«ماجدوى جان دارك والثورة الفرنسية وماجدوى ماي 68 والبانتيون وساحة لا باستيي... إذا كان الطالب الأجنبي في القرن الواحد والعشرين مجبرا على النوم ليلتين متتاليتين تحت البرد، من أجل الحصول على بطاقة إقامة فوق هذه البقعة من الأرض؟!» ج. لولاش اشتكى كثير من الطلاب إلى الوالي بسبب مسخرة طابور مركز الشرطة الطويل. كتبوا رسائل تشرح كيف أن الأجانب أيضا بشر حتى وإن كانوا قادمين من بلدان فقيرة. حتى وإن كانت عظام وجوههم بارزة من جراء سوء التغذية وملامحهم متعبة بسبب النقص في النوم. وحتى وإن كانوا يرتدون ملابس حقيرة ويتحدثون لغات متوحشة لايفهمها الفرنسيون. إنهم بشر. وفرنسا، في آخر المطاف، بلاد حقوق البشر. وإلا لماذا كل هذه التماثيل والنصب التذكارية التي تملأ الساحات والحدائق العمومية وباحات مرافق الدولة. تماثيل مونتيسكيو وروسو ودوما وموليير وديكارت وفولتير وباستور وباسكال... وسواهم ممن قالوا بلا لبس إن أرض البشر لكل البشر. أولئك الذين آمنوا بالإنسان. بعقله وقلبه ونبله وكرامته وحريته في الحياة والتفكير والكلام... والتنقل طبعا؟ ما جدوى جان دارك والثورة الفرنسية وما جدوى ماي 68 والبانتيون وساحة لا باستيي... إذا كنا نحن في القرن الواحد والعشرين، مجبرين على النوم ليلتين متتاليتين تحت البرد، من أجل الحصول على بطاقة إقامة فوق هذه البقعة من الأرض، فقط لأننا أجانب وفقراء؟ وأين اختفى الثلاثي الخطير الذي يحرس الجمهورية: الحرية والمساواة والإخاء ؟ أنا لم أكتب إلى الوالي شيئا. بصراحة، لأنني لم أتعود الاحتجاج على السلطة، لا في بلادي ولا في بلاد الآخرين. أنا مجرد إنسان بسيط يطلب السلة فارغة بلا عنب. مجرد شخص جبان تخيفه قبعة أحقر شرطي. ثم إنني أكره الحلول الجماعية! الحياة مسألة فردية ومصير شخصي، ولست مستعدا لأن أشاركه مع أي كان. لذلك فكرت في حل يليق بي. عوض أن أراسل الوالي لأحتج وأحصد ما لا تحمد عقباه، لم لا أكتب رسالة إلى «بريجيت باردو» وأستعطفها أن تفعل شيئا من أجلي؟ ! إنها امرأة شجاعة وذكية ورقيقة تدافع ببسالة عن حقوق الحيوانات، وأنا لست في آخر المطاف سوى قرد فر من قفص، لست سوى حمار يحمل الأثقال دونما حاجة إلى بردعة. أنا كلب بلا أنياب، أنا دجاجة مبللة... فلتشملني رعايتك أيتها الجدة بريجيت. أنا حيوان أليف فررت من غابة بعيدة حيث القوي يفترس الضعيف بلا رحمة. هربت من الفهود و النمور ومن السباع والضباع ومن الثعالب والذئاب وبنات آوى. هربت من الأفاعي والعقارب والتماسيح وودّعت الأكباش والإوزات والبقرات والأرانب والتيوس والحمامات، ولذت بك أيتها الجدة الحنون. لا تتركيهم ينكلون بي هكذا. أرجوك، باسم الدلافين والنعامات والكونغورو والكوالا، باسم جدّنا الديناصور وجميع الطيور النادرة والحيوانات المهددة بالانقراض، افعلي شيئا من أجلي. أعرف أنك تكرهين الأجانب. العرب منهم على الخصوص، وتحديدا المغاربيين. أنا أيضا أكره هؤلاء الوحوش. لأنهم يضربون إخواننا القطط. ويجوعون عشيرتنا من الكلاب. ويقتلون فلذات أكبادنا من الفئران و الجرذان والسحليات والصراصير. ناهيك عن مجزرتهم الرهيبة كل سنة، التي يروح ضحيتها الملايين من أصدقائنا الأكباش والحملان البيضاء البريئة. إنهم وحوش بلا قلب أيتها العزيزة بريجيت، ونحن دجاجات مبللة ترتعش أمام ولاية الشرطة. إجعليهم يحسنون معاملتنا أيتها الجدة الطيبة. النجدة. النجدة. قق قوق قووق. هاو هاو هاو. مياو مياو مياوو.... في السنة الموالية، اختفى الطابور السخيف أمام مركز الشرطة، وصار تجديد بطائق الإقامة يتم خلال مواعيد تؤخذ عبر الإنترنيت. لا أعرف إذا ما كان ذلك بفضل الشكاوى التي ذهبت إلى الوالي أم لأن العجوز باردو تبنت في النهاية الدفاع عن حقوق ما بات يعرف في عالم الحيوان بفصيلة NEAM (الفصيلة الجديدة من الحيوانات المهاجرة). المهم، من الآن فصاعدا ما عليك إلا أن تدخل موقع ولاية الشرطة على الشبكة HYPERLINK «http://www.Prefecture-police.fr» www.prefecture-police.fr على صفحة الاستقبال، ومن بين السطور الكثيرة وداخل الجداول، تختار كل مرة ما يتناسب مع وضعيتك ثم تضغط عليه إلى أن تصل إلى صفحة بها مجموعة من الخانات الفارغة. تسجل في الخانات الصغيرة رقم بطاقة إقامتك وتاريخ استلامها وأوان انتهائها، قبل أن تكتب اسمك وتختار اليوم والساعة المناسبين، حسب الأوقات الشاغرة. بعد ذلك تطبع الورقة التي ملأت وتحتفظ بها، لأنها تصبح بمثابة الاستدعاء الذي سيسمح لك باجتياز باب الولاية الحديدي دون أن ينهرك الشرطي الوقح الذي يحرسه. أخذت موعدا يوم الخميس 17 أكتوبر على الساعة الثالثة بعد الزوال. في صباح ذلك اليوم توجهت إلى الجامعة. نسخت كل الأوراق المطلوبة. وضعتها في محفظتي التي انتفخت بشكل غريب. دخلت إلى مخدع فوتوماتون كي ألتقط لوجهي صورا بالأسود والأبيض كما طلبوا. الحقراء. لا يريدون وجوها ملونة، يريدون مهاجرين بالأبيض والأسود! ربما لأنهم يعتبروننا قادمين من أزمنة تسبق ظهور الصور الملونة. أو فقط لكي تزداد ملفاتنا سخافة وتكون أكثر إثارة للضحك حينما يتأملونها جماعة. أخمّن أن تسليتهم الوحيدة في دهاليز ولايتهم الكئيبة هي أن يسخروا من مصائرنا العبثية على تراب بلادهم. ولا شك أن صورنا بالأبيض والأسود تجعلهم يستلقون على ظهورهم من شدة الضحك، خصوصا أننا في غالب الأحيان نكون مفزوعين عندما نلتقط تلك الصور فنبدو مثل ناجين من كارثة. غرق تيتانيك مثلا!