لقد أثرنا في مقال سابق معضلة ربط الدولة البورجوازية للمنظمات العمالية بقطارها التنموي الزائف الذي يخترق كل محطة استغلال يمر منها، وسمينا هذا الربط حصانة تبرزها قانون النقابات وقانون الإضراب الآتي في المستقبل القريب. فهذه القوانين لا تعترف ضمنا بمبدأ استقلالية النقابة كما جاء في قانون الحريات العامة. استقلالية النقابة بالنسبة للدولة لا تخرج عن نطاق ” التوافق ” مع الباترونا، وهذه الأخيرة تريد وتشجع على التفاوض السلمي الذي يتيح لها إمكانية الدفاع عن مكاسبها وفرض مطالبها. هذه هي الاستقلالية النقابية بالنسبة للباترونا ودولتها، أما مضمون الاستقلالية النقابية الحقيقية، تلك الاستقلالية، التي تفسح المجال للنقابيين وعموم الطبقة العاملة وتعطيهم فرصة التكوين النقابي الحقيقي الذي يؤدي بهم نحو أفق نقابي يطرح السؤال الجوهري في مجال الإنتاج بشكل عام، من ينتج على شاكلة من يحكم؟ ففي اعتبار هذه الأخيرة ) الباترونا ودولتها ( هو إخلال بالنظام العام. ..نظام الاستغلال والاستعباد. في هذا الإطار، والى جانب الحصانة الرسمية للنقابة من طرف الدولة، تنضاف حصانة أخرى، هذه المرة تنظيمية، للإطارات العمالية تمارسها البيروقراطيات النقابية الفاسدة، وهي موضوع هذا المقال. إذن كيف تحصن البيروقراطية النقابية الفاسدة الإطارات العمالية؟ إن الدور التعاوني للبيروقراطيات النقابية الفاسدة جاء ليستكمل الجانب العملي للحصانة المطلقة التي كرست القوانين شقها النظري. انه دور يعتمد ترسانة من الإجراءات داخل المنظمات العمالية يمكن تحديدها بشكل عام على الشكل التالي : - الشوفينية : انه إحساس مرضي يسمح بتشكل وإعادة تشكل البيروقراطيات النقابية الفاسدة. إحساس يوحي بالتملك المرضي للحقيقة النقابية ويدفع أصحابه إلى استباحة التنظيم النقابي واستبطان تملكه كما يستبطن إقطاعي أملاكه. - البيروقراطية الإدارية : إن التحكم في القانون الأساسي والداخلي للمنظمة واستعمالهما من طرف البيروقراطيات حسب ما تمليه مصلحتها ) التزوير – الطرد – التجميد. ..(، مع إمكانية اللجوء إلى اجتهادات غير تنظيمية تستدعيها ضرورات تلك المصلحة، أمر لا يسير إلا في اتجاه تحصين النقابة وضمان مرونتها. - رصيد من ” الكاريزما ” الواهمة :يستبطن كل الزعماء النقابيين البيروقراطيين الفاسدين نوعا من تضخم الذات، ويطالبون ضمنا محيطهم النقابي بالاعتراف الصريح بأهميتهم وأهمية المهمة المقدسة المنوطة بهم. وفي هذا الباب تأتي لتقاليد النقابية المستحدثة داخل التنظيمات العمالية و التي تمجد” الزعماء “وتمنحهم كراسي المسؤولية النقابية مدى الحياة. - التفكير الميليشياوي :إن وجود بيروقراطيات نقابية فاسدة داخل المنظمات العمالية لا يمكن أن يستقيم إلا بوجود ميليشيا ) عصابة إجرامية مادام المستهدف هي القضية العمالية ( تتحكم في هياكل المنظمات وتأتمر بأوامر زعمائها المحليين أو الوطنيين. هذه بعض من أخلاق البيروقراطية النقابية الفاسدة داخل المنظمات العمالية، هذه الأخلاق ” النبيلة “، ومن اجل قضية ” التعاون النقابي ” النبيلة أيضا، لا تلعب سوى دورا محصنا ضد كل ما من شانه أن يجعل النقابة إطارا جماهيريا ديمقراطيا وكفاحيا، يسمح للطبقة العاملة بالتكوين والخروج من ظلمات الجهل وثقافة التواكل الرجعية. إن البيروقراطية النقابية الفاسدة جهاز تحكمي يديره نقابيون غير مخلصين للقضية العمالية، يتقاضون أجور خدماتهم النقابية) حراسة النقابة ( من طرف الباترونا ودولتها. وأخيرا، ألن تتدخل الدولة لصالح بيروقراطية نقابية فاسدة ضعيفة يتجاوزها المد الديمقراطي والكفاحي داخل منظمتها النقابية؟ وهل ستضمن الباترونا ودولتها ” سلما اجتماعيا ” بدون بيروقراطية نقابية فاسدة؟. .....لا اعتقد ذلك. بقلم الأستاذ احسين