فجأة وجد الأزواج أنفسهم وجها لوجه يوميا ولأسابيع طوال، خلف أبواب مغلقة، لامقاهي ولا حانات ولا أندية ولا… خروج بتاتا من البيت؟ كورونا خلخلت كل الموازين وأجبرت الجميع للارتكان في زوايا البيوت المغلقة. كيف يعيش الازواج المغاربة أيام حجرهم ؟ كيف يعيش الرجال طقس يومهم بلا مقهى؟ وكيف تتحمل النساء «النكير» من «مستعمر» احتل مملكتها الخاصة. o في زمن كورونا ، يجد الأزواج أنفسهم وجها لوجه خلف ابواب مغلقة لم يعتادوها ،ما الذي أحدتثه كرونا في العلاقة بين الازواج ؟ وهل بالإمكان أن تجعلهم يعيدوا صياغة علاقة زوجية جديدة ؟ n كرونا هي تسونامي من نوع آخر ،زعزع جميع الاستقرارت في العالم بأسره، وأحدث تغييرات كبيرة في طبيعة الحياة اليومية للأسر والأشخاص ،ومن الطبيعي ان يخلف هذا الوضع ارتدادات وهزات في جميع المجالات وعلى جميع المستويات. من طبيعة البشر أنه خلق ليكون مستقرا ، وعندما يشعر بزعزعة هذا الاستقرار ،يفقد توازنه الطبيعي، وقد تصدر عنه افعال أو ردود افعال قد تكون احيانا عنيفة. في ظل هذه الجائحة ،هناك نوعان من البشر ،الأول يرفض هذه الوضعية ولا يسعى لتوظيف طاقته لتقبلها، بل «يعطيها للنكير» رافضا مقاومة هذا التغيير المفاجئ الذي خلخل له استقراره. وهناك نوع آخر ، واع بأن هذا الوضع الطارئ سئ، لم يختره ولكن عليه تقبله،ويوظف طاقته للتأقلم والتكيف معه، فينتقل لمرحلة إيجابية ،لأنه أدرك بأن هذا الوضع لامحيد عنه ولاخيار له الا التعايش معه. بالنسبة للأزواج ، كورونا خلخلت لهم كل الثوابت، فجأة وجدوا انفسهم وجها لوجه، في فضاء مغلق ولعدة اسابيع بعدما كانا لا يلتقيان إلا في المساء ،ومن الرجال من يدخل البيت إلا بعد منتصف الليل اوبعده بكثير. اليوم لا مقاهي ،لاحانات لا اندية.. لا خروج من البيت ،كرونا سيدة هذا الزمن ،اصدرت حكمها بالتزام الجميع للبيوت واغلقت الابواب. فجأة وجد الازواج انفسهم (شادين الارض) بعدما كان البيت يمثل لبعضهم (اوطيل) يقصدونه ليلا للنوم . الزوجة أيضا تعيش تغييرات جديدة لا تتقبلها ، فقد وجدت نفسها فجأة رأسا لرأس مع رجل يحتل مملكتها وفضاءها ويتدخل في جزئياتها الصغيرة. فهي وإن كانت تشتغل خارج البيت طول النهار، إلا أنها تعتبره مملكتها الخاصة التي تعود لها بعد العمل مباشرة ، ولايتدخل فيه الزوج الذي يبتلعه الخارج والمقاهي مباشرة بعد العمل كطقس يومي . هي الملكة داخل البيت، وكل شئء فيه يخضع لذوقها وترتيبها،هي المدبرة والمسؤولة، والزوج وإن كان يساعد في بعض الاحيان ،إلا أن دوره لايتعدى دور المساعد فقط وليس المدبر . اليوم كرورنا قلبت هذه الموازين واطاحت بعرش الملكة ،وأصبح لها شريك داخل البيت ، حتى داخل المطبخ ،فأخذت تشعر بنوع من الاستعمار، وأن هناك من يشاركها السلطة في مملكتها