ثريا جبران: الإنسانة و المبدعة الحلقة الثالثة هي لحظات كثيرة، جمعتني بالفنانة الكبيرة ثريا جبران امرأة بحجم الوطن،بأحزانه وأفراحه. و كل من عرفها أو جالسها أو شاهدها على الركح إلا و تركت بصمات منيرة و جميلة في ذاكرته و عواطفه. لا يمكن لأحد أن ينكر أو يتنكر لاسم ثريا الذي ظل يرفرف عاليا في الأفق الفني الوطني و العربي و الغربي.اسم نحث حضوره القوي في المشهد الدرامي لمدة تزيد عن أربعين سنة.يبدو أن ثريا ولجت عالم المسرح بلا استئذان، انخرطت كرحالة مغامر متسلح بإرادة قوية و فريدة و بوعي كبير و تحد متفائل، باحثة عن حقيقة المسرح و جوهره، عن فضاء حر لتسمع صوتها الصادق، و ترسل إحساسها الناطق و لتتقاسم معنا هموم الناس البسطاء، و تصدح غنوة تعبر عن آمالنا و تنبه لمآسينا و مآلنا. فالمسرح عند ثريا جبران مسكن آمنها من التيه و الخوف و منحها دفئا و محبة الناس الطيبين و الرائعين « جئت إلى المسرح.في سن مبكرة جدا.وبقيت هناك.بقيت اسمع الأصوات و أسمعها و أتمثل كلام الآخرين كما لو كان كلامي بل حرصت دائما على أن أجعله كلامي لأقوله للآخرين» ثريا جبران. لم تكن تدري ثريا جبران و هي تنخرط في رحلة سيزفية، أن المسرح سيأخذها بعيدا و يحلق بها في الآفاق المتناثرة، باحثة عن ماهية المسرح و كينونته،عن عوالمه الواقعية و المتخيلة عن فضاءاته و أمكنته المجازية و الرمزية، عن شخوصه الحقيقية لا المزيفة.وأخيرا البحث عن مرافئ للإبداع الحر و الجمال الباهر.تلك رحلات و أسفار عرفت المد و الجزر،الضحك و الحزن،الصدق و الكذب، التحدي و الكبوة، الصعود و الانحدار و مقاومة المرض و العودة من جديد و التسلح بالأمل و الابتسام. إنها ثريا منارة متلئلئة منيرة على الدوم» ما قضيته من سنوات على الخشبات، و في المسارح المغربية و العربية و الأجنبية، أكثر مما قضيته في بيتي و بين أفراد أسرتي الصغيرة. اتخذت المسرح مسكنا و أهل المسرح أهلا، و تهت طويلا في النصوص و الشخوص و الأقنعة و الأحلام و الخيال» ثريا جبران. خلال مسارها الدرامي المتنوع و الفني، سجلت حضورا قويا مع الفنان الشامل الطيب الصديقي في أعمال ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب و إيقاظ السريرة في تاريخ الصويرة و أبو نواس و كتاب الإمتاع و المؤانسة، دو أن ننسى العمل التاريخي» ألف حكاية و حكاية في سوق عكاض « ضمن فرقة الممثلين العرب و بروزها كممثلة فرضت وجودها على الصعيد العربي. بالإضافة إلى تأسيسها لفرق مسرحية و مشاركتها في أعمال مسرحية وطنية بالإضافة إلى منجزها تلفزيا و سينمائيا. ومع مسرح اليوم، ستبصم ثريا جبران لمسار إبداعي مغاير، كرئيسة للفرقة بصحبة المبدع و المخرج عبد الواحد عزري.سيشكل مسرح اليوم رهانا جديدا للممارسة المسرحية الوطنية وازت مابين الفرجة الشاملة و المضمون الثقافي و الفكري للمسرح.مابين 1987 و 2001 قدمت ثريا جبران سبعة عشر عملا مسرحيا خلد اسمها و سجل مكانتها كأبرز مبدعة مسرحية على الخشبات الوطنية. فرحلة ثريا جبران لم تقتصر على المسرح،بل انخرطت بشكل مبدئي في قضايا حقوق الإنسان و حقوق المرأة، و قضايا الديمقراطية و الحرية والعدالة. وتوجت هذه الرحلة بتحملها حقيبة وزارة الثقافة ( أكتوبر 2007 ). وللتاريخ و للإنصاف.لقد عشت هذه المرحلة مع ثريا جبران بكل جوارحي وكانت رئيستي المباشرة، بحكم أنني كنت مديرا جهويا للثقافة بمراكش.كانت مرحلة مفعمة بالطموح الصادق و التعامل الإنساني،و الإحساس بالمسؤولية و الدفاع عن قضايا الثقافة و الفنون ووضعية الفنان و مكانته الاجتماعية و الرمزية.لكن شاءت الأقدار أن تغادرنا في وضعية حرجة بعدما تركت فراغا إنسانيا كبيرا. تلك هي ثريا جبران في عز مرضها..جاءت عندي إلى مراكش.شهر ماي 2009.. شمس محرقة، ورياح ساخنة..أتت و دشنت المعهد الموسيقي و مقهى دار الثقافة و متحف الزيتون و دار الثقافة بسيدي رحال..عبر كل فضاء كان الناس الطيبين يهتفون باسمها.. بعدها أكدت لي أنه يوم من أجمل الأيام التي قضيتها في المسؤولية. تلك هي ثريا، الإنسانة و الفنانة، نور على نور يسطع في سماء المسرح المغربي، ينير ظلماتها إلى ما لا نهاية « الشاعر الكاتب عبد اللطيف اللعبي. الحلقة الرابعة: سي محمد أديب السلاوي جار لم ألتقي به.