تستقطب قاعات الانترنيت في سيدي بنور أعدادا هائلة من الزبناء على اختلاف الجنس والأعمار، حيث تصل نسبة الأطفال منهم إلى مستوى لا يُستهان به من مجموع الزبائن، خصوصا أيام العطل والأعياد حيث يكثر توافدهم على هذه القاعات ، لذلك يجد المرء نفسه يواجه عدة أسئلة أمام هذه الظاهرة من قبيل : هل يشكل استعمال الانترنيت خطرا على أخلاق الطفل وأسس تربيته؟ وهل توجد هناك رقابة على هؤلاء الأطفال في استعمالهم للإنترنيت في هذه القاعات ؟ ... وغيرها من الأسئلة ، حول ظاهرة تهافت الأطفال على شبكة الأنترنيت بعيدا عن رقابة أوليائهم وفي غفلة من أصحاب ومسؤولي قاعات الأنترنيت، وبموافقتهم في أحايين أخرى... وللاطلاع أكثر قامت الجريدة بجولة بين بعض تلك القاعات في سيدي بنور. يقول رشيد. ش ، مسيرلقاعة الأنترنيت بحي الوداد : « ليست هناك برامج آلية لمراقبة كل الأجهزة التي هي داخل القاعة ، كما أن الزبون يرفض الرقابة على ما يقوم به، باعتبار أن في هذا الأمر تدخّلا و مساسا بحريته ، لكن رغم ذلك يمكننا الاطلاع على ذلك حين انتهائه من الإبحار وترك الجهاز مشغلا ، سواء كان المستعمل طفلا أم بالغا . وعن الاستعمالات للانترنيت فأغلبها تتجه نحو مواقع الدردشة التي يستعملها جميع من يقصد قاعة الانترنيت بدون استثناء ، إلا في حالات نادرة جدا » يقول محدثنا مضيفا « لا يمكننا منع الأطفال من ذلك، لأنّ الدردشة لا تشكل أي خطر عليهم، فهذا سلوك عادي شأنه شأن الدردشة المباشرة بين الأفراد، فكما يمكن للطفل أن يتبادل أطراف الحديث مع الناس في الشارع يمكنه الدردشة على الانترنيت، فالأمر سواء ، كما نجد فئة من التلاميذ تبحث في مواقع تعنى بالمواضيع التربوية أو العلمية والعمل على استنساخها ومنهم من يأتي للاستماع للموسيقى فقط أو اللعب ». يفتح رشيد قاعة الانترنيت في الساعة العاشرة صباحا ليستمر في عمله يساعد من هم في حاجة إلى خدماته ومراقبة القاعة بصفة عامة بالإضافة إلى استخلاص واجب الإبحار عبر شبكة الانترنيت الذي غالبا ما يكون ثمنه هو 4 دراهم للساعة الواحدة، يستمر في عمله بعد استراحة قد تستغرق ساعتين لأجل تناول وجبة الغداء ليعود قصد مباشرة عمله حتى أوقات متأخرة . أغلب الأطفال الذين شاهدناهم داخل قاعة الانترنيت يستمتعون بأوقاتهم في الإبحار عبر شبكة الانترنيت لوحدهم دون مرافقة أولياء أمورهم أو من يوجههم، لذلك فغالبا ما يكون إبحارهم في الانترنيت عشوائيا دون تركيز أو هدف معين. لم تكن قاعات الانترنيت سوى جزء من الأماكن التي يلجها الأطفال لوحدهم دون عناية أو مراقبة تذكر من طرف أفراد أسرهم، وهو ما تتولد عنه العديد من النتائج السلبية على حياتهم كالانقطاع عن الدراسة أو التهاون فيها أو الانحراف المبكر كالابتلاء بالتدخين والسرقة ... أو الانحراف الأخلاقي والسلوكي وغيرها من المخاطر المحدقة بهم وسط عالم متطور ، عالم التكنولوجيا المتفوقة ، لذلك فإننا نجد الأطفال وبكثرة داخل قاعات الألعاب الالكترونية ، التي تبين لنا بعد زيارتنا لها أن هذا النشاط أصبح مستقلا بذاته، حيث ألغت معظم قاعات الانترنيت الألعاب الالكترونية وإن وجدت فالأولوية للإبحار على الانترنيت، فيما خصصت قاعات للألعاب الالكترونية ولا مجال لاستعمال الانترنيت فيها، وتتركز هذه الفضاءات في الأحياء الشعبية ، كما هو الحال في حي بام الذي زرنا به قاعة خاصة للألعاب الالكترونية كانت تعج بالزبائن، معظمهم من الأطفال والمراهقين