يشرفني أن أتدخل باسم الفريق الاشتراكي في مناقشة مشروع قانون المالية برسم سنة 2010 الذي نعتبره ميزانية مفصلية تتوج عشر سنوات من الإصلاحات ، هي العشرية الأولى من عهد جلالة الملك محمد السادس وتدشن لعشرية جديدة ملؤها الآمال والتطلع إلى مغرب ديمقراطي ونامي ومستقر. نناقش مشروع قانون المالية 2010 في سياق وطني يتسم بتطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية ستطبع لا محالة مسيرة بلادنا وتؤثر على مسارها العام وعلى ما سنواجهه كمغاربة من تحديات خلال السنوات القادمة. وإن من أبرز هذه القضايا ما تشهده قضية وحدتنا الترابية من تطورات وما يستلزمه ذلك من تعبئة، وأساسا من إصلاحات مؤسساتية وسياسية التي يتعين أن تكون أداة تحصين للمجهودات الإنمائية في الأقاليم الجنوبية وعبرها، تحصين وتكريس السيادة المغربية على هذه الأقاليم. في هذا السياق الوطني يجسد الخطاب الملكي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الأمة بمناسبة الذكرى 34 للمسيرة الخضراء، لحظة فاصلة في منهجية الدفاع عن سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. لقد وضع الخطاب الملكي خارطة طريق تحيط بكافة حيثيات وجوانب قضيتنا الوطنية الأولى، سواء لصالح تعزيز الجهوية أو من أجل إعطاء دينامية جديدة لأداء المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية أو في ما يخص الرفع من وتيرة التنمية بهذه الأقاليم خاصة من خلال تقوية فعالية ونجاعة تدخل وكالة تنمية أقاليم الجنوب. وقد جاء الخطاب الملكي - بكل القوة والحمولة الوطنية التي ميزته - في سياق دولي يتسم بالنسبة لقضية وحدتنا الترابية، بتوجه واضح للمجموعة الدولية، وخاصة القوى النافذة في القرار الدولي، إلى اعتبار مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب قاعدة وأساسا معقولا وصالحا لتسوية سياسية للنزاع المفتعل في إطار الوحدة الترابية والسيادة المغربية وبما يتطابق وأشكال الحكم الذاتي المعمول بها في مجموعة من البلدان المتقدمة. إن هذا التفهم وهذا الدعم الواضح لمقترح المغرب والمكتسبات التي تحققها بلادنا في هذا الملف على الساحة الدولية هو ما يثير حنق الانفصاليين والأعداء والخصوم مما يجعلهم يتخبطون في مواقف وسياسات يتوهمون أنها ستبعثر أوراق الملف من جديد وتحقق لهم مكاسب إعلامية يتوسلون بها إطالة أمد النزاع بما يخدم ترتيبات أوضاعهم الداخلية ويؤخر انفجار تناقضات سياستهم. في هذا الإطار تأتي تحرشات الانفصاليين واستفزازاتهم في المنطقة التي حصل التفاهم على اعتبارها عازلة، وفي هذا الإطار يأتي توظيف عناصر انفصالية خائنة تتمتع بخيرات الوطن وتنعم بمكاسبه السياسية وفي نفس الوقت تطعنه من الخلف، في الداخل وفي الخارج. وقد كان الخطاب الملكي حاسما في ما يخص هذه القضية بالذات، حيث وضع الحدود بين الولاء للوطن وخيانة الوطن، ووضع حدا لجدل خاطئ كان يخلط بين الحرية وحقوق الإنسان من جهة وإثارة الفتنة الداخلية والتحريض ضد الكيان المؤسساتي المغربي من جهة أخرى. ونعتبر أن التآمر على الوطن والاستقواء بالأجنبي لا يمكن أن يصنف إلا في خانة خيانة الوطن. لسنا في ذلك مسكونين بنزعة وطنية زائدة ولا بالسعي إلى تخوين من نحن على خلاف معهم، ولكننا نذكر بحقنا الطبيعي كبلد وشعب في صيانة حقنا في وحدة الدولة واستمراريتها وتمتع شعبها بالأمن في حدوده التاريخية . ليس في هذا الأمر جديد ولكن فيه فقط تكريس لمبدأ أولي قامت وتقوم عليه الدول، ذلكم أنه ما من دولة تسمح بالاعتداء على حدودها وأمنها وسلامتها، أو كما قال جلالة الملك «هل هناك بلد يقبل بجعل الديمقراطية وحقوق الإنسان، مطية لتآمر شرذمة من الخارجين عن القانون مع الأعداء على سيادته ووحدته ومصالحه العليا ؟» انتهى كلام جلالة