عشنا في الانتخابات التشريعية الأخيرة نكسة، هزت أركان المغرب السياسي، و هي الرجة التي اجمع الجميع على قوتها و دلالاتها المجتمعية و المؤسساتية، تميزت النكبة على الصعيد الوطني بتراجع في نسبة المشاركة إلى أدنى مستوياتها في تاريخ المغرب، حيث شهدت «مقاطعة» عفوية و إرادية للمواطنين تعكس في جزء غير يسير منها الموقف اللامبالي بالعملية «الديمقراطية» ببلادنا و كذا الموقف السلبي و النظرة الرافضة للمؤسسات التي تفرزها هذه الانتخابات، و الرفض ناتج هنا على إحساس المواطنين بعدم جدية التواجد المؤثر داخل المؤسسات المنتخبة ما دامت البلاد تسير من وراء «حجاب»، مما يقزم من صورة الفاعلين المنتخبين لدى الناخبين، و يعطي أكثر من مبرر لعدم الذهاب لصندوق الاقتراع و إن كنا رافضين مبدئيا لهذا الموقف. ساهم في «الرجة» واقع الانتقال الديمقراطي و المنعرجات الذي سلكه منذ انطلاقه، و انحصاره بالشكل الذي بدا يبدو عاجزا عن بناء صرح ديمقراطي حقيقي ببلادنا يمكننا من اجتياز واقع العجز الديمقراطي و يدفع في اتجاه تعميق فكرة المشاركة داخل أوساط الناخبين،بدل فكرة الاستسلام للعزوف و لليأس الذي لا تستفيد منه بلادنا بقدر ما يعتبره خصوم الديمقراطية و مروجو الفكر الظلامي مناسبة سانحة لهم لتمرير خطابهم التحريضي و لاستقطاب أنصار جدد لمشروع لن يؤدي بالبلاد إلا بالمزيد من تعميق أزمتها. كما ساهم في إحداث هذه الرجة تراجع آمال المغاربة و ازدياد حجم فقدانهم للثقة في المؤسسات، خصوصا مع ما عرفه المغرب بعد انتخابات 2002 في المنهجية الديمقراطية ، و ما شهدناه جميعا حول الكيفية التي أعدت بها الحكومة الحالية، خصوصا مع الحديث عن تدخلات مباشرة لمستشاري الملك في تشكيل الحكومة... لا شك أننا تتبعنا كيف وصل صدى هذه النكبة إلى الأحزاب السياسية، و كانت مناسبة حقيقية لهذه الأحزاب لفتح ملف الديمقراطية الداخلية ، و كان و بلا شك أولى هذه الأحزاب هي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي كان قد دخل سابقا في مرحلة نكوص تنظيمي و استنزاف داخلي، ابتدأ مع انطلاق مسلسل «الانتقال الديمقراطي» ، ولن يتجاوزه إلا بعد الاختيار الديمقراطي الذي نهجه في المؤتمر الوطني الثامن بشوطيه الذي انتهى في النهاية لصالح الديمقراطية الداخلية... و مع اقتراب موعد الانتخابات الجماعية، يحق لنا أن نتساءل، هل نحن مع موعد جديد بالنكسة، خصوصا على صعيد حجم المشاركة الانتخابية، من ثم على صعيد نتائجها و مصداقية المؤسسات المنتخبة عنها، و انعكاساتها على المؤسسات، سواء المنتخبة منها أو الحزبية؟ يجب أن نطرح اليوم تساؤلا واضحا و على الجميع أن يجيب عنه بما فيها الدولة، هل هناك اليوم في المشهد السياسي و المؤسساتي ما قد يغري المواطن بالذهاب إلى صندوق الاقتراع؟؟ أليس استمرار حالة الركود السياسي ببلادنا و عدم فتح الباب أمام مبادرات سياسية تقدم عليها الأحزاب الديمقراطية هو نهج يسير في اتجاه تكرار النكسة و تكريس صورة : الدولة هي الفاعل الوحيد و المحرك لكل المبادرات الاجتماعية و السياسية بلادنا؟؟ من ثم قد نصل إلى طرح سؤال و هو مشروع ما جدوى تواجد الأحزاب السياسية ببلادنا إذا كانت غير قادرة على أخذ زمام المبادرة؟ إن كل هذه الأسئلة لها اليوم أهميتها، من حيث تواجد إرادة لدى بعض الأحزاب السياسية الديمقراطية من اجل دفع عجلة الإصلاح المؤسساتي و السياسي ببلادنا إلى الأمام في اتجاه تحسيس المواطن بجدوى المشاركة و أهمية و قيمة صوته الانتخابي، بالمقابل بداية بروز ايديولوجية «قبر» الأحزاب السياسية و دفعها إلى لعب دور الكومبارس داخل المشهد السياسي، و انتظار «المهدي المنتظر» الذي قد يخرج من جلباب المخزن لينقذ بلادنا... إن ما نلاحظه اليوم من فتور للمواطنين في تعاملهم مع الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، و الإقبال الضعيف للتسجيل في اللوائح الانتخابية، و عدم مبالاتهم بشكل مطلق بالعملية السياسية بشكلها الحالي ، كلها تنذر باتجاه الوضع إلى تكرار نفسه لكن هذه المرة بشكل أكثر بؤسا و يأسا و فظاعة، إن عدم إحساس المواطن بجدية الدولة في التعاطي مع الانتخابات في احترام كامل لإرادته و صوته لن يزيد إلا من إقرار نوع من التباعد و الرفض للعملية الانتخابية ، بالتالي ازدياد حجم المقاطعة الانتخابية.. إن الرجة الانتخابية التي أحدثها المواطن في الانتخابات السابقة، لم تقابلها رجة مؤسساتية و سياسية من شانها أن تعيد الثقة في العملية السياسية، بل استمر التعامل بنفس الوتيرة السابقة مع المواطنين، و كان القائمون على هذا المسلسل برمته راضين في قرارة أنفسهم على هذه المقاطعة و على هذا النوع من التباعد بين المواطنين و العمل السياسيو سواء الحزبي منه المنظم أو الانتخابي. إذا كانت انتخابات 7 شتنبر 2007، قد أدت حدودها إلى إحداث رجة داخل الأحزاب السياسية على رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي استوعبها بشكل كامل و اعمل الديمقراطية الداخلية كبديل آني و حقيقي داخل الحزب لتدبير مؤسساته و اختلافاته، فهل هناك من ينتظر رجة أخرى في الانتخابات المقبلة ، هذه المرة - لا قدر الله إن حدثت- قد تجهز على القليل من النفس الديمقراطي الذي تعيش فيه بلادنا، وذلك حتى يتسنى له الانقضاض على مؤسسات الدولة و ينتهي بنا المطاف إلى استنساخ التجربة السياسية المصرية او التونسية المبنية على حزب الدولة المهيمن على جل المؤسسات و على أجهزة الإعلام و غيرها.. إننا اليوم، و نحن نعد لهذه الانتخابات، يجب استحضار أن إطلاق يد المفسدين و المرتشين ليعيثوا في الانتخابات فسادا، و ليشتروا ذمم المواطنين و يستغلون عوز البعض و فقر البعض الآخر، دون أن تتدخل الدولة و تردع بشكل كامل و واضح هؤلاء المفسدين لن يكون لهذه العملية الانتخابية أي معنى، لقد عانى المغاربة و القوى الديمقراطية من هذا الإفساد لسنوات طوال، و واجهوه بكل الأشكال، و كان الجميع يعتقد أن دخول بلادنا عهد «الانتقال الديمقراطي» قد يؤدي بأجهزتها إلى إعمال القانون كآلية لحماية الانتخابات و العملية الديمقراطية، و للحفاظ على حرية المواطن و عدم سلبه لإرادته ، لكن ما أصبح يتم تداوله بعد كل انتخابات، سواء المتعلقة منها بمجلس النواب أو المستشارين ثم الانتخابات الجماعية يجعل اليوم من ضرورة الإجماع على بناء جبهة حقيقية قبيل الانتخابات لمجابهة المفسدين و التصدي لهم بحزم والضرب على أيديهم بيد من حديد لفرض انتخابات نزيهة. إننا اليوم في لحظة تحتاج منا جميعا أن نعي كون عدم إطلاق مبادرة سياسية تعيد لمؤسسات الدولة خصوصا مصداقيتها و مشروعيتها المنبثقة عن صناديق الاقتراع، في توازن تام ومتكامل بين مختلف المؤسسات، سواء الملكية منها،التشريعية آو التنفيذية، تعمل على إقرار حقيقي لدولة المؤسسات، القوية بالتفاف المواطنين حول معاركها السياسية المنخرطين في عمليتها السياسية، مشاركين بشكل ايجابي في إقرار التنافس الديمقراطي المبني على التنافس المشروع و الحر، النزيه، لن يزيد إلا من تكريس المزيد من رفض المشاركة ، و لن يعمق إلا منطق اليأس بدل منطق المواطنة الكاملة غير المنقوصة.