الذين تستهويهم الألعاب الإلكترونية المختلفة. وعن سبب إقبال الزبائن على ألعاب العنف تقول إحدى السيدات « لا توجد ألعاب بديلة، إضافة إلى أن الأطفال والمراهقين يميلون إلى هذا النوع من الألعاب، كما أنه لا تمارس أية رقابة على الأطفال مهما كان سنهم، إذ يسمح لكل الأطفال باللعب » وفي بعض الأحيان تضطر هذه السيدة إلى تزويد بعض الأطفال بتوجيهات حول طريقة اللعب نظرا لصغر سنّهم الذي قد يقل في بعض الأحيان عن 4 سنوات ». هشام. ض ، مندوب حركة الطفولة الشعبية فرع سيدي بنور أدلى للجريدة بتصريح جاء فيه :«لابد من حماية الأطفال من العنف والاستغلال بدون رقيب من أفراد عائلاتهم ، لأن ظاهرة الانحراف عبر الإنترنيت والألعاب الالكترونية من أخطر المشاكل التي تهدد مستقبل الأطفال لما لها من تأثيرات كبيرة وخطيرة على الشباب وعلى الأطفال بالدرجة الأولى، وهو ما دفع هيئات عالمية لدق ناقوس الخطر، داعية الآباء والأمهات للمزيد من الحيطة وتكثيف المراقبة في سبيل توفير حماية أكبر للأطفال ، حتى لا يسقطون في مخال سلبيات هذه التكنولوجيا الفتاكة التي قد تولد لهم نزعة العنف والكراهية ... خصوصا وأن الطفل في هذه المرحلة يحب اكتشاف كل ما يحيط به ويهوى التظاهر بالقوة وحب الفوز والانتصار على حساب مبدأ التضامن والتعاون والتعايش والتسامح... وأمام شساعة هذه التكنولوجيا وكسرها للحواجز الجغرافية والسياسية والأخلاقية باتت سلاحا فتاكا إن أسيء استعمالها ، لذا فالحل الوحيد هومضاعفة الرقابة الأبوية على الأبناء أثناء إبحارهم عبر الشبكة وأثناء اختيار الألعاب المتسمة بالعنف ، وهذا لا يعني محاولة الآباء عزل أبنائهم عن هذه التكنولوجيا، فلابد من تمكين الأطفال من اكتشاف محيطهم وإعطائهم فرصة للاطلاع على هذه التكنولوجيا طالما هي حق من حقوقهم، ولكن يجب حمايتهم من العنف والاستغلال بدون رقيب اجتماعي سواء عن طريق الشبكة العنكبوتية أو غيرها من وسائل الاتصال لما لها من تأثيرات سلبية على شخصية الأطفال» . لا تقتصر القاعات داخل مدينة سيدي بنور على استعمال الانترنيت فحسب، بل هناك قاعات الألعاب الأخرى والمختصة في عرض منتوجها المعروف ب « البلاي ستيشن » حيث يحتشد داخلها العديد من الأطفال الذين يبلغ سنهم أربع سنوات وبعضهم سنه ما بين سبع إلى خمس عشرة سنة ، وهناك أيضا اليافع والشاب كما يوجد كبار تتراوح أعمارهم بين 22 و 40 سنة وقد يتجاوز ذلك في بعض الأحيان ، ولرصد تفاعلات الأطفال مع هذه الألعاب وغيرها من المعطيات أفادنا (د. محمد مسير إحدى قاعات « البلاي ستيشن » المتواجدة بحي بام ) بكون أغلب الألعاب التي يطلبها الزبناء هي لعبة كرة القدم ، تليها ألعاب المغامرات مثل ( النينجا السياقة درايفر ... ) مغامرات يميل إليها الأطفال والشباب على حد سواء، مؤكدا أن هذه الألعاب لها دور كبير في تنمية قدرات الأطفال كدقة الملاحظة والتركيز وسرعة الإجابة واتخاذ القرار... وهي جوانب يراها ايجابية، لهذا ، يضيف محمد، فهي تلقى إقبالا كبيرا من طرف الزبناء الذين تختلف أعمارهم ( ما بين 4 سنوات و 32 سنة ) وأكثر في بعض الأحيان ، حيث هناك من الآباء من يأتي ليلعب رفقة ابنه وهناك من يؤدي ثمن اللعب ويغادر تاركا ابنه بالقاعة ، باعتبار أن قاعة « البلاي ستيشن » يصرح محمد، تختلف عن قاعات الانترنيت، فهي سهلة الاستعمال وفي متناول الجميع عكس الانترنيت الذي يتطلب الدراية ونوعا من المعرفة المسبقة لكيفية الاشتغال