إسمها نجود، فتاة بسيطة صغيرة، تنحدر من محافظة «حجة» شمال غرب اليمن حيث تعيش مع والديها رفقة 16 من الأخوة والأخوات. تعتقد نجود أنها تبلغ من العمر عشر سنوات، ففي بلدها اليمن لا يتوفر السواد الأعظم من أبناء البوادي على وثائق ثبوتية، وغالبيتهم لا أثر لهم في سجلات الولادة. مثل أي فتاة في العاشرة من العمر، تعشق نجود اللعب بين أزقة قريتها، وتحب لعبة القط والفأر مع صديقاتها وأخواتها، والألوان المفضلة لديها هما الأحمر والأصفر، وهي تفضل الشوكولاتة وجوز الهند، وتحب الكلاب والقطط، كما أنها لم تعرف البحر مطلقاً وتحلم بأن تعانق يوما أمواجه. نجود علي رفقة الصحفية الفرنسية ديلفين مينوي، تقربنا من تفاصيل تجربتها الفريدة، التي صاغتها في كتاب عنونته ب«أنا نجود، عممري 10 سنوات، مطلقة» 15 أبريل 2008 حل اليوم الموعود بسرعة عكس المنتظر. كانت قاعة المحكمة مليئة عن آخرها. أمر مثير. كل هؤلاء الأشخاص الجالسون على المقاعد المقابلة لمنصة القاضي جاؤوا من أجلي؟. فقد سبق للمحامية شدى أن أخبرتني بذلك. يبدو أن الاستعدادات ستأخذ مزيداً من الوقت، غير أن حملتها الإعلامية أتت أكلها. فقد كانت في هذه المحكمة، هي الأخرى مندهشة. أعتقد أن حوالي أسبوع قد مر عن لقائنا الأول. أسبوع من الاتصال بالصحف، التلفزيونات والجمعيات النسائية... وها هي النتيجة! لم أر قط هذا الكم في حياتي، من آلات التصوير وكاميرات التلفزيون. تصاعدت زفراتي. هل بفعل نقص في الأوكسجين بسبب كل هذه الوجوه التي تحيط بي أم بسبب الدهشة؟ كنت أتصبب عرقاً وأنا ألبس نقابي أسود اللون. نجود، ابتسامة، يقول أحد المصورين وهو يحاول الوصول جهتي وسط هذه الزحمة. ما أن اقترب مني حتى لمحت عموداً من آلات التصوير يتكون أمامي. كانت هناك أيضاً كاميرات فيديو! احمرت وجنتاي. مخجلة كل هذه الومضات. لم أتمكن وسط هذه الزحمة التعرف على أي شخص من معارفي. كانت كل هذه الوجوه تنظر إليَّ... وأنا أتمسك بالمحامية شدى. كانت رائحتها تُطمئِنني. عطر الياسمين، الذي أصبح مألوفا لدي. فشدى هي بمثابة أمي الثانية! خالة شدى. نعم، نجود. إني خائفة. سنتوصل... سنتوصل... تهمس في أذني. لم أكن أتصور قط أنني سأحظى بمثل هذا الاهتمام. فها أنا التي كنت ضحية في صمت منذ شهور، أتصدر الآن الواجهة أمام هذا الكم من الصحافيين. كانت شدى قد وعدتني أنهم لن يحضروا. وإننا سنكون لوحدنا بكل بساطة. ما الذي سأحكيه إليهم إذا ما انطلقوا في طرح الأسئلة علي. لم يعلمني أحد أبداً طريقة الإجابة عن الأسئلة. شدى؟ نعم، نجود؟ مع كل هذه الومضات... أعتقد أني أبدو مثلما جورج بوش، ذلك الأمريكي الذي نشاهده دوماً على شاشة تلفزيون. تبتسم. لا عليك... تقول لي. كنت بدوري أختلق الابتسامة. فقد كنت أحس بدواخلي كما لو أنني مشلولة. كنت أحس أنني غير قادرة على الحركة وأن رجلاي مثبتين على الأرضية. وعلى العكس من هذا، فهمت أن خوفي سببه كوني أمام علامة استفهام كبرى. فكيف يتم الطلاق في حقيقة الأمر؟ نسيت أن أطرح هذا السؤال على شدى. فلم يسبق أن تحدثوا لي عن هذه الأشياء في المدرسة وإن كنت رفقة صديقتي ملاك نتحدث عن كل شيء إلا الحديث عن هذه الأشياء، ربما كنا نعتقد أن هذا الأمر شأن يخص الكبار فقط، وأننا كنا في الواقع فتيات صغيرات كي نهتم بأمور الكبار. الآن، لا أعرف إذا ما كانت مدرساتي متزوجات أو مطلقات... لم أفكر قط في أن أسألهن. إذن، كان من الصعب مقارنة قصتي بقصة النساء الأخريات في محيطي. على حين غرة أحسست بما يشبه وميض حارق يخترقني: ماذا لو قال الوحش بكل بساطة «لا»؟ ماذا سيكون الرد، حينها، إذا ما اعترض على انفصالنا، وماذا إذا بدأ في تهديد القاضي بخنجره مسنود في ذلك بإخوته ورجال القرية؟ من يعرف... اطمأني. كل شيء سيسير على ما يرام. تقول لي شدى وهي تُربثُ على كتفي. رفعت عيناي كي أراها جيداً. أعتقد أنها لم تنم بشكل جيد الليلة الماضية. كانت عيناها وأسفلهما متعبتان. تبدو مرهقة. أحس بالانزعاج كوني أنا السبب. وعلى الرغم من كونها متعبة فشدى دائما جميلة وأنيقة. امرأة مدينية بحق. لاحظت أنها غيرت لون منديل رأسها. وردي مثل عباءتها. إنه واحد من ألواني المفضلة. اليوم ترتدي تنورة طويلة رمادية وحذاء بعكب. فأنا سعيدة كونها هنا إلى جانبي. بشكل مفاجىء وسط الزحمة. لمحت يدا تتحرك في اتجاهي. إنه حامد تابث. صحفي من «يمن تايمز»، وأخيراً واحد ممن أعرفهم. إن حامد صديقي الجديد. إنه أخ حقيقي بالنسبة لي، لكن ليس كما أخي محمد. لقد قدمه لنا أحد معارف شدى. حامد، طويل القامة أسمر اللون، ممتلىء الكتفين ووجه دائري، فقد تأثرت بسرعة لطيبوبته. لا أعرف سنه بالتحديد. لم أجرؤ على سؤاله. لقد التقيته أيام خلت في بهو المحكمة تقريباً، المكان الذي صادفت فيه المحامية شدى قبل ذلك. طلب مني في البدء إذا ما كان بإمكانه أن يأخذ لي صورة وبعدها توجهنا إلى أحد المطاعم بالقرب من المحكمة، فأخرج قلما ومذكرة ووضع عليّ عدداً من الأسئلة تتعلق بوالدي، زواجي، حول القرية «خراجي» وحول ليلتي الأولى... احمرت وجنتاي خجلا وأنا أحكي له قصتي. حينما لمحت قسمات وجههه عندما كنت أصف له بقع الدم على الثوب، فهمت وقتها انه يتأسف للأمر. كما أني رأيته أيضاً يوجه بشكل متخفي ضربات بقلمه على الطاولة. تمكنت من أن أشهد تألمه بالرغم من محاولة إخفاء شعوره. أحس بالألم نحوي وهذا ما لاحظته. لكن أنت صغيرة جدا! كيف تمكن من القيام بهذا يهمس إليَّ. غريب لم أبكي هذه المرة... بعد دقائق واصلت الحديث: أردت أن ألعب خارج البيت مثل الأطفال في سني. غير أنه كان يضربني ويجبرني على العودة إلى الغرفة رفقته، ويبدأ بفعل أشياء يطلبها مني... وللحديث إليَّ كان يوجه لي كلمات فجة. عندما افترقنا كانت مذكرة حامد قد امتلئت حبرا أسواداً. لقد دون كل التفاصيل. تمكن حامد أيضاً، من أن ينسل إلى الزنزانة ويأخذ صورة لوالدي وللوحش مستعملا هاتفه النقال. بعد أيام، أخبرتني شدى أن مقاله نُشر وكان له صدى كبير في اليمن. كان حامد أول صحفي يميط اللثام عن قصتي. كنت منزعجة، الحقيقة غير أني اليوم ممتنة له بالشيء الكثير.