الدورة 13 من مهرجان مراكش تكرم الفنان المغربي الكبير محمد خيي وهو اعتراف لهذا الفنان بعطاءاته الكبيرة في مجال التمثيل سواء على المستوى المسرحي أو التلفزيوني أو السينمائي، «الاتحاد الاشتراكي» لم تترك لحظة التكريم هذه دون أن تلتقي بهذا المبدع الذي تحدث فيه عن مغزى التكريم كحافز ومشجع وكمسؤولية أيضا تجعل الفنان يستمر في العطاء والتألق ولا مجال بعد ذلك لأي تراجع.. في هذا الحوار تحدث محمد خيي بصدق كما هو دأبه في التمثيل وتحدث عن تقمص الشخصية وعن الانتماء للتربة، وشدد على أن سر النجاح في المجال الفني يتجلى في الصدق: ماذا يشكل تكريمك في الدور13 لمهرجان الفيلم الدولي بمراكش؟ التكريم بالنسبة لي هو تحفيز وتشجيع على العمل وبذل مجهود أكثر في عملي الفني مستقبلا، وأنا جد سعيد بهذه الالتفاتة خاصة أن مهرجان مراكش أصبح له صيت عالمي. في المغرب، وللأسف، لا نكرم مبدعينا وفنانينا ومثقفينا إلا بعدما يبلغوا من السن عتيا أو بعد موتهم، لكنك تكرم وأنت في منتصف عمرك وفي أوج عطائك؟ فهل التكريم مجرد احتفاء ليس إلا؟ التكريم معناه اعتراف، معناه تحفيز وتشجيع كما أسلفت .. لكن التكريم، أيضا، هو مسؤولية، مسؤولية أن يكون مستواك في الأعمال المستقبلية أكثر قوة وتألقا، ولا يسمح لك بأي تراجع، والحمد لله إنني دائما أبذل مجهودا، بحيث أن الجمهور المغربي حين يشاهد عملا من الأعمال أن يحس بنوع من الأداء الصادق، الأداء الذي يجعله يستمتع معي في الأدوار التي العبها.. التكريم يحمسك أكثر لتعطي أكثر وأتمنى أن العطاء الذي سيأتي مستقبلا أن يكون في المستوى الذي يجسد هذا التكريم.. المهرجان الدولي لمراكش كرم محمد مجد، محمد البسطاوي، وهاهو يكرمك اليوم ألا ترى معي أن المهرجان بالفعل له مقاييس دقيقة لأن كل هذه الأسماء المكرمة كانت هي الساطعة في سماء التلفزيون والسينما خلال العقدين الأخرين؟ أعتقد أن تكريمي وتكريم السي محمد نجم والسي محمد البسطاوي والذين سبقوهم هو ناتج عن المجهودات الكبيرة التي بذلوها كمشخصين بالنسبة للسينما وعطاءاتهم في المسرح والتلفزيون، وأعتقد أن هناك أعمالا قمنا بها تستحق هذا التكريم، وهذا شيء يسعدنا و هذا التكريم سيخلق حافزا عند جميع السينمائيين ممثلين وممثلات المخرجين وكل العاملين في هذا الميدان على أساس أن يتم تشجيعهم أكثر وهذه التفاتة مهمة جدا، والفنان المغربي محتاج لهذا النوع من التكريمات خاصة في مهرجان يعد من المهرجانات العالمية والذي أصبح عنده صيت على المستوى العالمي.. مهرجان أصبح له صيت عالمي كما جاء في كلامكم، هل أحسستم أن هذا المهرجان أعطى إضافة نوعية للسينما المغربية؟ من طبيعة الحال له إضافة، بل إضافة كبيرة للسينما المغربية، لأنه نقطة يلتقي فيها المبدعون المغاربة بالمبدعين الأجانب خصوصا الوجوه التي حضرت في السنوات الماضية أو هذه السنة من مخرجين كبار من أمثال مارتن سكورسيزي، والممثلة الكبيرة شارون ستون وغيرها من الاسماء الكبيرة من المشاهير من فرنسا وكل دول العالم فهذا شيء جميل، من اليابان، أمريكا، من الدول الاسكندنافية ومن كل القارات، وهذا يتيح فرصة لتبادل الخبرات والأفكار والإطلاع على التجارب، إضافة إلى الدروس والمحاضرات التي تقدم في هذا المهرجان، وهو ما يحقق إفادة بلا شك.. من جانب آخر فهذا المهرجان أعطى إشعاعا للمغرب وبالخصوص لمدينة مراكش، المدينة التي نفتخر بها جميعا وسيزيد في التعريف أكثر وأكثر بهذه المدينة الساحرة.. قلت في تصريحات صحافية سابقة أنه لافرق في الاشتغال في التلفزيون أو المسرح أوالسينما، هل يمكن أن توضح لنا أكثر؟ القضية أنني قلت بأن الاختلاف يوجد فقط على المستوى التقني، أما بالنسبة لي كممثل فمثلما أُحضر لعمل على خشبة المسرح، أُحضر للعمل الذي سأقدمه أمام الكاميرا سواء بالنسبة للسينما او التلفيزيون، بالنسبة للمسرح حيث الاختلاف فالممثل يؤدي دوره مباشرة أمام الجمهور ومعلوم أن آخر صف من الجمهور يجب أن يسمع، وليس بالضرورة أن تصيح ولكن أن تؤدي دورك بالشكل الذي يصل إلى آخرصف في مقاعد المسرح، أما التلفيزيون والسينما أعتقد أن المجهود الذي يجب ان أبدله هو أن ألعب دوري بنفس الصدق والبحث في الشخصية وتقمصها، إذن الفرق الموجود هو تقني مابين المسرح والسينما، أما بالنسبة لي أنا كممثل فالمجهود الذي يجب أن أبذله أمام الكاميرا هو المجهود الذي سأبذله على خشبة المسرح، والمهم بالنسبة لي هو أن أؤدي الشخصية بصدق، يجعل الجمهور يؤمن بها، ويثق بأنني أوصلت له تلك الشخصية بأمانة.. مهرجان مراكش وصل دورته 13، لكن لحد الساعة لم يستطع أي فيلم مغربي طيلة كل هذه الدورات أن يحصل على أية جائزة من جوائز المهرجان، بالنسبة لك كممثل، لما ترجع سبب ذلك؟ نلاحظ أن هناك مجهودات تُبذل من طرف الممثل، من طرف المخرج، من طرف كل الفاعلين في القطاع، ولنا رغبة جميعا في أن عملا من الأعمال، أو فيلما من الأفلام المغربية في دورة من الدورات، يفوز بإحدى جوائز المهرجان، وهذا سيشرف السينما المغربية ويشرفنا جميعا.. ويظهر أنه مازال أمامنا عمل كبير حيث يجب أن نشتغل أكثر كممثلين وكمخرجين وبالنسبة أيضا لكتاب السيناريو، بمعنى أنه يجب أن نجتهد أكثر أو كما نقول «مازال خصنا ندمروا» وعندها لابد يوما أن نحرز على جائزة من الجوائز.. وكل المغاربة ينتظرون هذا اليوم خصوصا أن هذا المهرجان ينظم في بلادنا.. معروف عليك أنك صديق للكتاب والإعلاميين والشعراء، وكما تعلم فالشاعر والباحث حسن نجمي قام بأعمال جليلة في أبحاثه في مجال العيطة، فماذا تمثل بالنسبة لك العيطة الحوزية وأنت القادم من تربتها؟ العيطة هي فن جميل حين أسمعه أجد متعة خاصة، العيطة بكل أنواعها، يعجبني كل ماهو مغربي، كل ماهو ينبعث من التربة المغربية، أتمنى أن ننجز حول العيطة عملا إبدعيا ما، كمسلسل أو أعمال سينمائية التي يمكن بواسطتها أن نوثق بها لهذا الفن الجميل، فمسلسل «جنان الكرمة» أشار الى القايد عيسى بن عمر وعلاقته بالعيطة، لكن نتمنى أن تُطرح العيطة بشكل أقوى في أعمال أُخرى تقرب للمغاربة من أصولهم وهويتهم وتاريخهم الفني، وبالخصوص العيطة لنقربها أكثر لهذا الجيل والأجيال القادمة، وبالمناسبة لابد من توجيه الشكر والتحية للشاعر المبدع حسن نجمي على عنايته واهتمامه بالعيطة.. أنت تكرم في مدينة مراكش غير بعيد عن مدينة هي مسقط رأسك وهي قلعة السراغنة، هل مازالت لك علاقة برائحة التربة التي نبتت منها؟ دائما السراغنة معي في قلبي، أفكر فيها، أزورها، فالعائلة مازالت هناك، ولما تطأ قدمي تربتها، أتذكر طفولتي، أتذكر كل تلك السنوات الجميلة التي مارست فيها شغبي الطفولي، ارتباطا بتلك التربة التي كنت أعشقها حتى الثمالة، وأحس بسعادة تغمرني كلما زرت البليدة كما نقول.. المعروف عنك أن لك قدرة على تغيير نبرة صوتك في مسلسل كامل وهذا شي يصعب تحقيقه عند أي ممثل، مالسر في أن لك القدرة أن تتقمص ليس الاداء الحركي ولكن الأداء الصوتي؟ هذا يتم وفق كل شخصية، أي أنني أدرس كل ما يتعلق بها، كيف تتحرك، كيف تمشي، كيف تتكلم، كيف تصيح، كيف تضحك، كيف تنفعل، على مستوى الصوت أرغب دائما في أن أتقمص صوت الشخصية التي ألعب دورها وأُحس أن محمد خييي غير موجود وملغي، وأن الذي يتحدث هو تلك الشخصية التي تقمصتها كما هو الحال في عمل جنان الكرمة، فأنا أريد من الجمهور أن ينساني كمحمد خيي ولكن يرى أمامه الشخصية التي العب دورها، لذلك فالشخصية أُؤديها بصوتها، بتنفسها، بحركاتها ونظراتها كما هي وليس كما أنا، ويمكن القول أنني أدرس الشخصية من كل جوانبها، وهذا كله يحتاج إلى شيء مهم وهو نَفَسُ الشخصية ودواخلها ومشاعرها وأحاسيسها، فأنا أحاول ما أمكن أن أعتمد على العمق الداخلي، أما الشكل فيأتي من بعد . فحين نعرف عمق الشخصية ودواخلها يسهل تقمص الشكل، ولكي ينجح كل هذا فيجب أن يُؤَدى بصدق. هل بلغتنا وبلهجتنا يمكن أن نرى سينما مغربية تتألق عالميا؟ ممكن، لأن السينما ليست هي اللغة لوحدها، السينما هي صور واللغة مكملة، لكن الصورة بالنسبة لي هي الأهم، وهي الصدق في الأداء، ويمكن أن نؤدي الكثير من الأشياء دون أن نتكلم ، هذه هي السينما، بمعنى أنه يمكن أقول كل ما أريد من خلال السينما دون أن أتكلم، بنظرة يمكن أن تعرفني، ففي حياتنا العادية نلتقي مع شخص ما ونسأله مابك دون أن ينبس ببنت شفاه لأن شكله وملامحه تحدثت عنه من خلال ما رأيناه بواسطة عينينا وما فصحت عنه ملامحه، لذلك فاللغة هي مكملة، لكن نحتاج إلى أداء صادق، أداء بحب للشخصية، والممثل حين يحب شخصية لا يجب أن يضحك عليها أو كما نقول بالعامية « ما كيخصوش إقشب عليها»، بل يجب أن يعيشها ويذوب فيها ويتفاعل معها، وهذا ما يجعل الجمهور يصدقك ويحترم أداءك.. في غالب الأعمال التي أديتها يكون إلى جانبك محمد البسطاوي فما هو السر في ذلك؟ السر أن الكرة بيننا تتحرك جيدا، لأن التمثيل والتشخيص هي الكرة، تلك الحوارات هي الكرة، يمرر لك الحوار كلاعب يمررلك كرة على مقاس صدرك وقدمك بالسنتيمتر أو الميلمتر في تفاهم كبير، وتجربتي مع السي محمد البسطاوي على خشبة المسرح والأعمال التلفزيونية والأعمال السينمائية، ومن خلال النقاشات التي نناقشها لأن لدينا هم هو تطوير التمثيل والتشخيص في بلادنا دون أن نقول ذلك، ولكن بالعمل والاجتهاد كيف أن نلعب أدوارنا بصدق، والناس يرون ويحكمون.. وهذه التجربة التي مرت بيننا خلقت نوعا من التعاون إضافة إلى ذلك أننا في نقاش دائم حول التشخيص، حول المسرح ،حول السينما، هذا هو همنا نحن الإثنينن كلما التقينا نادرا ما نتحدث عن أشياء بعيدة عن ميداننا الفني، وهمنا أن الأجيال تستفيد من تجربتنا حتى بعد مماتنا..