والإبحار عبر الشبكة العنكبوتية للعثور على موقع الألعاب المرغوب فيها ، بالإضافة إلى معرفة كيفية التعامل مع لوحة التحكم ، معتبرا كذلك أن قاعة «البلاي ستيشن » أكثر أمانا و أمنا على أخلاق وسلوك الأطفال في الوقت الذي يجد فيه نفسه أمام كم هائل من المواد والصور... تثير فضوله بين الفينة والأخرى على الانترنيت »، «على كل حال يقول د. محمد فقاعة «البلاي ستيشن » لا تشكل أي خطر أو غيره على سلوك ونفسية الأطفال» ! ونحن نحاور محمد كنا نقترب من بعض الأطفال الذين وجدناهم هناك حيث كان اختيار البعض منهم لعبة « المصارعة » والبعض الآخر لعبة كرة القدم ، يتملكهم الحماس والحب في الانتصار وإظهار التفوق على الآخر. يقول الطفل حسن لزميله « أنا لي غادي نغلب... دابا اتشوف » يجيبه الآخر : « سير سير دابا انشوفو » . يتبادلان الحديث في جو كله مرح وشعور بالحرية المطلقة غير شاعرين بالأجواء الخارجية تماما ، يعلو القاعة ضجيج الأطفال كلما حقق أحدهم الفوز أو التفوق على الآخر لدرجة يتدخل صاحب المحل لإسكاتهم . قال لي أحد المارة: «يدخل الصغار إلى هذه القاعات صغارا، وبعد دقائق يتحولون إلى أبطال وأقوياء...» في إشارة منه إلى مدى تأثر الأطفال بنوعية الألعاب التي يميلون إليها. مع هذه المعطيات كان لابد من إحاطة الموضوع من عدة جوانب نظرا لأهميته من جهة وما يمثله في حياة الأطفال بصفة عامة خصوصا من الجانب التربوي من جهة أخرى ، وهكذا التقينا بالسيد عبد القادر. خ ، المدير السابق لثانوية سيدي بنور والذي أدلى للجريدة بتصريح جاء فيه : « لاشك أن تعامل الطفل مع الانترنت وتقنيات الكمبيوتر أضحى الآن في غاية السلاسة والسهولة بعد الانتشار المهول لقاعات الانترنت وسهولة الولوج إليها وكذا مع بداية إدماج المدارس على اختلاف أسلاكها لهذه التقنيات. وإن كنا لا ننكر إطلاقا ما لهذه الوسيلة من فائدة كبيرة على الطفل في توسيع مداركه وتسهيل اطلاعه على ما يدور حوله، فلا يجب، بالمقابل، أن نغفل الجانب الآخر لهذه الوسيلة التي قد تتحول إلى نقمة على أطفالنا تهدد شخصيتهم وأخلاقهم إذا لم يحسن استعمالها » ، مضيفا « إن مخاطر الإنترنت تتعلق بمسألتين، تتمثل الأولى في خطر اطّلاع أطفالنا خلال إبحارهم عبر شبكة الانترنت على بعض المواقع المروّجة للفساد والإباحية سواء عن قصد أو عن غير قصد. أما المسألة الثانية فهي الاتصال المباشر بين الطفل وشخص آخر على الشبكة من خلال عملية « التحاور » أو كما يحلو للبعض تسميته « ايشاطي » ما قد يؤدي إلى كشف الأطفال لمعلومات خاطئة يكونون في غنًى عنها في سنّهم الصغيرة، وما يزيد من حدة هذه المخاطر ، هو عنصر الفضول الذي يسيطر على الطفل في هذه المرحلة الحساسة، فلا تحدّه حدود في الاستكشاف والبحث عن إجابات لأسئلته التي لا تنتهي » . ويعتقد المتحدث أن هذه المشاكل تطرح بشدة في قاعات الانترنت التي تقل فيها المراقبة، بل وتنعدم في الكثير من الأحيان، فما يهمّ أصحابها هو الربح وقضاء الزبون أطول فترة ممكنة متصلا بشبكة الانترنت دون أن يعير أدنى اعتبار لما يطلع عليه، خصوصا إذا تعلق الأمر بطفل صغير أو مراهق . أما عن آثار هذه المواقع ، على نفسية الطفل وشخصيته، فيقول الأستاذ : «إن قضاءه لأوقات طويلة على الانترنت دون مراقبة يجعله مدمنا عليها ولا يستطيع الاستغناء عنها، وهو ما قد يؤثر على تفكيره الذي يتراجع شيئا فشيئا لحصوله على كل شيء بسهولة دون بدل أي مجهود ، كما أن كثرة