لا أذكر بالضبط ذلك اليوم...كان أحد أيام الثمانينيات، وكان يوما جميلا بحق. في ذلك اليوم أيها العزيز المبدع الصادق سي محمد ، كان اللقاء وانطلقت المودة بيننا، لكن، اصحيبي، أتذكر جيدا أول عمل مسرحي جمعنا ليقود الصداقة بيننا، إنه »"حكايات بلا حدود« "عمل مسرحي يبقى موشوما في الذاكرة ومنقوشا في الوجدان. والجميل أن مشهدا رائعا جمعنا نحن الاثنين، وشخصناه بكل صدق وتفان وحب، مما سهل علينا الاقتراب أكثر من بعضنا، حتى خيل إلينا بأننا سابقا اجتمعنا في مسرحيات ومسرحيات أخرى. وكما تقول دائما اصحيبي »"دارت بيناتنا الكرة"«. لازلت أذكر، كما تذكر أنت، ذلك الإحساس القوي والعميق الذي انتابنا ونحن فوق الخشبة.. كانت متعة ومؤانسة بين الشخصيتين وبيننا نحن كمشخصين... ما كنت أبحث عنه وجدته لديك اصحيبي، ونعم المصير. التشخيص الصادق البسيط بعيدا عن كل تصنع أو تكلف، وقريبا من العمق الجدي، والجدية العميقة... نعم، اصحيبي، كان الوعد بيننا... ووفينا به من أجل الفن والتفنن، من أجل الإبداع النبيل، من أجل أدنى الشروط الموضوعية للحياة الفنية الكريمة.. توالت الأعمال مع فرقة "مسرح اليوم"، وبدأنا نفكر في خلق فرقة مسرحية تلبي رغبتنا، وتنسجم مع طموحاتنا.. وقلنا، بل تهامسنا فيما بيننا"»خصنا نديرو فرقة ديالنا، ونديرو المسرح اللي بغينا، وكيف كنشوفوه«؟" ونفس الهاجس هذا وجدناه عند أصدقائنا يوسف فاضل وعبد المجيد الهواس وعبد العاطي لمباركي وبتشجيع من الشاعر الصديق عبد الله الريامي، والصديق الفنان أحمد بنسماعيل والإعلامي الصديق سعيد عاهد، والمخرج دواد أولاد السيد.. أتذكر اصحيبي حين كنا في القاهرة، كنا قرب الأهرامات بمعية فاضل والهواس ولمباركي؟ وحينئذ، أخذنا قرار تأسيس "فرقة الشمس".. كانت البداية اصحيبي بمسرحية »"خبز وحجر"«، شخصيتان تحاولان إخراج كلب من بئر، في الواقع، لا كلب، ولا هم يحزنون.. العرض الأول قدمناه بالمعهد الفرنسي بالرباط، والنتيجة كانت كما توقعناها جميعا. "»ما أروعها« " بشهادة الجميع، وهذا أثلج صدورنا وحفزنا على المزيد من العطاءو العمل الدؤوب حى يتسنى لنا إمتاع الجمهور المغربي المتعطش للمسرح الجميل، للمسرح الجاد النبيل.. فكانت مسرحية "»فنطازيا»" التي تقمصت فيها اصحيبي شخصية الأعمى بإتقان وروعة "كنت اصحيبي كتقتل الجمهور بالضحك، عقلتي". وكنا بعد ذلك، على موعد مع نص مسرحية "»أولاد لبلاد"« وبالمناسبة، فكل الأصدقاء الذين ساهموا في هذا العمل يبلغونك السلام الحار... وكلهم توحشوك، وكلنا توحشناك.. توحشنا مناقشاتك وتدخلاتك ومداخلاتك، وملي ما كتعجبكش شي حاجة، كتكولها بكل صراحة، مافيها لاهادي لا ديك.. أتذكر أصحيبي،أتذكر تلك الحكايات الجميلة عن خريبكة والخريبكيين.. عن إيطاليا والإيطاليين .. حكايات مغامرات على غرار أفلام بالصوت والصورة... وما أجمل ياصحيبي طريقتك في الحكي، والتعاويد الجميل..، الدقيق المحبوك.. كأنك تنشد قصيدة شعرية موزونة بميزانك القروي الخريبكي، ورائحة التربة تفوح منه.. بغيت نقول" التمغرابيت". هل تدري اصحيبي سي محمد بأن كل المغاربة يتحدثون عن تمغربيت ديالك، من الوزير إلى بائع السجائر بالتقسيط، عن صدقك، عن حبك لهذا الوطن حتى نخاع النخاع،عن حبك اللامشروط لهذا الشعب الطيب الودود.. في الحقيقة ياصاح، لا أحد يريد تصديق بأنك سافرت سفرا طويلا، فالجميع في انتظارك. لهذا قلت لهم جميعهم، من منكم أراد أن يلتقي السي محمد، فسيجده في أماكن أعرفها، ولن أدلهم على مكانك دون استشارتك، فهل أنت موافق؟ أكيد أنك ستبدي المواقفة، لأنك تحبهم كما يحبونك.. أصدقائي الأعزاء، إذارغبتم في لقاء سي محمد، فهو يوجد في تلك الفضاءات، وفي تلك الأمكنة: في سرب لحمام، وأولاد الناس، وجنان الكرمة، وآخر طلقة، ودواير الزمان، و وجع التراب، وجوهرة بنت الحبس، والصوت الخفي، وتجدونه مؤخرا ضمن جوق العميين..و في أماكن أخرى متعددة ومتنوعة، ستجدونه، وسيكون فرحا مسرورا بلقاءكم.. هذا هو اصحيبي بسطاوي، كانت المتعة بالنسبة إليه، هي حينما يمتع الآخرين، وهذه ميزة لاتتجلى إلا عند الإنسان الفنان الطيب المهموم، مفهوم؟؟ كنت اصحيبي تبدع، وتتحمل الإبداع عذابا، بل نعيما أيضا رغم التكر فيص وتمارة من أجل جمهورك الغفير، بل من أجل كل مغربي غيور.. "على الفنان أن يكون إنسانا أولا" هكذا كنت تقول، وشاطرتك القول. شخصياتك المشخصة باقتدار كبير ومسؤولية أكبر وبصدق عميق لن ننساها، كما لن ننساك اصحيبي.. ما حيينا.