهازية النقابية جعلت ك د ش من ركائزها الأساسية: احترام الديمقراطية الداخلية و توسيع المبادرة القاعدية». وكانت للمبادرات القاعدية الدور الهام في تأجيج الصراع الاجتماعي لمدة سنوات عبر مجموعة كبيرة من الاضربات العامة والإضرابات القطاعية. وبالمقابل بدأت المركزية الفتية تشكو من عدم احترام الديمقراطية الداخلية وسط جو من الصراعات لأطرها لأسباب سياسية وحزبية وانتهى الأمر في آخر المطاف بانشقاقين متتابعين، الأول سنة 2003 بإنشاء الفيدرالية الديمقراطية للشغل والثاني سنة 2006 بخلق المنظمة الديمقراطية للشغل. لماذا الفيدرالية الديمقراطية للشغل؟ تأسست الفيدرالية الديمقراطية للشغل في أبريل 2003، المؤتمر التأسيسي الذي ضم 18 نقابة وطنية تنتمي لقطاعات مختلفة من قطاعات الوظيفة والمؤسسات العمومية و 20 إتحادا محليا ضمن تنظيماتها مقاولات محلية من القطاع الخاص. هذه التنظيمات والنقابات الوطنية التي تم طرد عدد منها أو اضطرت إلى الانسحاب من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (ك د ش) بعدما يئست من مطالبة قيادة هذه المركزية باحترام الديمقراطية الداخلية في انتخاب الأجهزة، واحترام استقلالية التنظيمات النقابية القطاعية في تدبير أمور القطاع، وعدم توظيف النضال النقابي لأهداف لا علاقة لها بمصلحة المأجورين. وبعدما يئست أيضا، من المراهنة على الإصلاح من الداخل لانحراف القيادة النقابية عن المبادئ التي تأسست عليها الحركة النقابية المغربية سنة 1955 . الف د ش: المهام والتوجهات: تعتبر الفيدرالية الديمقراطية للشغل حاملة مشعل الحركة النقابية الأصيلة - استمرارية حركة التحرير الوطنية - التي انبثقت منها. لذلك تعمل جاهدة على التطبيق المتواصل لكل المبادئ التي تأسست عليها هذه الحركة وعلى الخصوص منها: 1 . الدفاع عن حقوق ومكتسبات المأجورين المادية والمعنوية 2 . المساهمة في بناء مجتمع مغربي ديمقراطي. 3 . تحصين العمل النقابي ودمقرطته بتوسيع مشاركة المأجورين المنخرطين في اتخاذ القرار. 4 . تعزيز استقلالية العمل النقابي عن أرباب العمل وعن الحكومة كيفما كان لونها السياسي. 5 . العمل من أجل توحيد جهود كافة مكونات الحقل النقابي دفاعا عن الحقوق الأساسية للمأجورين. 6 . انخراط الفيدرالية الديمقراطية للشغل في المعركة النقابية الدولية من أجل جبهة نقابية عالمية ضد العولمة المتوحشة ومن أجل مناهضة كل أشكال الميز و التهميش والفقر واستغلال الأطفال وتقوية الوعي بالمساواة بين الجنسين. 7 . وضع كوطا للنساء لتطوير مشاركة المرأة في العمل النقابي. 8 . التعاون مع كل القوى والفعاليات الديمقراطية والمنظمات غير الحكومية من أجل إرساء سلام عادل في الشرق الأوسط يضمن حقوق الشعوب العربية المحتلة في الاستقلال والحرية والكرامة ودعم نضالات الشعوب وحقوقها في التقدم والتنمية. الفيدرالية الديمقراطية للشغل والحداثة النقابية: نص القانون الأساسي للفيدرالية الديمقراطية للشغل على عدد من الإجراءات التي تسير في سياق الحداثة والديمقراطية ومنها : 1 . تحديد ولاية الكاتب العام في دورتين فقط، خلافا لما تعرفه التنظيمات النقابية في المغرب حاليا، حيث يستمر الكاتب العام مدى الحياة. 2 . انتخاب الأجهزة النقابية بالاقتراع السري 3 . عدم التدخل في الحياة الداخلية للتنظيمات النقابية القطاعية قي اختيار مسؤوليها أو ممثليها في الهياكل المركزية بكل حرية 4 . الاستقلالية في التدبير الإداري والمالي حسب صلاحياتها تبعا للقانون الأساسي ل ف.د.ش 5 . الحق في الانسحاب من (ف.د.ش) شريطة تسوية ما بذمتها من التزامات مالية اتجاه المركزية 6 . اعتماد مسطرة الانتخاب وإشراك القطاعات في اختيار ممثلي المركزية في الواجهات التمثيلية (الغرفة الثانية، مستشارو الجهة،...) 7 . عقد المؤتمرات المركزية في أوانها أهم انشغالات الفيدرالية الديمقراطية للشغل: 1 . الدفاع عن الحريات والحقوق الأساسية للمأجورين المنخرطين في الف.د .ش والدعم والتضامن مع النضالات العمالية 2 . دفع الحكومة إلى فرض احترام قانون الشغل من خلال ضغطها على المشغلين وكذا تقوية جهاز تفتيش الشغل ، وتفعيل الآليات المنصوص عليها في المدونة لفض النزاعات. 3 . حث الحكومة إلى التصديق على كل الاتفاقيات الأساسية لمنظمة العمل الدولية. 4 . المساهمة كقوة اقتراحية في المفاوضات الحكومية / النقابية حول مستقبل أنظمة التقاعد في المغرب وتسوية أوضاعها المالية. 5 . مطالبتها بدمقرطة تسيير صناديق التقاعد من خلال إشراك ممثلي النقابات ذات التمثيلية فيها وإخضاع التسيير المالي بها للمراقبة المنتظمة. 6 . مساهمتها في الحوارات الحكومية حول مشروع التغطية الصحية الإجبارية الذي اقترحته الحكومة لحل معضلة ضعف التغطية الصحية في المغرب. 7 . الدفاع عن ملفات العمال والتفاوض حولها مع أرباب المقاولات. بهدف رفع مستوى التأطير النقابي بشكل يتلاءم مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية اهتمت الفيدرالية الديمقراطية للشغل ببرامج التكوين النقابي لفائدة أطرها سواء بالاشتراك مع هيئات دولية (منظمة العمل الدولية) أو باعتمادها على إمكانياتها الذاتية، حيث نظمت ندوات وموائد مستديرة حول موضوعات ترتبط بالملفات المفتوحة مع الحكومة