الحركة عادية وطبيعية، والمارة من المواطنين يعبرون الشارع أويتناثرون فوق الرصيف هنا وهناك ذات اليمين وذات الشمال، كبارا وصغارا، إناثا وذكورا. كانت الساعة تشير إلى حوالي الواحدة ظُهرا نهار أول أمس الأحد 10 ماي الجاري بدرب السلطان، وبالتحديد في الرقعة الجغرافية التي تتقاطع فيها الزنقة 21 مع الزنقة 10 من درب الفقراء، وعند ملتقى هاته الأخيرة مع شارع الفداء والمساحات المقابلة، عندما حدثت جلبة، فصراخ، فركض، لتعم الفوضى في كل مكان! بدأت الحكاية عندما كان يافع يتراوح عمره ما بين 14 و 17 سنة يعبر المكان وهو يمسك بين يديه قيدا/«لجاما» لكلب من فصيلة البيتبول، بينما كلب ثان من نفس الفصيلة يتقدم أمامهما دون قيود، وعلى حين غرة وبشكل فجائي شرع الكلب غير المقيد في العدو تجاه المارة وبدأ في مهاجمتهم ، وما هي إلا لحظات حتى التحق الكلب الآخر بالمعركة بعدما أفلت من عقاله ولم يعد يقوى صاحبه على التحكم فيه، لتتحول المنطقة إلى ساحة للكر والفر: مسنون من الجنسين ، شبان/ شابات ، أطفال.. الكل يصرخ/يستغيث فيما الكلبان معا ولونهما أبيض ويحملان بعض البقع السوداء، لم يعد لهما من هم سوى البحث عن سيقان أو أطراف آدمية لنهشها! مشهد شبهه بعض الحاضرين باحتفال اعتيادي لدى جيراننا الإسبان ، وذلك عندما يتعقبون آثار الثيران وما أن تستدير هاته الأخيرة حتى يفر الجميع، وهو ما حدث بالضبط، إذ في الوقت الذي التجأت بعض النسوة والرجال أيضا إلى المحلات التجارية المفتوحة للاحتماء بداخلها ، ومنها صالون للحلاقة بات ملاذا للافلات من أنياب البيتبول التي لم يخش شرها المغاربة فقط، بل أيضا سيدة من جنسية إيطالية ستضطر هي الأخرى لطلوب اللجوء «الاحترازي» مخافة أن ينهش جسدها كما وقع لشاب أطبقت أنياب أحد الكلبين على «كعب» رجله ولم يفلته إلا والدم يحف حواشي «فمه» من كل جانب! مشهد دفع بعض باعة الفواكه، الذين يتواجدون بالمكان، إلى التسلح بالقضبان الحديدية والعصي والهراوات.. وشرعوا في مهاجمة الكلبين، بينما رماهما البعض الآخر ب«الكيلوات» المستعملة في وزن كميات الفواكه ، إلا أن تلك الضربات كانت كما لو أنها تدغدغ جسد الكلبين اللذين اتقدت عيناهما وباتا أكثر توحشا، الأمر الذي دفع ببعض المارة إلى الارتماء فوق سيارة «ديباناج» كانت مركونة بالمنطقة للاحتماء بها، بينما أفلت شاب آخر بأعجوبة بعدما أغاثه سائق سيارة أجرة صدم كلبا كان يتعقبه، صدمة لم تقم سوى بالتخفيف من سرعة الكلب لاغير! كرّ و فرّ استمر لمدة تقارب خمسا وأربعين دقيقة لم يظهر معها أثر لأية جهة من شأنها تخليص المواطنين من رعب الكلبين اللذين عاثا في المنطقة رعبا، وصالا وجالا كيفما أرادا، ولم يغادرا المكان صوب شارع 2 مارس في اتجاه شارع لامارتين أو شارع أنوال بحثا عن ضحايا آخرين إلا بعدا أن خلفا حالة من الرعب والذعر عانى منها الصغير والكبير على حد سواء، وعددا لايستهان به من «المصابين»! حادثة تنضاف إلى سلسلة الحوادث التي كان «أبطالها» بامتياز كلاب البيتبول التي نهش أحدها جسم الطفلة نجوى عوان التي كان يبلغ عمرها آنذاك 12 ربيعا والتي فقدت ساقها بالعاصمة الاقتصادية بسبب عضة كلب، ومقتل طفل بطنجة من طرف فاعل آخر من نفس الفصيلة، ونهش مسنة بسلا... حوادث متكررة عديدة من هذا القبيل كلها تؤكد الخطر القائم في كل لحظة وحين بسبب البيتبول الذي بات يستعمله اللصوص والمنحرفون لاعتراض سبيل المارة ونهبهم ما بحوزتهم، بات تجار المخدرات يستعينون به لمواجهة رجال الأمن، وأصبح شريكا في عمليات السطو كما هو حال العصابة التي خططت لسرقة وكالة بنكية بحي المعاريف في وقت سابق والتي اضطر حينها رجال الشرطة إلى إطلاق الرصاص على كلب البيتبول دون أن تكفي هذه الطلقات لتصفيته! رعب «البيتبول» مستمر في شوارع المغرب وبمختلف أزقة وأحياء المدن ومعها الدارالبيضاء، ولم تشفع في الحد منه وإيقاف خطره لامذكرة وزير الداخلية، ولا الوالي السابق محمد القباج، سواء الأولى أو الثانية التي تحيل على القرار رقم 1/08 المؤرخ في 24 يناير 2008 والتي قيل إنها جاءت للإخبار بإحداث مجموعتين مختصتين، تضم كل واحدة منهما عونين من جماعة الدارالبيضاء، عنصرا من الوقاية المدنية، ورجل أمن. وتتحدث هذه المذكرة عن أدوار المجموعتين وعن حدود تدخلهما، وإمكانية اتصال المواطنين بهما، علما بأننا قلنا في مقال سابق بأننا لاندري كيف سيتم هذا الاتصال، وعبر أي خط سيتم طلب «كروب إس أُو إس القباج لمحاربة البيتبول» ؟ وهو ما تأكد في الحالة التي نسرد وقائعها، في الوقت الذي انضاف مقرر تنظيمي إلى سلسلة القرارات الكتابية التي تنتظر التفعيل والأجرأة وهو الذي اتخذه مجلس عمالة الدارالبيضاء بالإجماع يوم 7 ماي الأخير، تحت رقم 8 / 2009، من أجل منع وتربية وبيع وتجوال الكلاب الخطيرة وبالخصوص «البيتبول» بمدينة الدارالبيضاء . مقررات/مذكرات تم تدبيجها وتعميمها على المصالح المعنية دون أن تتصف بالنجاعة وظلت حبيسة رفوف المكاتب، فهي لم تمنع بأي شكل من الأشكال استمرار آلة القتل في التجول بكل طلاقة وحرية بالشوارع، مستهدفة سلامة وأمن المواطنين المدنيين ورجال السلطة والأمن ،فهي لاتميز بين أحد، كيف لا وهي التي عندما تثور ثائرتها لا «تتذكر» حتى مالكها!