فصل الصيف مناسبة فريدة للراحة وللاستجمام والترويح عن النفس من عناء العمل طول السنة، ويعتبر مناسبة للسفر وزيارة أماكن جديدة. لذلك فإنه فصل الضيافة بامتياز، وإذا كانت بعض العائلات تختار أن تقضي العطلة في مدينة غير مدينتها، سواء بكرائها لبعض البيوت أو المنازل، كما يقع لأغلب الأسر الوافدة من المدن الداخلية إلى المدن الشاطئية، فإن نسبة لا يستهان بها من المغاربة تختار أن تحل ضيفا عند أحد أقاربها، نظرا للظروف الاقتصادية، ونظرا لأعراف وتقاليد كرم الضيافة وتزاور الأحباب والأصدقاء.لا شك أن ذلك له انعكاسات على المستوى الاجتماعي، وعلى برنامج الأسرة إن كان هناك برنامج، وعلى الميزانية العامة للأسرة، وعلى تربية الأولاد، "التجديد" قابلت العديد من الأسر من فئات اجتماعية مختلفة سواء في مخيماتهم أو في بيوتهم أو خارجها، فاستجوبت العديد منهم حول هذه الأمور وكان هذا الاستطلاع: أهمية الزيارات العائلية: حول أهمية الزيارات العائلية:يقول السيد ع.ج في هذا الشأن وهو موظف( 40سنة): إن حلول الضيف، وخاصة في فصل الصيف، يختلف من عائلة إلى أخرى، ومن بيئة إلى أخرى، ففي البادية وفي ناحية تافراوت مثلا، يعتبر حلول الضيف حدثا سعيدا تبتهج له العائلة، ذلك الضيف لا يكون في الغالب إلا أحد أفراد الأسرة الكبيرة، والذي غاب عنها لمدة طويلة، فتكون فرصة للم الشتات،والتعرف على أخبار جديدة .وهو في الغالب يحمل هدايا للصغير قبل الكبير، أما في المدينة فحلول الضيف يعتبر حدثا لا نقول أنه غير سعيد ولكن حدثا يستوجب إعادة الاعتبار في عدة أمور». ومن جهته يقول السيد (ع.غ) وهو تاجر في الأعمال الحرة (28سنة) أن «الله سبحانه وتعالى أمرنا بصلة الرحم كما أمرنا بإكرام الضيف ، لكن في هذا الزمان لا المضيف ولا الضيف أصبحا يقومان باللازم، فحين تجد أغلب أرحامك لم يعد يجمعك معهم غير اللقب، وتلاحظ الضيق والتأفف باديين على الملامح، وأنت تقوم بزيارة ولو خاطفة، لأن ذلك سيؤثر على البرنامج، ويضيف: «لي أخ لم أره منذ نصف سنة، وقد مررت بالمدينة التي كان يعمل فيها، أثناء سفري لمدينة أخرى ، دققت الباب، فعانقني ورحب بي، ثم بعد عشر دقائق اعتذر فتركني لان لديه اجتماعا هاما لابد أن يحضره، هكذا شرحت لي زوجته، وحين كانت الساعة السادسة خرجت أتجول في المدينة ورجعت على الساعة العاشرة ليلا فلم أجد غير الخادمة والأولاد، علمت بعد ذلك أن هذا الاجتماع لم يكن سوى اجتماعا مع بعض الأصدقاء حول مائدة الخمر التي ابتلي بها أخي، أمام ذلك الوضع لم يكن بيدي أن أنتظره إلى ساعة متأخرة من الليل، بل اضطررت إلى الذهاب إلى الفندق. وهكذا، ومنذ ذلك الحين لا أصل كثيرا من الأرحام إلا عبر الهاتف.ومع مرور الوقت وكثرة الانشغالات وتأثير هذا الحادث لم أعد أفكر في زيارة أحد. الضيوف و"الرأس الكبير" َمن الأفكار السائدة أن الأسرة الصغيرة (زوج وزوجته في بداية حياتهم) والتي تسكن بيتا ضيقا يكون صدرها كذلك ضيقا فلا يتسع للضيوف، فإلى أي حد يمكن استساغة هذه المقولة وما هي حيثياتها؟ الحاجة رقية، سيدة استطاعت أن تبقي ما يسمى بالبيت الكبير، فهي تعيش رفقة أبنائها الأربعة المتزوجين مع أحفادها منهم، والكل في البيت اعتاد على وجود الضيوف في البيت حتى أصبحوا من النادر أن يتناولوا وجبة من وجبات اليوم دون أن يكون معهم ضيف، ولهذا فزوجات الأبناء حين يطهين الأكل يجعلن كميته زائدة على ما يكفي لأهل البيت. والضيوف أصبحوا يتعارفون بينهم في هذا البيت الكبير، فتنشأ علاقات أخرى موسعة، ولكن أليس من حق أهل البيت الكبير أن يسافروا أثناء العطلة ليرتاحوا من استقبال الضيوف؟ سؤال تجيبنا عنه إحدى زوجات الأبناء قائلة: «نحن لا يمكن أن نقفل بابنا مرة واحدة، وهذا ليس من عادتنا، ولكل زوج وزوجته وأبناؤهما الحرية في السفر، وهذه العملية ننظمها فيما بيننا، حيث يكون السفر بالتناوب، ومن بقي في البيت فهو كاف لاستقبال الضيوف وخدمتهم، والحمد لله ما أن تنتهي العطلة الصيفية حتى يكون أهل البيت كلهم قد سافروا ورجعوا لاستئناف الحياة اليومية العادية وللاستعداد للموسم الدراسي. ويعلق أحد الضيوف قائلا: «الرأس الكبير، ويقصد به الأب أو الأم، له دور كبير فيما يخص استقبال الضيوف والعناية بهم، فإذا كانوا في مثل سنه فإنه يتلاءم معهم في التفكير، ويجدون متعة في لقائه، أما إذا تعلق الأمر بأولادهم فإن الرأس الكبير يكرمهم كأنه يكرم آباءهم ويتحرون أخبار قرنائهم عبر الأولاد». ويقول (ع. م): «لاحظت أن بيوتا كانت تستقبل أفواجا من الضيوف في فصل الصيف، منهم من يأتي من داخل المغرب، ومنهم من يأتي من بلاد المهجر، وما أن توفي الأب "الرأس الكبير" حتى بدأ عدد الضيوف يتراجع، ولما توفيت الأم تراجع عدد الضيوف أكثر حتى كاد أن ينعدم، وهنا تتجلى أهمية "الرأس الكبير" . السيدة آمنة من جهتها (لها أبناء متزوجون وبنات متزوجات) قالت: «في فصل الصيف أستقبل بناتي وأولادهن وأرسل زوجات أبنائي لزيارة أقاربهن حرصا على العدل، فكما أجد نفسي مرتاحة مع بناتي وأطمئن على أحوالهن أحب نفس الشيء لزوجات أبنائي مع آبائهن والحمد لله تمر العطلة الصيفية في جو من التزاور والتراحم» إلا أن ابنتها مليكة ترى أن هذا أمر جيد، ومع ذلك يحرجها تواجد أزواج أخواتها مما يضطر كل واحدة لارتداء الحجاب في البيت، خاصة مع ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف. السيدة سعاد من إقليمالراشيدية التقيناها وهي في فترة تخييم جماعي بمدينة الرباط (أزواج وزوجاتهم وأولادهم) وأم لطفلين، أكدت أن أسرتها الصغيرة لا تتوانى في استقبال الضيوف بحفاوة وخدمتهم حتى يذهبوا إلى حال سبيلهم، قالت «ألا تعرفين كرم أهل الجنوب، مرحبا بالضيف في أي وقت وحين، ولو فضل المكوث عندنا شهرا كاملا فهذا لا يضيرني، ثم لا أحب أن يصرف الضيف شيئا ما دام ضيفا، وزوجي كذلك يفرح بالضيوف ولا ينزعج منهم»، إنه مثال يتعارض مع ما يشاع عن الأسرة الصغيرة إلا أنه لا يجب التعميم فلكل حالة ظروفها ومسوغاتها، وهناك من الحالات ما لا يحتاج إلى تصريح أو إعلان فالأسرة التي يجتمع أفرادها في بيت واحد، بل وأحيانا في غرفة واحدة، ودخل معيلها زهيد وسط مدينة تحرق نار أسعارها القلوب قبل الجيوب، يكفي لهذه الأسر أن تستقبل ضيوفا؟ الضيوف الأعزاء والضيوف "الثقال": وفي سؤال عن تأثير وجود الضيف في البيت، قال السيد (ك.