الملك. على هذا الأساس نجدد تعبئتنا وانخراطنا النضالي، كما هو معهود في مناضلينا وحزبنا، من أجل أجرأة مضامين الخطاب الملكي في مناسبة ذكرى المسيرة الخضراء. وفي علاقة بموضوع الوحدة الترابية في الجنوب كما في الشمال نحذر في الفريق الاشتراكي من بعض المنزلقات التي قد ينجر وراءها البعض، بمن فيهم بعض المنتخبين وبعض التشكيلات السياسية، مهما قل وزنها، والقيام ببعض الخطوات التي من شأنها الإيحاء بتكريس أوضاع استعمارية أو ميولات انفصالية أو التصالح الفكري والسلوكي مع هذه الأوضاع المرفوضة رسميا وشعبيا وعلى كافة المستويات. وقد كان الخطاب الملكي واضحا في هذا الأمر. ونحن في الاتحاد الاشتراكي في طليعة المنخرطين والمعبئين لأجرأته سياسيا وقانونيا، داعمين للقوات المسلحة الملكية في وقوفها حصنا منيعا وحاميا لحدود الوطن وسيادته. إننا في هذه المناسبة نجدد نداءنا إلى الشعب الجزائري الشقيق وقادته السياسيين والمدنيين إلى التوجه إلى المستقبل في علاقات البلدين الشقيقين، والوعي بأن استمرار النزاع له كلفة في المنطقة، إدراكا منا بأن تحديات العولمة والأزمة العالمية تفرض بناء المغرب الكبير الذي نعتبره فرصة شعوبنا لتحقيق التنمية والتقدم. قبل أن أشرع في مناقشة صلب قانون المالية أريد أن أدلي ببعض الملاحظات المنهجية في صلب المناقشة أود أن أدلي بملاحظتين: مشروع القانون غيب النقاش والتحكيم السياسي أولها: أن منهجية إعداد مشروع القانون قد خضعت لمنطق قطاعي غيب النقاش والتحكيم السياسي للأغلبية الحكومية. ثانيها: تواضع القدرة السياسية في تتبع تنفيذ أهداف وتوجهات وبرامج قانون المالية، إذ شتان ما بين المحقق على أرض الواقع من هذا القانون وما نصوت عليه كمشرعين. يدشن مشروع القانون المالي برسم عام 2010 لمرحلة جديدة بعد عشرية من الإصلاحات راكم خلالها المغرب مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مهمة كانت حاسمة وفاصلة في تاريخ البلاد المعاصر، وكان للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية شرف المساهمة المركزية في تحقيقها، عبر قيادته لحكومة التناوب ومشاركته في الحكومات التي أعقبتها. لقد كان هاجس الاتحاد من مشاركته في تدبير الشأن العام هو تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي كانت البلاد في حاجة إليها مجردا من أي حسابات سياسية أو انتخابية. وفي ظل السياق الدولي الراهن المتميز بأزمة مالية اقتصادية لم يشهدها العالم منذ الأزمة الكبرى في سنة 1929، كان من المفروض في القانون المالي أن يوفر الأدوات الكفيلة بتيسير مواصلة تسريع الإصلاحات الهيكلية من جهة، والحد من وقع الأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الوطني من جهة أخرى، وبهدف صيانة المكاسب المحققة وصياغة الأجوبة الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لوقف انتقال الأزمة إلى قطاعات أخرى. إن تحقيق أهداف قانون المالية (معدل نمو 3,5 % التحكم في التضخم بنسبة 2 % عجز مالي في حدود 4 % ) سيبقى رهينا بتوفر الفرضيات المعتمدة وخاصة منحى الأزمة لدى شركاء المغرب الأساسيين وبكمية التساقطات المطرية وبسعر المواد الأولية وخاصة سعر النفط علما بأن قانون المالية وضع ارتكازا على 75 دولار للبرميل. إلى ذلك فإن مخاطر نقص كبير في احتياطاتنا من العملة الصعبة وتضرر نظامنا البنكي يجعلنا ندعو إلى الاحتراز وإلى الاستمرار في اليقظة والاستعداد إلى الإجراءات الكفيلة بالحفاظ على مناصب الشغل وعلى الدفع المتواصل للقدرة الشرائية بما يجعل الطلب الداخلي إحدى رافعات وأدوات مواجهة الأزمة، خاصة في ضوء تطور بعض المؤشرات السوسيو اقتصادية المتوقعة في 2010 لدى شركاء المغرب من قبيل نسبة البطالة (أكثر من 11 % في أوروبا وأكثر من 