من الواضح أن مسألة بناء المغرب الكبير، كمشروع طموح ومستقبلي، تتوق إليه شعوب هذه المنطقة من العالم، قد تراجع كثيرا إلى الوراء، بعد الانطلاقة الأولى، التي احتضنتها مدينة مراكش سنة 1989، ليضم خمس دول، وقعت على معاهدة التأسيس. وقد رافق هذا التأسيس إجراء فتح الحدود بين المغرب والجزائر، وعدة قرارات ومبادرات أخرى لتطبيع العلاقات بين البلدين، رغم أن الجزائر واصلت حربها العسكرية ضد المغرب،حيث كانت عصابات البوليزاريو، تأتي من أراضيها للهجوم على الجيش المغربي. وفي محاولة للتقدم في بناء هذا الإطار المغاربي، تصرف المغرب، بكل حسن نية، لتجاوز هذا الموقف العدواني للدولة الجزائرية، حيث قبل مخطط السلام، تحت رعاية الأممالمتحدة، لحل قضية الصحراء المغربية، كما اتفق على وقف إطلاق النار، رغم أنه لم يعتدِ أبداً على أي طرف، بل كان هو الذي يتلقى الهجمات الآتية من تندوف، بتخطيط وتسليح وتمويل من الجيش الجزائري. لكن كل هذا المجهود، لم ينفع في إقناع حكام الجزائر، بضرورة التخلي عن عدوانيتهم، خدمة لمصلحة الشعوب المغاربية، فواصلوا سياستهم العسكرية والدبلوماسية، الموجهة أساسا ضد المغرب، الأمر الذي أصبح فيه من المستحيل التقدم في البناء المغاربي. ويمكن القول، إنه من غير المعقول تصور أي وحدة مغاربية، وأحد مكوناتها يشن حربا على مكون آخر. فالوحدة تعني السلم أولاً، والاحترام المتبادل ثانيا، والتعاون ثالثا. وهي مبادئ لا يمكن التقدم في ترجمتها واقعيا، مع دولة تتصرف بمنطق الحرب الشاملة، تجاه دولة أخرى. لذلك، فأي حديث جدي عن البناء المغاربي، لا يمكن أن يتم دون حل المشكل بين المغرب والجزائر، والمشكل، كما هو واضح، يكمن في أن تتخلى الدولة الجزائرية عن سياستها العدائية تجاه المغرب، على مختلف المستويات، العسكرية والسياسية والديبلوماسية. وفي هذا السياق، جاءت المبادرة الملكية الداعية إلى تشكيل إطار ثنائي للحوار، وهو ما أكده بلاغ وزارة الخارجية المغربية، بلغة ديبلوماسية، تعني أن لا اتحاد مغاربي مع دولة تخوض الحرب اليومية ضد المغرب. الاتحاد يعني السلام، لا الحرب.