ط) عامل (32سنة): «هناك الضيوف الأعزاء وهناك الضيوف الثقال»، سألناه ماذا يعني بالضيف الثقيل فأجاب: «هناك من يحل بالبيت وليس في حسابه إلا أن يجد كل شيء جاهزا من أكل ومن شرب، بل يطمع أن نغسل له ملابسه، وهذا يشكل عبئا كبيرا على ربة البيت، خاصة حين تكون مريضة، وبصراحة إذا أتى عندي ضيف ودام مقامه أكثر من يوم وليلة، أصارحه أني لا أستطيع تحمل مصاريفه، خاصة وأنني لي حكايات مع الضيوف، ففي مرة أخبرني صديق بالدارالبيضاء أن زميلا له يريد أن يزور مدينتي، رحبت بالفكرة واعتقدت أنه سيأتي وحده، وسيقضي يوما أو يومين، لكني فوجئت به يأتي بأسرته المتكونة من ستة أفراد، جاء خاوي الوفاض، بات عندي ليلة وترك وفد عائلته وعاد إلى عمله، كانت أياما سوداء، حيث قضوا عندنا أكثر من أسبوعين، حتى شعرت أني غريب في بيتي نظرا لكثرة الهرج والمرج، وكانت ربة البيت مجبرة على تلبية طلباتهم من طبخ وغسل وترتيب الفراش وهي في الحقيقة طيبة لم تستطع أن تقول لهم شيئا، بعد رجوعه أخبرني أن أسرته فرحة بكرم الضيافة وبالجو الهائل في المدينة وأنها تنوي قضاء أسبوع آخر، فصحت في وجهه دون أن أشعر إني مسافر، واضطررت للكذب عليه حين قلت له أن جدتي ماتت في البادية ونحن مضطرون للذهاب جميعا ، قال لي لا بأس سنذهب معكم للتعزية، حينها صارحته، وقلت له إنني لم أعد أقدر على استضافة عائلته، الغريب أن زميلي اتصل بي وعاتبني كثيرا وانقطعت الصلة بيني وبينه . وعلى العكس من ذلك يقول السيد (ع .ز): «زيارة الضيوف مهمة بالنسبة لي، خاصة إذا كان الضيوف من جهة زوجتي، فهي فرصة للهرب ومزاولة بعض الأنشطة، حيث تكون زوجتي مشغولة بضيوفها، حتى أن الخصومات في ذلك الوقت تقل بيني وبينها، أعلم أن أبنائي يتأثرون بها ، وكنت ألجأ إلى أخيها الذي يعلم عصبيتها، وأستنجد بهم للتخفيف من الضغط الحاصل في للخلافات بيننا أنا وزوجتي، والتي غالبا ما تكون عن الماديات وعن الفسحات التي لا تنتهي». نعم للضيافة مع تبادل التجارب: فاطمة أم لطفلين تقطن بمدينة سلا سألناها عن رأيها في الضيوف فأجابت: «نعم هناك شيء ما من التعب مع الضيوف، وهناك بعض الارتباك، خصوصا إذا كنا نحن المضيفين راغبين في السفر، والضيوف يكثرون عندنا، خصوصا وأننا في مدينة ساحلية قرب العاصمة، ونحن نستقبلهم بحفاوة، نظرا لأن ديننا أمر بإكرام الضيف ولكون المغرب بلد الكرم، وفيما يتعلق بالمساهمة المادية للضيف في مصاريف الأكل والشرب فهو يختلف حسب نوع الضيوف، فإذا كان للمعني بالأمر أطفال فهؤلاء بالطبع نعتبرهم مثل أبنائنا، أما الآباء فمنهم من يقوم بمساعدة مادية لأنه على دراية بمصاريف البيت، إلا أننا نحن لا ننتظر ذلك من أحد ما دام ضيفا عندنا، كما لا نرفض منه إن قام بذلك من تلقاء نفسه». وإجابة عن موقفها إذا كانت مستعدة للسفر وجاءها ضيوف قالت السيدة فاطمة "بطبيعة الحال أحس بنوع من الإحباط، خاصة وأنا أعاني من روتين البيت، وأريد تغييره، إلا أن هذا لن يؤدي بي إلى إخبار ضيوفي بذلك أو إلغاء زيارتهم لأنني سأحرجهم". وتقول أيضا: «أما أطفالي فهم يفرحون بالضيوف لأنهم يجدون معهم حريتهم، ويغيرون الجو الأسري العادي، إلا أن أمر التربية يستدعي نوعا من الانتباه فقد يكون الأطفال معتادين على سلوكات