الصويرة مدينة بنيت في إطار التنوع الذي يسمح بإبراز قوتها الفنية و الثقافية ، و بعد ذلك راكمت تفاصيل تاريخية و سياسية، لكن في نهاية المطاف لم تعط سوى الشكل الغر ائبي الذي تنتصر له مختلف وساءل الإعلام الدولية في مستوياتها السمعية و البصرية و المكتوبة. الصويرة مدينة مختلفة في جغرافيتها، في أهلها الودودين، في ناسها البسطاء الذين زادهم البساطة. و من البساطة تكونت الصويرة الحديثة، في سنوات الثمانينيات كانت الصويرة مجرد مدينة مهترئة على هامش التاريخ،فضاءاتها المحلية مرتبطة بأنساق و ظواهر اخترقت المجتمعات الغربية لتجد لها مكانا في هذه المدينة المسالمة الهادئة و الجميلة ؛ و بعد ذلك انتفضت الصويرة عبر فعاليات محلية لها انتماء روحي و تاريخي للمنطقة و حاولت أن تجد لنفسها كنقطة جغرافية في المغرب العميق مكانا تحت الشمس، كان هذا في زمن السبعينيات و الثمانينيات و بعدها تدخل الاستثمار الأجنبي تحت خلفية السؤال الوطني من اجل اعمار الصويرة بخلفية ثقافية مجنونة و غير متحكم فيها، تدخلت الأيادي و الهدف إعادة ترميم الذاكرة الثقافية و الفنية كل هذا شيء جميل، ما وقع في المدينة شيء متقدم جدا على مستوى التفكير و على مستوى الممارسة و أعطى نتائج باهرة دفعت بمدينتنا الصويرة إلى مستوى المدن التاريخية التي يتوجب على جميع الفاعلين الثقافيين و التاريخيين أن يحموا هذه المكتسبات الإنسانية ذات المسحة الكونية. نحن متفقون و منسجمون و مندمجون مع هذا التاطير الثقافي الذي كان لجمعيات معروفة و معلومة اليد الطولى فيه. لكن السؤال المطروح اليوم ألا تحتاج الصويرة إلى تنمية سياسية مواكبة للتنمية الثقافية و الاقتصادية و هو السؤال المركزي الذي يجب أن يتعامل الجميع معه اليوم و يفتح فيه نقاش عميق ووازن و رصين بكثير من الفطنة و الهدوء و النضج. في تقديري الشخصي، إننا اليوم في حاجة إلى صياغة سؤال سياسي يحيط بكافة التفاصيل في هذه البلاد التي تعيش تحولات ؛ و لابد للصويرة أن تكون ضمن هذه التحولات. فمن المعلوم أن السؤال السياسي كان مؤجلا إلى اجل غير مسمى لسنوات. و لابد لكل ما وقع في هذه المدينة أن يكون مؤطرا بالسؤال السياسي الذي تحدثنا عنه سابقا. فالمطلوب اليوم استحضار الخلفية السياسية و بالتالي طرح برامج سياسية تبغي تأهيل المدينة ضمن رؤية إستراتيجية تتعامل مع العشريات ووضع برامج حقيقية يكون المتحكم فيها الفعل السياسي أولا و أخيرا. الصويرة اليوم محتاجة إلى ثورة هادئة و عميقة تعيد الاعتبار للبرامج السياسية و للتنافس الشريف بين التصورات و الأطروحات و تجاوز عقلية الشخصنة و التأسيس لمرحلة المؤسسات و الكف عن صناعة كائنات انتخابية بريع اقتصادي تاريخي قديم و متجاوز. لابد اليوم أن يستحضر الفاعل السياسي و الاقتصادي و المدني و الثقافي أن هذه المدينة العميقة محتاجة إلى انجاز قطائع حاسمة مع تقليدا نية الفعل و الممارسة ، محتاجة إلى وجوه جديدة تحمل الهم الوطني وهدفها إعادة تشكيل مشهد سياسي متوازن و متماه مع مختلف الفاعلين المركزيين و المحليين. الحاجة اليوم في مدينتنا إلى تنمية سياسية حقيقية تدعمها الأفكار التقدمية و الوطنية و الحداثية و المنفتحة على التحولات التي يعيشها بلدنا الحبيب. الحاجة اليوم أيضا إلى إعادة هيكلة المشهد السياسي المحلي وفق شروط تراعي ما يقع على المستوى الوطني و تحترم التوافقات و مفهوم التراضي في استحضار تام للسؤال الجهوي و الإقليمي . الحاجة اليوم إلى تفعيل سؤال المواطنة و اجراته على ارض الواقع بدون تخوف نفسي مازال يأخذ بتلابيب البعض،فالصويرة قدرها و منتهاها أن تجد نفسها في سؤال المؤسسة، و المؤسسة هي التي تصنع المستقبل، و الأشخاص بائدون. الحاجة الثقافية والسياسية التي تحدثنا عنها في ما سلف يجب أن تكون المحرك لأي تنمية في أفق الاستحقاقات القادمة لان الذين يراهنون على تنمية اقتصادية بدون خلفية إنسانية عميقة تراعي الهوية المغربية في تفاصيلها التاريخية و تؤجل التنمية السياسية؛ واهمون . و الوهم لا يصلح في السياسة، السياسة أخلاق و ممارسة و فعل عميق يستمد وجوده من الامتدادات الشعبية، و الذاكرة الجماعية المحلية لهذه المدينة التي تحترم التنوع و هذا هو المنطلق. فالذي يملك ذكاء استراتيجيا في هذه البلاد و في هذه المدينة بالخصوص عليه أن يراهن على فكر المؤسسة و على دعم العمل السياسي الحقيقي بدون إقصاء آو إلغاء و بكل التوافق الممكن لنصل في النهاية إلى تنمية يختلط فيها السياسي و التنموي و الثقافي وهذا هو رهان الجميع ويكون الرابح الأكبر هي الصويرة بكل تلاوينها و تفاصيلها و أطيافها. (*)عضو المجلس الوطني للحزب