10 % في الولاياتالمتحدةالأمريكية) إن تنبيهنا إلى هذا الأمر نابع من دعمنا للركائز الثلاث التي يستند عليها القانون المالي والمتمثلة في الاستمرار في دعم دينامية النمو والرفع من وتيرة الإصلاحات وتسريع إنجاز السياسات القطاعية لتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني وتقوية التضامن الاجتماعي. لقد كنا دائما حريصين في الاتحاد الاشتراكي على التوجه الاجتماعي الديموقراطي المبني على اقتصاد متحرر وقوي مقرون بتضامن اجتماعي وتنمية مجالية متوازنة عاملين على مواجهة كل النزوعات الليبرالية المتوحشة التي تسعى إلى تحويل البلاد من اقتصاد السوق إلى مجتمع السوق. I - في هذا الصدد، نسجل التزام الحكومة بالاستمرار في التوجه الإرادوي للسياسة الاقتصادية والاجتماعية عبر الرفع من وتيرة الاستثمار العمومي والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين. نسجل تجاوب الحكومة مع تعديلاتنا في إطار الأغلبية بشأن الحفاظ على هذه القدرة الشرائية للمواطنين وفي إطاره أيضا نسجل تجاوب الحكومة مع تعديلاتنا في إطار الأغلبية بشأن الحفاظ على هذه القدرة الشرائية للمواطنين. نحذر من مخاطر توظيف القروض في استثمارات غير منتجة إن التأكيد على إيجابية توجهات قانون المالية لا يعفينا من التساؤل بشأن بعض الاضطرابات المالية والاقتصادية التي من شأنها أن تحد من معدل إنجاز قانون المالية ومن ذلك الانخفاض التدريجي لمدخول الخزينة العامة و انخفاض المداخيل الجبائية وتراجع مداخيل الرسوم الجمركية ، وفي المقابل نسجل إرادية المشروع في ما يخص اللجوء ولأول مرة منذ سنوات إلى الرفع بنسبة 1 % من عجز الميزانية لمواكبة الرفع من حجم الاستثمارات العمومية. بالموازاة مع هذا نعتبر أن اللجوء إلى الإقتراض من المؤسسات المالية الدولية ( بما لا يتجاوز 47 % من الناتج الداخلي الخام ) يمكن أن يعزز برامج التنمية ، إلا أننا في نفس الآن نحذر من مخاطر توظيف القروض في استثمارات غير منتجة، خاصة بعد المجهود الاستثنائي الذي بذل في ظل حكومة التناوب لتقليص المديونية الخارجية . وفي نفس الإطار يتعين على الحكومة إجراء تقييم موضوعي لدور القطاع العمومي في وتيرة ونجاعة الاستثمارات وكذا إجراء تقييم اقتصادي واستراتيجي لمسلسل الخوصصة ومدى مساهمة منتوجها في تطوير الاقتصاد الوطني. إذا كنا نسجل إيجابيا تخصيص الحكومة مبلغ 163 مليار درهم للاستثمارات العمومية، لما لذلك من حمولة على المستوى المحاسباتي فإننا نسجل مع ذلك أربع إشكالات مركزية أساسية بشأن هذا الأمر: الإشكال الأول: أن أكثر من ثلثي هذا المبلغ أي 109 مليار درهم يتم انفاقه مباشرة من طرف المؤسسات العمومية التي لا تخضع لمراقبة البرلمان، وهذا إشكال مؤسساتي يتعين استشراف آفاق إعادة النظر فيه، إذ لا يعقل أن تظل مؤسسات عمومية كبرى تتصرف في إمكانيات عمومية ضخمة خارج رقابة البرلمان. الإشكال الثاني: إن وتيرة ومعدل إنجاز الاستثمار العمومي بما في ذلك ميزانية الدولة (54 مليار درهم) يظل متواضعا بالنظر إلى حاجيات البلاد وإلى مستوى التنمية وإلى العجز الحاصل في مجموعة من التجهيزات الأساسية والاجتماعية. الإشكال الثالث: ويتمثل في ضرورة الحرص على نجاعة وجودة الاستثمار العمومي عبر إحاطة الصفقات العمومية المبرمة بالشفافية الضرورية واحترام قواعد الإنصاف والمنافسة الشريفة وآجال الإنجاز ومراقبة التقيد بمعايير الجودة طبقا لدفاتر التحملات. إن سياق الحديث عن هذه الإشكالات يكمن في المفارقة الكبرى بين ما يصادق عليها البرلمان من اعتمادات متزايدة لفائدة الاستثمار العمومي من جهة، ووقع هذا الاستثمار على مستوى النمو الاقتصادي والاجتماعي الملموس من جهة أخرى، فضلا عن الاختلالات التي تعتري تدبير بعض المؤسسات العمومية.