محمودة، فإذا كان من بين الضيوف أطفال بسلوكات قبيحة، فعلى الآباء الاحتياط من أن ينصرف أطفالهم بتقليد أبناء الضيوف، ولهذا فأنا أفضل أن تكون ضيافتي عند أناس يؤثرون على أبنائي بشكل إيجابي لا بشكل سلبي. ولكي يقضي الضيوف وقتا ممتعا حقا، فيجب أن لا يغفلوا مساعدة الأسرة المضيفة وخصوصا مساعدة المرأة للمرأة في أشغال البيت، والأجدر بذلك المرأة التي مازال أطفالها صغارا ويتطلب منها ذلك مجهودا مضاعفا، أو إذا كانت في البيت مساعدة فإنها تخفف من معاناة ربة البيت. كما أفضل أن تكون فترة الضيافة فرصة لتبادل التجارب والمعلومات فيما يخص التربية وإدارة البيت والثقافة العامة". الضيف وتأثيره على ميزانية الأسرة: وعن تأثير الضيف على ميزانية الأسرة، يجيب (ع.ز): «إني موظف وأعمل كذلك في الأعمال الحرة حيث أربح مالا لا بأس به، وزوجتي تصرف من النقود أكثر إذا كانت لوحدها، فوجود السيارة يجعلها تطلب مني الفسحات في كل مرة ،أما إذا كان هناك ضيوف، فهي تتعقل قليلا ولا تطلب غير فسحة كل ثلاثة أيام». ويقول السيد (ف.أ) نجار(45سنة) منحدر من أصول صحراوية: «قديما قد لا تتأثر ميزانية الأسرة بحلول الضيف، لأن أهل الدار لا يتكلفون كثيرا وكان "الخير موجودا" وسلع الاستهلاك خارج البيت قليلة، أما الآن فنظرا للظروف الاقتصادية وكثرة السلع المعروضة، فالميزانية تتأثر كثير ا، وغالبا ما ألجأ إلى مدخراتي لتغطية المصاريف رغم أنني لا أتكلف كثيرا، ولكن الظروف المعيشية تقتضي ذلك. الضيوف والتجار أية علاقة؟ قد يتساءل البعض: وما علاقة التجار بالضيوف؟ وما إن يتمعن في السؤال حتى يجد أنه ثمة فعلا علاقة تأثير يكون أحيانا إيجابيا وفي أخرى سلبيا، يقول (د ح) صاحب محل تجاري للمواد الغذائية بحي شعبي بالرباط: «كلما رأينا وجوها جديدة تقصد منزلا مجاورا لمحلنا إلا وندعو لرب الأسرة بالعون، وإن زبناءنا عموما تزداد مصاريفهم في الصيف بسبب الضيوف وغالبا ما يزيد حجم الدين، وإن هذا يؤثر علينا نحن سلبيا أكثر منه إيجابيا خصوصا إذا تم الدين في شهر غشت فالزبون يؤجل الأداء إلى شهر شتنبر، آنذاك يتعذر بظروف الدخول المدرسي فلا نتمكن من استخلاص الدين إلا بعد شهرين في أحسن الأحوال ونحن لا نملك إلا أن نتضامن مع المضيف بتأجيل وقت التسديد خاصة إذا كان زبونا قديما، إلا أن تأثير الضيوف على التاجر يكون إيجابيا إذا كان الضيف هو الذي يشتري ويسدد في الحين، فنستفيد نحن ويخفف على المضيف. ونفس الأمر ينطبق على الجزار والخضار، وقد يتعلق الأمر أحيانا بالصيدلي إذا أصيب أحد الضيوف بمرض مفاجئ. والطامة الكبرى تكون عندما يفتح المضيف باب الاستدانة من التاجر للضيوف ولم يحكموا عقلهم، فإنهم يتركون وراءهم ذكرى مأساوية قد تزج بالأسرة إلى نزاعات إذا ما كان الضيوف من عائلة الزوجة أو الزوج وكان الاعتراض من الطرف غير المعني. فليتق الضيوف ربهم في مضيفهم، أو لربما سيعملون على تزكية المقولة الدارجة «مرحبا باللي جا وجاب». الضيف وتأثيره على تربية الأولاد يقول (س.غ) تلميذ في الثانية ثانويي: «أمي تخاف علي كثيرا بدعوى خوفها من تعرضي لحادثة لا قدر الله، وتحبسني في البيت طوال العطلة الصيفية، إلى أن تسمح ظروف عمل أبي بالسفر، فنذهب خمسة أيام إلى مدينة الصويرة.