إسمها نجود، فتاة بسيطة صغيرة، تنحدر من محافظة «حجة» شمال غرب اليمن حيث تعيش مع والديها رفقة 16 من الأخوة والأخوات. تعتقد نجود أنها تبلغ من العمر عشر سنوات، ففي بلدها اليمن لا يتوفر السواد الأعظم من أبناء البوادي على وثائق ثبوتية، وغالبيتهم لا أثر لهم في سجلات الولادة. مثل أي فتاة في العاشرة من العمر، تعشق نجود اللعب بين أزقة قريتها، وتحب لعبة القط والفأر مع صديقاتها وأخواتها، والألوان المفضلة لديها هما الأحمر والأصفر، وهي تفضل الشوكولاتة وجوز الهند، وتحب الكلاب والقطط، كما أنها لم تعرف البحر مطلقاً وتحلم بأن تعانق يوما أمواجه. نجود علي رفقة الصحفية الفرنسية ديلفين مينوي، تقربنا من تفاصيل تجربتها الفريدة، التي صاغتها في كتاب عنونته ب«أنا نجود، عممري 10 سنوات، مطلقة» توجد قريتي، التي يمكن وصفها أنها منطقة خارج هذا العالم، محصورة بين الوادي والهضاب في مكان بعيد عن «حجة»، هذه المحافظة الذائعة الصيت الموجودة شمال غرب اليمن. فلم يأبه أحد من علماء الجغرفيا إلى موقع قريتي على الخريطة. تستغرق الرحلة إلى العاصمة اليمنية، صنعاء قادما من مسقط رأسي، حوالي أربع ساعات على طريق مليئة بالرمال، والحجر الصخري. أما إخوتي الذكور فحينما يودون التوجه إلى المدرسة صباح كل يوم، فوصولهم إليها يحتاج منهم حوالي الساعتين مشيا على الأقدام. المدرسة توجد في إحدى القرى القريبة من الوادي. الذهاب الى المدرسة، والاستفادة من التمدرس كان حكرا على إخوتي الذكور، فوالدي المعروف بطبعة الحمائي والذي يخاف أن يصيبنا مكروه، كان يعتقد أن الفتيات أقل صمودا ومواجهة من الذكور لمخاطر الطريق. فكونهن وحيدات يمكن في أي وقت وحين أن يمسسهن خطر ما في مكان ما وهن في طريقهن إلى المدرسة. هكذا، كانت المراعي والحقول مدرستي حيث كبرت وترعرعت. كنت يوميا أتمتع بمتابعة ما تقوم به والدتي بالمنزل. فقد كانت ملتزمة بأداء مهامها المنزلية يوميا. أما أختاي، جميلة ومونة، فقد كانتا مجبرتين بشكل يومي على النزول إلى النهر بحثا عن الماء حاملتين جرتيهن، حينها لم يكن بإمكاني الالتحاق بهما. ففي اليمن الجو حار وجاف إلى الدرجة التي يصبح معها شرب لترات عديدة من الماء يوميا أمرا ضروريا لنتجنب الإصابة باجتفاف أجسادنا. وما أن تعلمت المشي حتى كان النهر واحدا من وجهاتي الأساسية. فالنهر لم يكن يبعد عن بيتنا إلا بأمتار قليلة. فهذا الوادي كان من نعمه مياه نقية ناصعة. كما كانت والدتي تستعمل مياه ذات النهر لغسل الملابس و أدوات المطبخ بعد كل وجبة طعام. وفي الصباح، مباشرة بعد مغادرة الرجال البيوت في اتجاه الحقول، كانت النساء يأخذن هن أيضا طريقهن إلى النهر لأجل الاستحمام متخفيات وراء جذوع الاشجار. أما خلال الايام التي تشتد فيها العواصف، فإننا نجعل من بيوتاتنا مخابئ عن الأمطار، غير أنه بعد ما تعاود أشعة الشمس الظهور مخترقة السحاب نتوجه من جديد صوب النهر للاستمتاع بمياهه. بعد عودة الأطفال الذكور من المدرسة يشرعون في جمع أغصان الأشجار لإشعال نار الفرن لطهي الخبز، فأختاي كانتا خبيرتين في عجن فطائر الخبز، التي كنا في مرات عديدة نتاولها بعدما نسقيها ببعض العسل، الذي يسمىه الكبار في اليمن «الذهب اليمني»، فعسل منطقتنا من بين الأشهر في اليمن، ووالدي يتوفر على بعض خلايا تربية النحل التي يعتني بها جيدا. أما والدتي فكانت دائما تحثنا على تناول العسل لأنه مفيد للصحة ومصدر للطاقة. ما أن يحل المساء، حتى نتاول وجبة العشاء. نفترش توبا على الأرض يكون بمثابة مائدة. وما أن تلتحق الوالدة بنا مصحوبة بطنجرة لحم البقر أو الغنم والمرق، حتى نبدأ في تناول وجبتنا ، نصنع كويرات رز ممزوج بالمرق واللحم، تختفي بشكل سريع في أفواهنا، كنا نفعل ذلك مثل آبائنا، فعنهم تعلمنا طريقة الأكل. إننا هنا نأكل في إناء واحد، دون صحون ولا شوكات ولا سكاكين. إننا هكذا نتناول وجباتنا في اليمن.. بين الفينة والأخرى كانت والدتي تصطحبني معها الى السوق الاسبوعي، الذي ينعقد كل يوم سبت، وسط هضاب المنطقة. بالنسبة إلينا كان السوق مناسبة كبيرة للخروج. نتوجه إلى السوق ممتطين الدواب، نذهب للتبضع لأجل القادم من الأيام. في الحالات التي تكون فيها الحرارة على أشدها تحتمي والدتي بقبعة كبيرة مصنوعة من التبن تضعها على نقابها، تتحول معها أُمي إلى مايشبه «عباد الشمس».