إبحاره في مواقع الألعاب الالكترونية التي تتمحور أساسا حول العنف تؤثر سلبا على شخصيته، فيصبح طفلا عدوانيا بتقليد كل ما يراه من حركات ومواقف قتالية، في حين تشكل المواقع الإباحية ومواقع الأغاني والأفلام الغربية غير المراقبة خطرا حقيقيا على الطفل في سنّه تلك لترويجها وبالتالي تدمر براءته وتدفعه إلى التقليد الأعمى، فيؤثر كل ذلك على شخصيته التي يطبعها الاضطراب والتيه وهو في مرحلة التكوين والبحث عن الذات وقد يتسبب أي تشويش في عرقلة هذا التكوين». وعن الأساليب التي تساعد في حماية أطفالنا من مخاطر الانترنت في المنزل، «فهي التعرّف على البرامج التي تتيح رقابة أبوية على الانترنت واستخدامها لمنع برامج ومواقع معينة، أي أن يهيّئ الوالدان أجهزتهما بطريقة تسمح لأطفالهم باستخدام الانترنت كمصدر للتعلم وليس كجهاز للتفاعل . أما في مقاهي الانترنت، فالمسؤولية أكبر وما على أصحابها إلا اللجوء إلى أجهزة وشفرات لمنع استخدام المواقع الخطيرة . من الناحية التشريعية أو القانونية فهناك فراغ في هذا الجانب اللهم بعض الاتفاقيات التي جاءت لتحرم استغلال الأطفال دون أن تجعل قيودا عليه حيث منحته كامل الحرية كاتفاقية حقوق الطفل المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نونبر 1989 المادة 13 منها «يكون للطفل الحق في حرية التعبير ، ويشمل هذا الحق حرية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار و تلقيها وإذاعتها ، دون أي اعتبار للحدود ، سواء بالقول ، أو الكتابة أو الطباعة ، أو الفن ، أو بأية وسيلة أخرى يختارها الطفل ... » بالإضافة إلى ماجاء في المواد 17 28 31 32 من نفس الاتفاقية حول «حق الطفل في المعرفة والوصول إلى المعلومات ... وكذا حمايته من كل شيء قد يؤثر على سلامته الجسدية والعقلية ... » غير أن هذا لم يكن كافيا لأجل حمايته وبالتالي فلا وجود لأي نصوص قانونية أو غيرها والتي من شأنها أن تحد من مخاطر مواقع العنف وغيرها على الأطفال ليبقى الدور محصورا على المؤسسات التعليمية في هذا الجانب طبقا لما جاء به الميثاق الوطني للتربية والتكوين من خلال الدعامة العاشرة حول استعمال التكنولوجيات الجديدة للإعلام والتواصل وبما تقوم به بعض الجمعيات المهتمة بالطفولة بشكل عام ، خصوصا في قاعات الإنترنيت التي تنعدم فيها مراقبتهم . فقاعات الانترنيت يرخص لها من طرف الجهات المعنية باعتبارها محلا تجاريا كباقي المحلات الأخرى لتمارس نشاطها دون أن تتضمن هذه التراخيص أية شروط قد تساهم في تقليل مخاطر الجانب المظلم من الإنترنت على الطفل والمراهق على حد السواء ، كتحديد سن المترددين على هذه الأماكن واشتراط أن يكون القاصر بصحبة شخص كبير وفرض تزوّد قاعات الانترنت بأجهزة مراقبة وشفرات خاصة بالمواقع التي تشكل خطرا على الطفل... على سبيل الختم أمام الإقبال المتصاعد على قاعات الأنترنيت و الألعاب الالكترونية خصوصا من طرف الأطفال، فالتفكير في كيفية تدبيرها أصبح ضروريا حماية للطفل والمجتمع... فالطريقة الصحيحة والتوجه السليم للطفل يجعل منه مستقيما بعيدا عن أي انحراف كيفما كان نوعه ، وهذا لن يتأتى إلا بمشاركة الأسرة وجمعيات المجتمع المدني التي تلعب دورا مهما في توعية وتكوين المواطن ، كما أن التدابير الوقائية يجب أن تكون مثمرة سواء من طرف أصحاب هذه القاعات أو السلطات المحلية والجهات المعنية، بما يساهم في الحد من المخاطر التي تروّج لها بعض المواقع.