يعرف الحقل النقابي تشرذما لم يسبق له مثيل ، و التبس الأمر على قطاع عريض من الشغيلة المغربية بما فيها بعض فئات رجال التعليم الدين يفترض فيهم أن يكونوا على بينة من الأمر، لكن في غياب تكوين إيديولوجي صلب ، و في غياب أدوات التحليل العلمي لدى هؤلاء ، لم يتمكن العديد منهم من فك رموز هدا الالتباس ، ويبقى الانتماء النقابي اعتباطيا ادا وجد و في غالب الأحيان تجد بعضهم غير قادر على تعليل اختياره و لا الدفاع عن قناعته . و إذا كان هدا الموقف مفهوما و يفسر بسبب غياب التكوين الإيديولوجي و السياسي عند هده الفئة التي التبس عليها الأمر، فانه أصبح من اللازم على الجميع أن يساهم في إعادة بناء وعي الشغيلة على أسس نظرية واضحة و مثنية تنسجم مع فكر الطبقة العاملة ، الفكر الذي تبلور في صيرورة الصراع بين العمال و أرباب العمل . وإذا كانت قضيتنا هي التعددية النقابية و التساؤل حول ما إذا كانت ظاهرة صحية أم لا، فانه ليس من الصعب منذ البداية تبيان أن هذه التعددية مشكوك فيها وأن ما يضر فيها أكثر مما ينفع ، في ظرفية مشروطة بوعي نقابي سطحي و ساذج . ولكي نجلي بعض جوانب هذا اللبس ، يجب العودة إلى شروط تأسيس كل نقابة منذ نهاية السبعينات إلى يومنا هذا . 1 الكونفدرالية الديمقراطية للشغل: كان تأسيس هذه المركزية مشروطا بشرطين : أ: الشرط العام: يتجلى في اتساع رقعة حركات التحرر عالميا وجذرية المشروع اليساري الذي كان يشكل حلم اغلب شعوب العالم في مواجهة الجشع الرأسمالي و لازال. ب: الشرط الخاص : يتمثل الشرط الخاص في اتضاح الخطوط و المرجعيات الإيديولوجية لدى الأحزاب التقدمية مما سهل ظهور تيارات و تصورات جديدة في تأطير الطبقة العاملة تزامنت مع استفحال ظاهرة البيروقراطية داخل الإتحاد المغربي للشغل ، مما نتج عنه انسداد الأفق أمام هذه التيارات الجذرية ، التقدمية و كان تأسيس الكدش حدثا تاريخيا بامتياز ، خاصة و أنها دشنت مسلسلا نضاليا جريئا بدأ بإضرابات 79 مرورا بانتفاضات 81 و دجنبر 90 ، و أصبح هذا الغول النقابي يزعج النظام بالحركية النضالية التي أشعل شرارتها ، و كان على عراب الدولة ادريس البصري التفكير في مؤامرة يقوض بها هذا المشروع النقابي الطموح . 2 الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب : في ظل الإزعاج الذي تشكله الكدش للنظام بحركيتها النضالية و الثقة التي حظيت بها في أوساط الشغيلة ، و في ظل دينامية النضال اليساري التقدمي عموما ، أوعز البصري وزير الداخلية لرئيس حركة الإصلاح و التوحيد عبد الالة بنكيران و عبد الكريم الخطيب رئيس الحركة الشعبية الدستورية للاندماج في هذه الأخيرة و التي أصبحت فيما بعد حزب العدالة و التنمية الذي أحيا الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب . و كانت هذه مؤامرة جديدة يحوكها النظام بمساعدة الإسلاميين ، لتقويض مشروع اليسار و معه الكدش ، و تغريب النقابة بإلباسها لبوسا إسلاميا مما يتنافى مع فكر الطبقة العاملة وكذا الشروط التاريخية لظهور النقابة . غير أن الكدش استمرت صامدة رغم بعض أخطائها في تدبير الاختلاف بين مكوناتها .... هذه الاستمرارية لم ترق لأعداء الكدش مما دفع المهرولين من داخلها الى الارتماء في أحضان المخزن وتدبير انشقاق من الداخل انتهى بتأسيس الفدرالية الديمقراطية للشغل . 3 الفدرالية الديمقراطية للشغل: إذا كان من شئ مثير للانتباه يجب تسجيله بصدد هذه المركزية فهو استعمال شعار الحداثة بشكل ملتبس لتضليل الشغيلة ، فالحداثة عندهم تعني الليبرالية بمفهومها الجديد ، أي فك الارتباط العضوي بالطبقة العاملة ، انسجاما مع الغموض الأيديولوجي لدى حزب الاتحاد الاشتراكي الذي تحسب عليه الفدش . هذا الحزب الذي يتأرجح بين الاشتراكية الديمقراطية و اليسار الليبرالي . 4 ظاهرة الفئات : اندفع عدد كبير من رجال التعليم في موجة جديدة أشبه بالموضة ، و غير محسوبة العواقب ، تتتمثل في تأسيس نقابات فئوية ضنا منهم أن ذلك هو الحل الأمثل لمشاكلهم . و هذه الموجة تتم في شروط تتسم بانعدام الوعي السياسي و النقابي، و هذه هي نقطة ضعفها الكبيرة، و الأكثر من هذا لا يعلمون أنهم مدفوعون بدون و عي إلى تنفيذ إستراتيجية الرأسمال العالمي المتمثلة في تفكيك النقابات و خلق جماعات فئوية ضعيفة يسهل سحقها. وقد وجد بعض الانتهازيين فرصتهم في هذه الموضة ليتربعوا على كراسي الزعامة في نقابات أغلب قواعدها لاتعرف ما جرى و ما يجري سياسيا و نقابيا . هذا التفيئ على مستوى الشغيلة نقابيا ، ليس سوى مقدمة إلى تفيئ مكونات المجتمع ثقافيا في البلدان التي تتوفر فيها شروط تمزيق الأنسجة الاجتماعية ، مثل لبنان ، العراق وبلدان شمال افريقيا من أجل التعتيم على الصراع الطبقي و خلق شروط الصدام بين المكونات الثقافية بهدف خلق شروط موضوعية مناسبة لتمرير كل مشاريع اقتصاد السوق .وهذه المناورات الخبيثة للرأسمال الليبرالي هي التي غابت عن و عي الذين يتحمسون للفئوية وساهم فيه المضللون الذين يرغبون في كسب مقعد زعاماتي . 5 الوحدة النقابية: ليست الوحدة النقابية المطلوبة هي هذا التنسيق الظرفي الذي يتم بين الإطارات النقابية محليا أو جهويا أو وطنيا حول بعض القضايا ،و إنما هي إعادة هيكلة الحقل النقابي على أسس جديدة يتصدرها الفكر الاشتراكي العلمي الذي يعتبر إيديولوجية الطبقة العاملة ، هذا إضافة إلى تجميع كل فئات الشغيلة في مركزية و احدة تحترم التعددية و الاختلاف ، و تبقى الكدش بتاريخها و مرجعيتها وخبرة كوادرها الإطار الذي يمكن أن يستوعب جميع فئات الشغيلة في تفاعل جدلي مبدع و خلاق تقديم نور الدين و إعداد:أحمد الطالبي