بعض المستعملين لشبكة الأنترنيت يلجونها بحثا عن معلومات ومعطيات تتطلبها منهم الأبحاث المرتبطة بمهنهم أو دراستهم . أما البعض الآخر، فهو يبحر فيها بحثا عن... عمل! إنها بوابات كبريات أجهزة المخابرات التي تقوم بالدعاية لنفسها ولدولها، مثلما تقترح وظائف وأشياء أخرى قد لا تخطر على البال، من قبيل الألعاب مثلا. الصحفي الفرنسي داوود سيرفنُاي، العامل الآن في موقع «رو 89» الإخباري بعد سنوات في إذاعة فرنسا الدولية، أبحر عبر بوابات أشهر هذه الأجهزة وصنفها حسب عدد زوار صفحاتها انطلاقا من محرك البحث غوغل. بدون مفاجأة، تتربع ال«سي.آي.إي» على عرش الجاسوسية، إذ زار موقعها ما لا يقل عن 69 ونصف مليون من مواطني العالم. وتقدم وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، عبر الأنترنيت، أجوبة مدعمة بتفاصيل كثيرة ودقيقة تجعل المتصفح يشك في صدقيتها، أجوبة على أسئلة مثل: كيف تحصل على وثائق رسمية إعمالا لقانون حرية المعلومات المطبق منذ 1966؟ كيف تتصل بالجاسوس الأمريكي الأول، المدير الوطني للاستخبارات؟ أو كيف تصبح عميلا يزود مقر في لانغلي بولاية فيرجينيا بالمعلومات السرية؟ الأطفال أنفسهم لا يفلتون من حملة الوكالة التي خصصت صفحات خاصة لفائدتهم، تلخص لهم ضرورة ومهام جهاز المخابرات عبر متابعة مغامرات أفا شوفون، عضو ال«سي.آي.إي» الصغيرة ذات النظارات السوداء والمعطف المنسوج من المُصْطَكَى. ويستطيع الصغار الأكثر ذكاء وتفاعلا مع الحاسوب تقمص دور الجاسوس بواسطة ألعاب الفيديو، والاستفادة (!) من نصائح الوكالة ليصبحوا مخبرين مهنيين. مكتب الاستخبارات الخارجية للمملكة المتحدة، ال «إس.آي.إس» أو ال «إم.آي. 6»، يحتل الرتبة الثانية بفضل زواره البالغ عددهم ثلاثة وستين مليونا وستين ألفا. موقع «خدمة الاستخبارات السرية البريطانية» هذا يتميز عن باقي المواقع المخابراتية بانفتاحة على خمس لغات أخرى غير الإنجليزية، انفتاح يتغيا استقطاب جواسيس ناطقين بهذه اللغات (العربية، الإسبانية، الفرنسية، الروسية والصينية)، مثلما يدعو الزائر لجولة افتراضية برفقة شابة شقراء تمدح امتيازات جواسي «صاحبة الجلالة»: مطعم وحانة في المقر المركزي، تقاعد مريح، إجازة سنوية مدتها واحد وثلاثون يوما، تكوين مستمر، نوادي رياضية... يحمل أحد روابط صفحة الاستقبال باللغة الإنجليزية عبارة: وظائف ال «إس.آي.إس»، نحن نوظف باستمرار! أما أحد الضباط الميدانيين، الذي يشبه إلى حد بعيد الرئيس باراك أوباما، فهو يشيد بكرم وتسامح زملائه المحترمين إلى حد كبير لديانته... الإسلام! جهاز الأمن الفيدرالي الروسي حاز في ترتيب الصحفي داوود سيرفنُاي الميدالية البرونزية، هو الذي أبحر في ثناياه 14 مليون و600 ألف زائر، «ليستمتعوا» باكتشاف هياكله، تاريخ سلفه ال «كي جي بي»، لائحة مديريه ونهج سيرة رئيسه مع صورة ملونة له واضعا اللباس العسكري. لكن حاجزا لغويا سيحول دون هذه «المتعة» بالنسبة للجاهلين للأبجدية السيريلية التي تستعمل لكتابة اللغة الروسية. مليونان وستون ألف مستعمل للشبكة العنكبوتية ألقوا نظرة على موقع الموساد، أو «معهد الاستخبارات والعمليات الخاصة» بالعبرية، مانحين إياه المرتبة الرابعة بعد اطلاعهم على «البطولات» السرية لشعبة النخبة داخله «كيدون». ويطلب الموساد، عن طريق بوابته المتقشفة الناطقة بالإنجليزية، ممن يريد الانخراط في صفوفه، لتقتيل الفلسطينيين فرديا وجماعيا، المصادقة على «ميثاقه» أولا، قبل اختيار «مهمته» من بين «مهن» التجسس الكلاسيكية (محلل، اختصاصي في اللغات الأجنبية...) أو من ضمن أخرى جد مثيرة للتساؤل، ومنها «وظائف الطلبة» التي هي عبارة عن تداريب! الصف الخامس في الترتيب الخماسي للمخابرات، وفق معيار عدد زوار موقعها، يؤول لأصدقائنا الفرنسيين عبر المديرية العامة للأمن الخارجي، ال «دي.جي.إس.أو» التي لم يتطوع للإبحار في نوافذها سوى 264 ألف شخص. جواسيس باريس ليسوا فخورين بمرتبتهم الأخيرة، ولذا شرع رؤساؤهم في الإعداد لمنظورية جديدة وأكثر جاذبية لصفحات مديريتهم التي تحتضنها بوابة وزارة الدفاع، أو ليست شبكة الأنترنيت ميدانا مبتكرا للمواجهات المخابراتية؟