الخاصة. وهنا تطرح اشكالية السلطة ، تخاف الزوجة ان تهتز سلطتها داخل البيت ، وتجد نظاما وضعته ثابتا ومستقرا اخذ يتزعزع ويتغير،فتظهر عليها سلوكات وردود افعال والفاظ عنيفة ، تكون سببا في احتدام المشاكل وتوثر جو الاسرة في زمن صعب. لكن قبل ان نتحدث عن طبيعة هذه التغيرات في العلاقة بين الازواج ، يجب أولا ان نحدد عن من نتحدث بالتحديد. اذا كنا نتحدث عن الازواج في البادية الذين يمثلون ثلث المغاربة ،فهؤلاء ليست لديهم تغييرات كبيرة ،لأن الفضاء في البادية ليس هو نفس الفضاء في المدينة ،حيث يقضي الزوج يومه في الحقل والمرأة تخرج للحطب والسقي وبالتالي لايمثل الحجر الصحي مشكلا بالنسبة للازواج ولا يخلف تأثيرا سلبيا على الحياة الزوجية في البادية، اللهم المشاكل الاقتصادية بالطبع. بالنسبة للمدن ،يمكن الحديث عن ثلاث طبقات اجتماعية تختلف حدة التأثير فيها حسب كل طبقة .فسكان الفيلات مثلا لايشكل الحجر الصحي سببا رئيسا في المشاكل بين الازواج لرحابة الفضاء وجماليته، تليها الطبقات المتوسطة التي يكون غالبا عدد الافراد فيها قليلا وتقطن في شقق خاصة حيث يتوفر الزوجان والابناء على غرف مستقلة ، هنا تنخفض الحدة ولكنها لاتختفي. أما المشكل الحقيقي للحجر الصحي،فيكمن في البيوت الضيقة التي تعيش فيها الاسر الكبيرة حالة تكدس بشري، وايضا حالة الاسر التي تعيش في غرفة واحدة. فبالنسبة لهذه الحالات لا يمكن إلا ان تكون الوضعية سلبية والحالة سيئة. فإذا اغلقت الباب على عدد من البشر في فضاء واحد يفقدون حميميتهم ، وبالتالي يعيشون حالة اغتصاب لحميميتهم ، وهي حالة لا يمكن إلا أن تولد العنف. من المستحيل الحديث في ظل هذا الوضع عن الحميمية بين الزوجين، في ظل هذا التكدس البشري، حيث يصبح الزوج أو الزوجة فاقدين التحكم في عواطفهم ويضحى العنف واردا . o في ظل حالة الحجر والاغلاق والخوف وتوارد أخبار الموت، كيف يمكن للأزواج أن يتحكموا في حالتهم النفسية تجنبا للعنف؟ n يمكن تجاوزه بالحوار والتأقلم مع هذا التغيير، وهذا قد يبدو مطلبا صعبا ،لأننا نفتقد في ثقافتنا للغة الحوار ، كأن يجلس الزوجان والابناء معا، اذا كان هناك وعي، ويتبادلون حوارات مع الذات أولا بعضهم البعض وتتم الاجابة عن السؤال، كيف يمكن أن ننجو من هذه الوضعية الصعبة وكيف يمكن أن نحولها ايجابية (وبالطبع هادشي ماعندناش). نحن نقول في ثقافتنا الشعبية (لي تلف يشد الارض، وحنا دابا تالفين ،نشدو الارض) يجب ان نجلس ونتكلم على وضعيتنا ونحاول أن نخلق قوانين جديدة للتواصل والتعايش. يمكن للزوج والزوجة أن يطرحا السؤال، كيف يمكن أن نخرج من هذه الحالة بأقل ضرر ممكن وبأقل الخسائر؟ ،كيف يمكن أن نتصرف ونتجاوز صعوبة هذا الظرف على نفسية الجميع، والتي لايمكن أن ننكرها . يجب أن نخلق حوارا مع الذات ومع الآخر حتى بالنسبة للذين يعيشون في فضاءات شاسعة . o في هذا الظرف الصعب يكثر «النكير» بين الازواج ،مما يحيل الحياة داخل البيوت الى جحيم لماذا، وكيف يمكن تفاديه. n الامر بالطبع صعب للغاية ، هناك مثل شعبي عندنا يقول (الرجل في الدار بحال الحبوبة في الظهر) في عقليتنا وثقافتنا الشعبية الرجل لايجب أن يمكث في الدار طول الوقت ،يصبح عبءا، او بالاصح هكذا تربينا في طقس حياتنا اليومي، المرأة داخل البيت والرجل خارجه حتى في حال اشتغال المرأة ، فإنها تعود مباشرة للبيت، بينما يخرج الرجل من العمل مباشرة للمقهى كطقس يومي . الآن وبعد أن أصبح الزوج بلاعمل وبلا مقهى وجلسا معا في البيت ، وجها لوجه، بدأ يظهر الصراع على السلطة في البيت. الفراغ يجعل الزوج ينظر للاشياء التي لم يكن ينتبه اليها من قبل (علاش هادي مهرسة ، علاش هاذي محطوطة هنا ،علما ان ذاك هو مكانها منذ عشر سنوات ) ولكن لم يكن عنده الوقت لرؤيتها ،فتبدأ المرأة في التذمر من هكذا سلوك وتشعر بثقل هذا المستعمر. على الرجل أن يملا الفراغ بأشياء اخرى لتزجية الوقت، الذي كانت تملأه المقهى، ليس كل الرجال والنساء يمضون وقتهم الثالث في القراءة ،نعرف بالطبع ان عددا كبيرا من المغاربة لا يقرأون ،يصرفون الاموال في كل شئ إلا شراء الكتاب . هناك من ينغمس في الحواسيب والهواتف النقالة، ولكن ليس كل الناس يتوفرون على حواسيب أو أنترنيت. عليه البحث لملأ هذه الفراغ الذي يوثر النفسية ويتسبب في المشاكل. كما يجب على المرأة أن تعي انها لم تعد وحدها الملكة في البيت وأن السفينة اصبح لها ربنان اثنان . وان الحياة الزوجية مبنية على المشاركة ، وانها قد تعمل على اشراك الزوج معها في المطبخ وفي بعض الاعمال المنزلية بمتعة كبيرة تبدد صعوبة هذا الحجر. o بعد أن اعتقلت كورونا الازواج في البيوت، قد يكتشفان بعضهما اكثر ،العديد من الرجال خاصة الذين يعودون بعد منتصف الليل ربما بدأوا يجهلون ملامح زوجاتهن ،هل تستطيع كورونا ان تعيد الدفء للعلاقة الزوجية وتعيد بناءها من جديد ؟ n هذه الوضعية هي مسؤولية مشتركة بين الاثنين ،الزوج والزوجة ،وعلى كل واحد أن يبذل مجهودا لفهم وارضاء الآخر. نحن نعرف أن المرأة المغربية خارج البيت تكون جميلة وبكامل أنوتثها ،وبمجرد دخولها للبيت تصبح «مرعبة « فإذا بذلت الزوجة مجهودا لإغراء الزوج واهتمت بنفسها واقنعت نفسها أنها في البيت الآن مع ابنائها و زوجها 24 ساعة على 24 ،الذي لم تكن تراه طيلة اليوم ،فيجب ان يعيش الجميع هذه الفترة بايجابية. كيف ذلك؟ بالاهتمام بالنفس أولا، فمن خلال الاهتمام بنفسك تبدي الاهتمام بالآخر، لايعقل ان تظل فئة كبيرة من النساء «ببيجامة» طيلة اليوم ،أن يهملن انفسهن الى هذا الحد،ليس لهن الحق في ذلك .