{ كنتم دائماً تطعنون في سلامة نتائج الانتخابات السابقة.ترى لماذا كان يخشى وصولكم الى المجالس البلدية والقروية أو الى مجلس النواب بحجمكم الحقيقي؟ > من الأفضل أن يوجه هذا السؤال الى الأجهزة الإدارية المكلفة بالإشراف على الانتخابات. نحن فقط نعتبر أن الحكم الذي كنا نمثل به هو غير الحكم الذي نستحقه... { ما هي تكهناتكم بشأن نتائج الانتخابات التشريعية العامة المقبلة؟ > يجب أولا أن يحدد تاريخها، ثم يجب أن يوضع تقسيم جديد للمقاطعات ولابد أن تتخذ بعض التدابير ليتحقق الحياد الاداري. ولتقوم الأجهزة الادارية بمهمتها الحقيقية. وهي خدمة الصالح العام وقبول المسلسل الديمقراطي وتحسينه، والتخلي عن الأخطاء والتصرفات والممارسات التي شاهدناها في الانتخابات السابقة ، وترك الجماهير الشعبية تختار من تريد أن يتكلم باسمها داخل البرلمان بكل حرية وبكامل المسؤولية... { تحسب القائمة الحزبية في المغرب أكثر من عشرة أحزاب.. ترى ما هو الحد الذي تصبح فيه ظاهرة التعدد مسيئة الى الديمقراطية؟ > التعدد ليس مسيئاً للديمقراطية.. حتى ولو كان لا حدّ لها، المهم هو أن يكون هناك حياد إداري ، فالجماهير تعلم ما تفعل... { هل لكم انتقادات بشأن الدستور الحالي للمملكة.. وهل تفكرون في تعديل بعض فصوله..؟ > نعم.. نريد أن تكون الحكومة مسؤولة تماما أمام المنتخبين وأن لا تتخذ مبادرات دون مراقبة ديمقراطية من طرفهم.. ودور الملك كما نعتقد هو دور القيادة والتحكيم.. { كيف تفكرون بإحداث هذا التعديل؟ > بالوسائل الديمقراطية وعن طريق النضال الديمقراطي.. { بماذا تفسرون الأحداث التي عرفتها مؤخراً المدن المغربية؟ > كانت أحداثا مؤسفة حيث كان فيها جانب لا يمكن أن يؤدي إلا إلى التخريب.. ولا يعطي أي أمل بالنسبة للمستقبل.. لكنها انطلقت من واقع مؤسف وموضوعي وهو «غلاء الأسعار» الفاحش والبطالة، وتصاعد النمو الديمغرافي، وفقدان أي أمل بالنسبة للمستقبل؛ كان هناك تذمر واضح وما أظن أنه توجد في المغرب منظمة سياسية كيفما كان نوعها وحجمها تستطيع أن تقول أن الأوضاع الداخلية لم تكن في حساسية واستعداد للانفجارات العشوائية وغير المسؤولة مثل التي شاهدناها. { كشفت هذه الأحداث عن وجود تيارات شيوعية.. وأخرى اسلامية متطرفة،فكيف تشرحون وجود هذه التيارات الأخيرة؟ > نسمع كثيراً عن الجماعات الاسلامية المتطرفة أو غير المتطرفة هذا شيء لا أستطيع أن أتكلم عنه بموضوعية ومعرفة كاملة. فالمغرب بلد مسلم حقا فيه كذلك مظهر من المظاهر التي يرفضها الاسلام وهو استغلال الأقلية للأغلبية ،فمن الممكن إذن أن يكون هناك تيار فكري وديني واجتماعي يرمي إلى بث الوعي وإدخال إصلاحات جذرية على الوضع ، وممكن أيضا أن توجد تيارات أخرى لا تسير في هذا الاتجاه. { بصفتكم وزيراً للدولة في حكومة الملك، كيف يتعامل النظام المغربي مع هذه الظاهرة..؟ > في استطاعتنا أن نتعامل مع هذه التيارات إذا أردنا أن نحافظ على وحدتنا الترابية وعلى مقوماتنا الثقافية والدينية والاسلامية،لكن بإرادة تسعى إلى التغيير الجذري الذي يتجاوب مع إرادة الجماهير.. فإرادة الجماهير في الخبز والسكن والمدرسة، هي إرادة ملموسة لدى الجميع، ولا يمكن إخفاؤها بتعليلات غير مقبولة من طرف هذه الجماهير التي أصبحت اليوم أكثر وعيا من ذي قبل.. لذلك من الممكن ،إذا كانت هناك جدية في الديمقراطية وفي التمثيل الديمقراطي وفي السيطرة الديمقراطية وفي الحوار المستمر بين المسؤولين والجماهير أو ممثليهم من نقابات وأحزاب ومنظمات، ان تتغلب على هذا التذمر الكبير وأن تعطي بصيصا من الأمل لهذه الجماهير، وبالأخص إلى من بلغ منها سن العشرين أو الواحد والعشرين في أن يكون لها شغل ومستقبل وحياة كريمة في بلد آمن مستقل وحر.. { بخصوص هذه التيارات الاسلامية دائما، ما رأيكم في الصورة التي يقدمها نظام خميني بإيران؟ > كنا ننظر إلى تيار الخميني عندما كان في المنفى أنه عمل نضالي ضد الظلم والاستغلال والديكتاتورية والامبريالية والصهيونية، لذا أظن أن المغاربة بأجمعهم كانوا ينظرون إليه كمجدد لسياسة وموقف ورؤيا إيران في علاقاتها مع المغرب ومع المسلمين لكن تحولت الأشياء وتطورت على النحو الذي نراه.. نحن في المغرب أمة مسلمة يمكن أن تكون لنا منظمات سياسية تختلف من حيث وجهة نظرها فيما يرجع إلى تطوير المغرب وإخراجه من الحالة المؤسفة التي يوجد عليها، لكن فيما يرجع إلى تراثنا الثقافي والديني، فنحن مشتركون في نفس الرؤيا، لنا اتجاه موحد ينطلق من معطيات موحدة. ونحن في نفس الوقت، أمة عربية وبربرية مرت عليها قرون وهي معتنقة للاتجاه السني المحض، فالمعطيات في المغرب هي غير المعطيات في إيران.. ومن الممكن أن توجد في المغرب اتجاهات اسلامية لكن على أساس احترام العقيدة السائدة في مجموع المنطقة بما فيها الجزائر وتونس وموريتانيا ومن الممكن أيضا أن يكون لها دور في إذكاء الوعي السياسي داخل المجموعة عن طريق الدفاع عن الحق وتغيير المنكر.. لكني أشك في أنها تستطيع أن تأتي بنظرة جديدة أو تؤثر تأثيراً فعليا على الجماهير المسلمة في هذه البلاد كيفما كانت وضعيتها الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية. نحن إذن في ظرف دقيق، من الممكن أن نرى فيه تيارات مختلفة، ومن الصعب جدا أن نفرق بين هذه وتلك، فهذه مرحلة من المراحل وأظن أنه إذا كان هناك في بلادنا تسلسل ديمقراطي صحيح متين كما نأمل.. فسيكون لجميع التيارات الحق في التعبير عن رأيها وستكون الجماهير الشعبية في النهاية هي الحكم فيها. { وملف الصحراء.. على أي رف يوجد الآن؟ > بطبيعة الحال، هو الآن في انتظار.. كان مقرراً أن يجري الاستفتاء في آخر العام المنصرم، لكن اللجنة الإفريقية التي كانت مكلفة بهذه المهمة لم تتخذ المبادرات الكافية واللازمة. وعن موقف المغرب أقول: إننا مؤمنون بقضيتنا الوطنية ولنا اليقين أنه لو أجري استفتاء نزيه وديمقراطي لسُويت هذه المشكلة، ولاختارت الأغلبية الساحقة مغربيتها وارتباطها بالوطن، بدلا من أن تسير مع جماعة الانفصاليين الذين يعملون الآن خارج المغرب. أما من جهتنا، فالمطلوب الآن هو أن نصحح الوضع الاجتماعي والاقتصادي والاداري، وحتى العسكري داخل الحدود الصحراوية، ونقول لمنظمة الوحدة الافريقية لتقم الهيأة المكلفة بالاستفتاء بعملها في أي وقت تريد. { كيف تشرحون موقف بعض الدول العربية المعارض لرجوع مصر إلى حظيرة منظمة المؤتمر الاسلامي؟ > إن اتفاقية كامب ديفيد في نظري قد تقادمت. وعلى جميع الدول العربية أن تعتبر ذلك، فرجوعها إذن إلى حظيرة منظمة المؤتمر الاسلامي أمر ضروري. وسيكون الموضوع مطروحا لدى الدول العربية ولدى الجامعة العربية باعتبار أن لمصر دورا أساسيا في قضية الشعب الفلسطيني، إذ لا يمكن أن يكون هناك حل للقضية في مجموعها ولمصير منظمة التحرير الفلسطينية في غياب مصر. ولهذا نرجو ونأمل من النظام المصري أن يعتبر كذلك أن التواجد العربي مع اسرائيل لا يمكن أن يكون إلا إذا كان هناك عمل يرغم النظام الاسرائيلي الصهيوني على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة كيان ودولة تمثله. { ماذا تنتظرون من القمة العربية القادمة إذا انعقدت!!؟ > نأمل أن يكون العرب في المستوى الذي يجعلهم يستطيعون فيه تجاوز كل العلاقات القائمة، فهناك قضية رجوع مصر إلى حظيرة الدول العربية التي سوف تطرح بشدة، لذلك، فإن هذا المؤتمر سيكون مؤتمر المسؤولية. فنتمنى أن تتغلب روح المسؤولية على كل هذه الخلافات التي أصبحت الآن في تعقد يجعلنا نأسف على ضياع كثير من الفرص التي كانت لدينا حيث عملنا عن وعي أو عن غير وعي، أو بنظرة ضيقة على إفشالها وجعلها فاقدة لكل مصداقية. فمؤتمر فاس ومقرراته جديرة بالتقدير، وهي خطوة إيجابية وموضوعية في طريق السلام، لكننا فقدنا هذه الموضوعية وهذه المصداقية عندما تفرق العرب وعندما أصيبت منظمة التحرير الفلسطينية بهذا التفرق. { يجمع المحللون السياسيون على أن الخط البياني للمواقف العربية يتجه نحو الاعتراف باسرائيل «سيما وأن الحديث يدور الآن عن احتمال عقد اتصالات أمريكية فلسطينية على أعلى مستوى». > لا أظن أن هذه الاتصالات يمكن اعتبارها اتصالات جدية وبناءة. صحيح أنه يمكن اعتبارها اتصالات أولية. لكن موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية لا يمكن أن يظهر إلا بعد الانتخابات المقبلة. إذ لا يمكن أن نتصور أو نتنبأ بموقف واضح فيما يرجع إلى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني من طرف الحكومة الأمريكية. ومع ذلك، فهناك بوادر تنبىء بإمكانية وقوع تغيير ما. وأظن أن أغلب المسؤولين الأمريكيين يعترفون اليوم بأن مفتاح الأمن في الشرق الأوسط بما فيه قضية لبنان هو حل قضية الشعب الفلسطيني، قضية الشعب الفلسطيني مرتبطة باعتراف اسرائيل بوجود الشعب الفلسطيني وبحقه في الوجود، فلو تحقق هذا أو ذاك يمكن أن نتجه إلى مثل ما تقرر في فاس.. أما بخصوص الاعتراف العربي باسرائيل، فهذا أمر مشروط باعترافها هي أولا بوجود الشعب الفلسطيني وبحقه في إقامة دولة فلسطينية. { سؤال أخير بخصوص الحرب العراقية الإيرانية..يلاحظ أن مقررات مؤتمر القمة الاسلامي الرابع لم تأت بجديد في الموضوع فما رأيكم؟ > الحرب بين العراق وإيران لا يمكن أن تخدم إلا المصالح الامبريالية والصهيونية ولا يمكنها إلا أن تزيد في أطماع خصوم العرب وخصوم الدول الاسلامية. فالعراق حقيقة تقدمت بخطوات. وهي الآن تطلب من إيران أن ترجع الأمور الى نصابها وأن تعود الحدود بينهما إلى الخطوط المعترف بها دوليا،لكن إيران مازالت تصر على مواصلة الحرب والدمار. ولعل المؤتمر الاسلامي الأخير قد أخذ بعين الاعتبار هذا الوضع وربما أراد ألا يسد الأبواب وأن تكون قراراته قرارات من الممكن أن تنتج في ظرف من الظروف أو في مرحلة من المراحل ما يؤمل استنتاجه لصالح السلام بين الدول الاسلامية كيفما كان مذهبها واتجاهها إلى أن تصل حقيقة إلى تشكيل جبهة متراصة بين جميع الدول العربية والاسلامية لمواجهة الأخطار التي تهددنا جميعا.. وللدفاع عن المصالح المشتركة التي تجمع بيننا.. عدد 20 مارس 1984