لا أجد متنفسا إلا عند الذهاب عند جدتي التي تعارض أمي في سلوكها، بل وتشجعني للخروج وللتنزه ،خاصة وأني أجد عندها أبناء وبنات خالي الذين يأتون من مدن البيضاء والقنيطرة وأكاد ير وهي مناسبة لقضاء بعض الأوقات الممتعة، كالذهاب خفية إلى المسبح أو إلى السينما، لا أنكر أنه يجول في خاطري أشياء قبيحة خاصة وأن بنات خالاتي، وهم ميسورون، يلبسن لباسا غير محتشم وولد خالي الذي هو أكبر مني يدخن،لكني أفكر أكثر من مرة قبل الإقدام على أي شيء، لأن ماما إذا علمت بشيء من هذا سوف تقتلني». ويقول (ع.م) وهو رجل تعليم، أعيش حاليا مع زوجتي في بيت أبيها ، وهو بيت كبير تعيش به خمس عائلات، في الصيف تكثر الزيارات، فلا يمر يوم إلا وضيف يحل ببيتنا حتى أنه خصص لذلك جناح خاص، من الناحية المادية لا نتأثر كثيرا فكل عائلة تتكفل بضيوفها، لكن ما يجعل الحياة لا تطاق هو وجود الأطفال ،إني لاحظت كيف أن ابني بدأ يتغير سلوكه، وبدأ يكتسب بعض العادات السيئة، طفلي في العاشرة، بدأ يشاهد التلفاز كثيرا، لا ينام باكرا كما كان معتادا، ويستغل وجود الضيف للعناد في بعض الأمور البسيطة مثل غسل الأسنان بعد الأكل أو الذهاب إلى المسجد لحفظ القرآن، سلكت معه جميع السبل من تحبيب وترغيب ثم من ترهيب وتخويف، لكنه كان يجيبني ولماذا هؤلاء لا يفعلون كذا ولم هؤلاء يفعلون كذا، في السنة الماضية،زرانا ضيف ومعه ولد في مقتبل العمر لكنه جريء، فرغم حرص الأسرة على توفير الأجواء العائلية الصافية، لكنه بدأ يتحرش ببنات الدار ويصر على مصافحتهن، وبدأت ابنتي (تشكو من ذلك ، ولأن الأسر الضيفة تعتبر ذلك من البديهيات فابني المراهق بدأ يتأثر بالأجواء (14سنة)وكنت لما أرجع من العمل، أجد رزمة من الشكاوى بخصوص هذا الضيف، قلت ذلك لمضيفته ولكن بدون جدوى، ولما لم أجد بدا قدمت عطلتي وسافرنا إلى مدينة أخرى ريثما تمر هذه العاصفة. الضيف وتأثيره على برنامج الأسرة ويقول (ب.ب)، موظف بسيط( 25سنة)، يسكن إحدى الضواحي وهو عريس جديد مرت سنة على زواجه: «لقد وجدت في الزواج أشياء جميلة وأنا في تفاهم تام مع زوجتي والحمد لله، ولكن أشياء جديدة بدأت تنغص على حياتي ألا وهي كثرة الضيوف في هذا الصيف، فلحد الساعة لم أستطع أن أسافر مع زوجتي لقضاء بعض الوقت للراحة ،عشت مرحلة عصيبة هذه السنة ،البيت لم يخل من ضيف، ويأتون بغير موعد بل يأتون في الوقت الذي أريد فيه أن أرتاح، ويتدارك: «إنني لا أتكلم عن المسائل المادية، فكل واحد يأكل رزقه ولكن راحة البال هي المشكل، بعد رحيل ضيف تفاجئني زوجتي بأن علينا أن نغير شيئا من أثاثنا أو طريقة معيشتنا أعرف الضيف هو السبب وخاصة من النساء، حتى أنها قالت أنها نادمة من حملها رغم أنها كانت سعيدة به أول الأمر، ولما استطلعت الأمر عرفت أن خالتي هي من أوحى لها بهذه الفكرة الشيطانية وقالت لها أننا لدينا الوقت الكافي لذلك، وعاتبتها على التسرع في الإنجاب،وهناك مسائل شخصية تخصني أنا وزوجتي وبدأت أحسم فيها، مثل حضور الأعراس المختلطة، ونزع لحجاب أمام أقاربي بحجة أنهم من المحارم وأمور أخرى، وهذا يقلقني، في مرة زارتنا أمها وجلست عندنا ثلاثة