عندما نكون في فترة الحجر ليس لنا الحق ان نهمل انفسنا ،لان النظرة التي نعطيها للذين يعيشون معنا يجب ان تكون ايجابية ّ.يجب ان نجلس في البيت بكامل أناقتنا ،أن نتعطر كما نفعل كل صباح ونحن نخرج للعمل . وعلى الزوج ايضا أن يبذل نفس الجهد لإغراء زوجته لايعقل ان يظل طول اليوم (لابس فوقية ومغوفل) شعره اشعث وذهنه غير حليق . كيف يمكن العيش مع امراة ببيجامة طول اليوم ورجل بفوقية وذقن اشعث ،في بيت مغلق وسط اخبار المرض والموت ، هذه الصورة وحدها كفيلة ان تصيبك باكتئاب نفسي حاد وتحول بيوتنا الى جحيم. يجب على الازواج في زمن كورونا ان يفكروا في صياغة علاقة جديدة في ظل هذه الوضعية الصعبة التي وان كنا لانعيشها بسعادة، فعلى الاقل نعيشها براحة بال. حان الوقت أن يعيد الازواج النظر في طريقة الكلام، لأنه اذا كنا في الايام العادية نخطئ في حق بعضنا وقد نتلفظ في وجه الاخر بكلمات انفجارية جارحة احيانا ، فأننا نستطيع ان (نبدل ساعة بأخرى) حتى تخف حدة الجرح ويتم اصلاح الوضع ، في ظل الحجر والاغلاق( ماعندك فين تخرج ) فالتلفظ بكلمة جارحة في وجه الآخر والابواب مغلقة والفضاء ضيق يتضاعف عنف الكلمة في المئة ويتضاعف الالم وتغدو الحياة صعبة لاتطاق.ونصبح امام عنف لفظي وجسدي. لان ليس لنا فضاء آخر يمكن ان نخفف فيه هذا الجرح ونبدده. ربما هذا الحجر هو مناسبة للرجل المغربي أن يبدأ في التعبير عن عواطفه لزوجته .ففي ثقافتنا كمغاربة نتقن جيدا التعبير عن الحزن والقلق ولكن لا نعرف بتاتا التعبير عن الحب، عن الكلام الطيب . نعرف ان الكلمة الطيبة صدقة وهذا هو الوقت الذي يجب ان يتصدق كل واحد فينا في وجه الاخر بكلمة طيبة تفك ضيق هذه الفترة الصعبة. نحن جميعا اليوم امام تحد صعب ، نعيش حياة الحجر، ابوابنا موصدة علينا ،في وضعية سيئة لم نخترها ولايمكن ان نغيرها ،فقط علينا نتقبلها وتحملها ،علينا افرادا او جماعات في البيت، ان نفكر كيف يمكن ان نستغل هذه الوضعية ونعيشها بايجابية .بأن نخلق توازنا بين وضعية سيئة وحياة سعيدة ، أن نبحث على هذا التوازن بينهما لكن أين يمكن ان نبحث عن السعادة؟ السعادة لها علاقة برؤيتنا للحدث، للوضع، اذا وعينا أن هذه اللحظة علينا ان نعيشها ، أردنا أم أبينا ،هذا ليس باختيارنا. ولكي نعيشها ،علينا ان نغير الكثير من عاداتنا وسلوكاتنا وحياتنا ايضا. اذا استحضرنا لغة التواصل واعطينا قيمة لبعضنا البعض وحاولنا أن نجعل من العلاقة الزوجية عنصرا من عناصر التوازن التي تبعدنا عن حالة الاكتئاب والقلق، ونبحث عن منابع السعادة فيها ، لأن في هذه العلاقة منابع سعادة كثيرة يجب فقط البحث عنها ،ان نتذكر الايجابي فيها مثلا ونعيش لحظات الفرح فيها ، ونبتعد عن القلق الذي يخرج الجانب الوحشي فينا ويهدد علاقاتنا.