«ماجدوى جان دارك والثورة الفرنسية وماجدوى ماي 68 والبانتيون وساحة لا باستيي... إذا كان الطالب الأجنبي في القرن الواحد والعشرين مجبرا على النوم ليلتين متتاليتين تحت البرد، من أجل الحصول على بطاقة إقامة فوق هذه البقعة من الأرض؟!» ج. لولاش ركبت المترو رقم 7 من محطة سونسيي دوبانتون في اتجاه ساحة إيطاليا. هناك، يفترض أن آخذ الخط رقم 6 في اتجاه شارل دوغول إيتوال لأنزل في كامبرون حيث توجد ولاية الشرطة. الساعة كانت تشير إلى الثانية والنصف. تجمع حشد كبير من الركاب على رصيف المحطة. تضايقت قليلا، لأنني، داخل المترو، كنت أنوي الاطمئنان مرة أخيرة أنني أحمل معي جميع الأوراق المطلوبة. مستحيل أن أفعل ذلك وسط هذا الزحام ! لكنني قلت لا بأس. سأطمئن على الوثائق عند باب الولاية. المهم أن أصل في الموعد. محطة كامبرون لا تبعد عن هنا أكثر من ربع ساعة بواسطة المترو. غير أنني انتظرت طويلا. خمس دقائق. عشر دقائق. ربع ساعة... دبّ القلق. صرت أنظر للساعة بتوتر وأتمتم بكلمات بذيئة. أخيرا وصل المترو يجرجر عرباته مثل شيخ هرم. هممنا بالصعود، بيد أن مكبر الصوت هتف عاليا ما معناه أن القطار لا يحمل مسافرين. لم أصدّق ما سمعت. على الأرجح، لم أرد أن أصدقه. لذلك صعدت إلى العربة. غير أنني سمعت صوت السائق هذه المرة يردد بصوت واثق: «Je répète، ce train ne prend pas de voyageurs. Ce train ne prend pas de voyageurs. Tout le monde est invité à descendre ! » نزلنا. اللعنة عليكم يا أولاد الكلبة. تريدونني أن أصل متأخرا إلى الولاية. أن أضيع الموعد وأبقى بلا بطاقة إقامة. أن أتحول في النهاية إلى مهاجر سري، هذا ما تتمنونه ! خرجت بسرعة من المحطة. سآخذ سيارة أجرة. ليس هناك حل آخر. سأتألم قليلا وأنا أفتح حافظة النقود في نهاية المشوار. لكن الحياة هكذا: لذة وألم، فرح وشجن، بياض وسواد، نهار وليل، مترو وطاكسي... بقيت أعدد لائحة الأضداد لعلني أواسي نفسي وأداري الخسارات التي داهمتني من كل الجهات. أناس كثيرون تكدسوا في أدراج المحطة، على غير العادة. بذلت مجهودا خطيرا لكي أصل إلى الطوار المقابل. رفعت إبهامي في وجه أول سيارة أجرة وركبت في المقعد الخلفي للميرسيديس البيضاء، كأي أرستقراطي مفلس. لكنة السائق وهو يسألني عن وجهتي ذكرتني بصديقي فلورين، الرسام الروماني الذي تزوج ماريكو اليابانية وهاجر معها إلى بلادها. لاشك أنهما الآن سعيدان يقضيان أياما جميلة في طوكيو. فلورين شخص محظوظ لأنه تزوج ماريكو وأنقذ مستقبله. كان مترددا، لكنني نصحته مرارا بأن يفعل. لو لم يتزوج ماريكو لعاد إلى بلدته الحقيرة كلوج ليرسم لوحات من الدرجة الثانية ويشتم الوقت والشيوعية والرومانيين. وحتى لو بقي هنا لوحده، كان سيسقط في المستنقع ذاته الذي أحاول الخروج منه الآن، بلا جدوى ! السائق أيضا أشقر مثل فلورين، لكنه أكبر منه سنا. قلت له: «زنقة «ميوليس» من فضلك، حيث ولاية الشرطة». أدار عداده وانطلق. بعد صمت قصير سألني إذا كان المترو ما يزال عاطلا. أجبته نعم. الطاكسي يمشي ببطء شديد. أمامه صفّ طويل من السيارات. جميعها تمشي وئيدة كأنه موكب سلاحف من حديد. من حين لآخر كان السائق يهز كتفيه ويتمتم كما لو كان يعتذر عن بطء المرور. سألني في أي وقت عليّ أن أكون في ولاية الشرطة. الثالثة، أجبته في حسرة. كانت الساعة تشير إلى الثانية وخمسين دقيقة. قال لي إننا لسنا بعيدين والمشوار لن يستغرق أكثر من عشر دقائق إذا كانت الطريق غير مزدحمة، ودعاني ألا أقلق. لا شك أنني كنت في حالة هستيرية مفزعة. وإلا ما الذي سيجعل سائقا لا أعرفه ولا يعرفني يتعاطف معي على هذا النحو؟ فهمت أنني سوف أضيع الموعد لا ريب. لم نعد الآن نسير البتة. حركة المرور توقفت تماما. شاهدنا سيارات كثيرة أمامنا تستدير وتعود أدراجها في الاتجاه المعاكس. «ما الذي يحصل؟» تساءل السائق الروماني، ثم أردف وهو يتذكر شيئا كان قد نسيه: «آه. إنهم الممرضون. لقد نزلوا اليوم إلى الشارع يحتجون بدعوة من نقابتهم، لذلك ارتبكت حركة السير !» صرخت في أعماقي:» اللعنة على الممرضين وعلى نقابتهم وعلى وزارة الصحة والحكومة التي لم تكف عن تفريق الوعود ذات اليمين وذات الشمال!» الطريق كانت مسدودة. استدار السائق وحاول طمأنتي بأن ثمة طريقا أخرى قد تجعلنا نصل في الموعد. لكن هيهات. لقد ضاع الموعد. ها نحن مازلنا نراوح مكاننا أمام الأسد الحجري الذي ينتصب بعجرفة في ساحة دونفير روشرو بينما الساعة الآن تشير إلى الثالثة!