أيام ونظرا لضيق البيت كنت أترك لهم الغرفة الكبيرة وأنام وحدي ، عند ذهاب أمها، وعندما بدأت أداعبها كالعادة مقدمة لدعوتها إلى الفراش بدأت ترفض، وفهمت أنه طلب جديد موحى من أمها، كان طلبها أن تذهب عند الحلاقة لأن عرسا سيتم قريبا، رفضت بشدة وكدت أضربها، ولما هدأ روعي أقنعتها بخطورة ذلك، ولكن أحس أنها لم تقتنع وأن حرمانا بداخلها . المرأة والضيوف سواء كانت المرأة موظفة أو غير موظفة، في حالة عطلة عمل أو في حالة عمل، فنادرا ما يكون لديها نفس لاستقبال الضيوف، حيث إن المرأة غير الموظفة تمل من روتين الأشغال اليومية وتنتظر سفرا تغير به هذا النمط، السيدة خديجة من هذا النوع أجابتنا قائلة: «أنا لا أفضل أن أكون ضيفة كما أستقبل الضيوف بكثرة في بيتي، لأنني أريد تغيير روتين الأشغال اليومية، لذلك فأنا أسافر مع زوجي وبناتي الثلاثة إلى إحدى المدن السياحية، نكتري بيتا نقيم فيه حتى نرجع، فلا أريد أن أثقل كاهل أسرة أخرى بأتعابي ومصاريفي، كما أنني لا أحس بالراحة عند الآخرين، فربما سأحرجهم أو يحرجونني، وخاصة فيما يتعلق بالحجاب، فكلما اختطلت العائلات وكثر الأجانب تضطر النساء إلى لبس الحجاب طوال اليوم رغم ارتفاع درجة الحرارة، وهذا لا يعني أنني لا أصل رحمي بل أزورهم ويزورونني زيارة "خفيف ظريف" وعند زيارة أمي لا أحمل هم الأشغال المنزلية لأنها تستعين بالمساعدة. وتضيف خديجة: « إذا لم يكن في طاقة زوجي توفير مصاريف تخييمنا فإني أكتفي بالجلوس بالمنزل وأرسل بنتي الكبرى مع مخيم الأطفال للجمعية التي تنشط بها، أو أكتفي بالخروج مع بناتي إلى منتزهات مدينتنا، فهذا عندي أفضل من أن أجد نفسي وأسرتي عبئا على الآخرين». والمرأة الموظفة إذا كانت في عطلة فهي في أمس الحاجة إلى تغيير المدينة التي تقطنها حتى يتسنى لها نسيان كل ما يربطها مع العمل، وحتى تعود بنفسية متجددة، بهذا فهي لا تكون على استعداد لاستقبال الضيوف إلا في حالات نادرة». أما إذا كانت في فصل الصيف في فترة عمل، فهي ترتاح لاستقبال ضيوف لا تحتاج معهم إلى مجاملات، بل هم الذين يقدمون لها مساعدات، بحيث يكون منهم من يعتني بأطفالها الذين لم تعد لهم أبواب المدرسة مفتوحة، أو من يهئ لها الطعام ويدبر لها شؤون البيت ويخفف عنها عبء العمل، آنذاك تعم الفرحة الحاضرين، في حين إذا كان الضيوف من النوع الذي تفكر له المرأة وهي في العمل وقد يربكها ذلك أو يسبب لها مشكلا في عملها فإنها تشمئز منهم وبالتالي قد لا تحسن معاملتهم إلا إذا كانت ذات رصيد وافر من كظم الغيظ. تحكي ناجية، الموظفة بشركة خاصة، وهي أم لطفلين «رغم تعبي في العمل أرجع لأتعب وأسهر في البيت مع الضيوف، إلا أن الذي يغضبني أنني أعيش مع زوجي طوال العام في جو من التفاهم أو على الأقل السعي للوصول إليه، فما أن يحل فصل الصيف حتى يأتي الضيوف لأتعب معهم، ويأكلون من عرق جبيني ويأخذون من وقتي، لا يمنعهم ذلك من أن يتسببوا في النزاعات بيني وبين زوجي، وإذا كان الضيوف كلهم من هذا النوع فلا مرحبا بهم، الله عز وجل كرم الضيف فما عليه إلا أن يحترم نفسه ويحافظ على المكانة التي بوأها الله إياها. وفيما يخصني فإذا كنت في عطلة، أسافر بعضا من الوقت لزيارة عائلتي وعائلة زوجي وبعدها أذهب مع زوجي وأبنائي إلى إحدى المدن السياحية لنستعيد النشاط للموسم المقبل. الطلبة والضيوف وعي اجتماعي واستفادة علمية: (ع م) طالب يرحب بالضيوف ويقر باختلال ميزانية الأسرة قائلا: «عندما يحل عندنا الضيوف في البيت تحل السعادة، نحتفل بهم، فإننا مغاربة نرحب بالضيف كيفما كان الحال، ميزانية البيت تختل لحضور الضيف، حيث يكون بعض السخاء خصوصا في الاستقبال، وفي الأيام الأخرى يطبق العرف السائد بأن ما يأكله واحد يأكله إثنان أو أكثر. وفيما يخص تأثير الضيوف على تربية الأبناء يقع إذا كان أبناء المضيفين من المقلدين وأفضل أنا أن لا أكون ثقيلا على أحد فأقوم بزيارة لغرض ما وغالبا ما يكون "صلة الرحم"، وإذا كان الذي سيستضيفني فقيرا أبادر بالمساهمة في المصروف اليومي. (ي أ) طالب آخر يفتخر بتقاليد المغرب قائلا: «إن سفر العائلة من أجل زيارة أقارب هي الغالبة في أسفار الصيف، فلم نتحول بعد إلى النموذج الغربي، حيث تتوجه العائلة بشكل مباشر إلى الفندق، إلا أن الضيوف في بعض الأحيان لا يتحينون الوقت المناسب للزيارة، والأمر يتطلب فقط شيئا من التنسيق بين الطرفين، وأنا شخصيا أخبر أقاربي عن موعد زيارتي لهم. وحبذا لو تكون مدة الضيافة قصيرة حتى لا يتم إحراج المضيف معنويا بإرباك برنامجه وماديا باستنزاف ميزانيته حتى يضطر للاستدانة. (م أ) طالب يفرح كذلك بزيارة الضيوف في الصيف، ويعتبره فرصة للتزاور وقضاء أمتع الأوقات، ويؤكد أنه يتكيف مع الظروف الجديدة بسهولة ويغير برنامجه دون أي مشكل إلا أنه يتضايق من كون أمه تستدين من أجل تمتيع الضيوف، وهو يفضل أن يتكيفوا مع ما تأكله الأسرة المضيفة، أما عن تربية الأبناء، فهو يرى أنها إذا كانت مبنية على أساس متين، فليس ثمة خوف عليهم، ومع ذلك تستحسن المراقبة، وخصوصا إذا كان الأطفال يذهبون إلى البحر. وفيما يتعلق بالمسار العلمي للطلبة، يفضل معظمهم أن يكون من بين ضيوفهم من سبقوهم في طريق العلم حتى ينهلوا من توجيهاتهم ويتبادلوا معهم أطراف نقاش مثمر قد يفيدهم في مستقبلهم العلمي، ومنهم من يستغل زيارة العائلة في المدن الكبيرة للاطلاع على المعاهد والمؤسسات التي يلجأ إليها عند الحاجة. نصف العطلة للتزاور والنصف الآخر بعيدا عن الضوضاء: في مركز الاصطياف "تاغبالوت" بمدينة القصيبة، إقليمبني ملال وسط تسبيحات الأشجار الطويلة واستمتاعا بخرير المياه نجد فئة اختارت ضيافة من نوع خاص. خيام مفروشة تكترى للاصطياف، مقاهي ومطاعم تقليدية رهن إشارة الوافدين الذين قرروا أن لا يكونوا ضيوفا أو مستقبلين للضيوف، لأنهم حسب رأيهم إذا كانوا ضيوفا سيثقلون كاهل مضيفيهم، وإذا كانوا مضيفين فلن ينعموا بعطلتهم كما يحبون. ومنهم فئة أخرى تقسم العطلة أقساما بين صلة الرحم بزيارات خفيفة أو استقبالات خفيفة كذلك، ومتوسط العطلة يقضونه بعيدا عن الضوضاء، لأن زيارة الأماكن الطبيعية تمنحهم نفسا جديدا ويفضلون أن يكون في نهاية العطلة، حتى تبدأ السنة الدراسية والعملية بنشاط وحيوية، كما أن منهم من يستغل هذا الفضاء في تأمل خلق الله وربط الصلة به، وفي القراءة أو حفظ القرآن، بل هناك من يخطط لسنته القادمة من كل النواحي. واختيار مركز الاصطياف "تاغبالوت" يبرره بعضهم بكونه وقاية للأطفال من أخطار الغرق في البحر، (وكم لفظ البحر هذه السنة من جثث المصطافين)، وقد يكون كذلك فرصة لغرس قيم عليا فيهم، كما أن متطلبات أفراد الأسرة في هذا المكان لا تكون مكلفة مثل المدن التي تستنزف رصيد الأسرة وتجد نفسها ملتجئة إلى الاستدانة لتغطية مصاريف الدخول المدرسي، وما أدراك ما الدخول المدرسي. ثم إن اختيار مركز "تاغبالوت" للاصطياف يساهم في تحريك عجلة ما يقارب 50 مقهى ومطعما تعمل بها النساء بشكل كبير على إعداد الطاجين المغربي والحريرة والشاي، قالت إحداهن:»آتي إلى هنا أنا وأولادي الخمسة ونعمل في فصل الصيف منذ خمس سنوات، ولي زبناء من البيضاءوالرباط ومختلف المدن». مرحبا بالضيوف وليلتزموا طوال السنة إنه جانب آخر من الترحاب، ليس ترحابا تأكيديا بل فيه نبرة من الاستنكار، والأمر هنا يتعلق بما تعانيه زوجات المهاجرين المقيمات بالمغرب، إذ يغيب الزوج طول السنة وتبقى زوجته في معترك الحياة، تتحمل مسؤولية البيت والأبناء، فمنها الأم والأب، يكون عليها مد أولادها بالحنان الكافي كما تجد نفسها مجبرة على الحزم في تدبير شؤون البيت الداخلية والخارجية، المادية منها والمعنوية، في انتظار قدوم الزوج ليقضي مع أولاده وزوجته شهرا أو ما يناهزه، ليعود لبلاد المهجر ويبقى التواصل بينهم عبر أسلاك الهاتف أو بالرسائل، وفي أحيان قليلة عبر شبكة الأنترنيت إذا أخذوا كلهم أو بعضهم حظا من التكنولوجيا الحديثة. تحكي عائشة ولسان حالها يعبر عن ما تعيشه كثير من النساء، وهي أم لخمسة أولاد، يعيش زوجها بفرنسا: «يطول انتظار زوجي لمدة إحدى عشر شهرا، فإذا جاء فصل الصيف واقترب قدومه، أبدأ بإعداد البيت وكل ما يلزم لاستقباله واستقبال الضيوف، وإني لأرحب بهم وأحمد الله الذي رزقني بما أطعمهم، ولكن يا ليتهم يزوروننا طوال السنة حينما نكون في حاجة إلى من يؤنسنا، ولكن تجدهم كأنهم يعوضون ما غابوه، فشهر زوجي الذي سيقضيه معنا، تمر منه سبعة أيام إلى عشرة في قدوم من يهنؤنه على سلامته ووصوله بخير وعلى خير، كما يمر الأسبوع الأخير في قدومهم لتوديعه، في حين يمضي أسبوع أو أكثر في ذهابه لزيارة بعض الأقارب أو قضاء بعض الحاجيات من متابعة البناء أو التجارة أو غيرها من المشاريع، ليبقى في الأخير حظ الأسرة في الانفراد أسبوعا من مجموع 365 يوما، إني لا أرفض الضيوف لأجل الرفض ولكن لغة الأرقام السالفة تدل على أن من حق أفراد الأسرة الواحدة أن ينالوا حظهم من التفرغ لخصوصياتهم وتدبير أمورهم . لطيفة هي الأخرى تقطن بالمغرب مع أولادها الثلاث وزوجها يعمل بفرنسا تقول: «أنا لا أعترض على مجيئ الضيوف في فصل الصيف، والحمد لله تكون فرصة لصة الأرحام، إلا أن ما أريد التأكيد عليه أن المهاجرين الذين يأتون إلى المغرب هم كذلك في عطلة بعد سنة من العمل الدؤوب، وبعد أيام قلائل سيستأنفون عملهم، ثم إنهم يتعبون في طريقهم إلى بلدهم الأصلي وأثناء رجوعهم للبلد المضيف، لذا فلا بأس بالزيارات مع مراعاة التقليل من السهر أو التسبب في تعب المهاجر باستغلاله في قضاء الحوائج لمجرد أنه يمتلك سيارة". إعداد: حبيبة أوغانيم عبد الغني بلوط