لأداء الضرائب والرسوم.. الخزينة العامة للمملكة تتيح ديمومة الخدمات السبت والأحد المقبلين    توقيف سائقي سيارتي أجرة بمدينة طنجة بسبب القيادة بشكل متهور قرب المطار    *بعيدا عن المنطق الاقتصادي: الأسرة تآلف بين القلوب لا تخاصم بين الجيوب    وزارة النقل تؤجل تطبيق معيار "يورو6" على بعض أصناف السيارات    بوطوالة: الأزمة السورية تكشف عن سيناريوهات مأساوية ودور إسرائيل في الفوضى    الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن هجمات جديدة ضد إسرائيل واستهداف مطار تل أبيب    وليد كبير: الرئيس الموريتاني يستبق مناورات النظام الجزائري ويجري تغييرات في قيادات الجيش والمخابرات    أمريكا: روسيا وراء إسقاط طائرة أذربيجانية    خطة استبقاية قبل ليلة رأس السنة تُمكن من توقيف 55 مرشحاً للهجرة السرية    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية مرتقبة بعدة مناطق في المغرب من السبت إلى الإثنين    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    الحكومة ترفع الحد الأدنى للأجر في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية    تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء المضيق    استعدادا لرحيل أمانديس.. مجلس مجموعة الجماعات الترابية طنجة-تطوان-الحسيمة للتوزيع يعقد دورة استثنائية    وفاة الرئيس التاريخي لمجموعة "سوزوكي" أوسامو سوزوكي    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    الجولة 16 من الدوري الاحترافي الأول .. الرجاء يرحل إلى بركان بحثا عن مسكن لآلامه والجيش الملكي ينتظر الهدية    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته ضد الرجاء    منظة تكشف عدد وفيات المهاجرين بين طنجة وإسبانيا خلال 2024    بقنبلة زُرعت في وسادته.. إسرائيل تكشف تفصيل عملية اغتيال إسماعيل هنية    الرئيس الألماني يعلن حل البرلمان ويحدد موعدا لإجراء انتخابات مبكرة    رفض دفوع الناصري وبعيوي يثير غضب المحامين والهيئة تستمع للمتهمين    صديقة خديجة الصديقي تعلن العثور على والد هشام    هل يُجدد لقاء لمجرد بهاني شاكر التعاون بينهما؟    بلغ 4082 طنا.. جمعية تشيد بزيادة إنتاج القنب الهندي المقنن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    الحكمة المغربية بشرى كربوبي تحتل الرتبة الخامسة عالميا والأولى إفريقيا    فوج جديد من المجندين يؤدي القسم    حضور وازن في المهرجان الدولي للسينما و التراث بميدلت    فنانات مغربيات تتفاعلن مع جديد مدونة الأسرة    ما حقيقة اعتزال عامر خان الفن؟    اختتام ناجح للدورة الخامسة لصالون الإلهام الدولي للفن التشكيلي بتارودانت    دوري أبطال افريقيا: تحكيم بوروندي لمباراة الجيش الملكي ومانييما أنيون الكونغولي    الصين تجهز روبوت لاستكشاف القمر    الوداد البيضاوي يعلن تعيين طلال ناطقا رسميا للفريق    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    المصادقة على مقترحات تعيين في مناصب عليا    الجولة 16.. قمة بين نهضة بركان والرجاء والجيش يطمح لتقليص الفارق مع المتصدر    غوارديولا يتحدث عن إمكانية عقد صفقات جديدة في يناير    بايتاس: إعداد مدونة الأسرة الجديدة مبني على التوجيهات الملكية والنقاش مستمر في مشروع قانون الإضراب    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب المستثمرين للاقتصاد الأمريكي    نواب كوريا الجنوبية يعزلون رئيس البلاد المؤقت    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    ارتفاع ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالرباط ب 4 في المائة عند متم أكتوبر    التحكيم المغربي يحقق إنجازًا عالميًا.. بشرى الكربوبي بين أفضل 5 حكمات في العالم    طعن مسؤول أمني تونسي خلال عملية إيقاف مطلوب للعدالة بتهم الإرهاب    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    علماء: تغير المناخ يزيد الحرارة الخطيرة ب 41 يومًا في 2024    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متابعات ... السيد أوباما، إذا كان هذا لا يُخْجِلكُم، فماذا يُخْجِلكُم؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 26 - 08 - 2014

لم تكن صرخة ذلك المواطن المراكشي المغربي، ميشهال، ذي الديانة اليهودية، بدون دلالة. خرج الرجل للشارع في حي من الأحياء القديمة بمراكش، يستنكر الأعمال الإجرامية التي يقترفها نظام إسرائيل ذو التوجه الصهيوني، في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، بغزة، مُدينا قتل((خوتنا الفلسطينيين))- على حد تعبيره-. أصيب المغربي اليهودي بعدها بانهيار عصبي... وبقية الحكاية لمن تابع الخبر معروفة. لكن أهم ما جاء في هذه الصرخة هو تبرؤه من يهودية إسرائيل. قال غاضبا: "هادو ماشي يهود، هادو أعداء اليهود".وكان يقصد الذين يتلذذون بقتل الأطفال والنساء والشيوخ المدنيين الفلسطينيين في غزة. أما في إسرائيل نفسها ، فقد أضحى كل يوم هو يوم للتظاهر من قبل العشرات من المواطنين الإسرائيليين الداعين إلى إيقاف الجيش الإسرائيلي القصف والعدوان على غزة. وفي اليابان ، اختار المستنكرون للعدوان أسلوبا آخر في التظاهر: وضع المتظاهرون في الشارع العام أحذية أطفال ، أحذية عددها يصل عدد الأطفال الفلسطينيين الذين اغتالتهم آلة الصهيونية ظلما وعدوانا...قبل ذلك تظاهر المئات والآلاف في كل شوارع كبريات العواصم، بل إن دولا أمريكية سحبت سفراءها من إسرائيل احتجاجا على عدوانية الصهيونية الإسرائيلية... حتى بلدانا أسكندنافية معروفة بدعمها التقليدي للصهيونية، احتج مواطنون فيها على عدوانية إسرائيل.
والحق أن نموذج ميشهال ، ونموذج المتظاهرين الإسرائيليين ضد وحشية دولتهم، إنما يمثلان معطى سوسيو- ثقافيا، وسوسيو- عقائديا، تم تحليله في أعمال فكرية عديدة من قبل مثقفين عرب مسلمين وعرب إسرائيليين، ومثقفين لا ينتمون لا لهؤلاء ولا لأولئك ، في الغرب وفي غير الغرب. إسرائيل هي اليوم في الظاهر المعتاد تقتل شعبا يسمى الشعب الفلسطيني، لكنها وهي تفعل ذلك تستعدي عليها اليهود أولا، وتستعدي عليها شعوب العالم، شعوبا بدأت تستيقظ من خدر مقولة "إسرائيل المسكينة، المحاطة ضدا على أمنها وسكينتها ببحر من العرب الهمج، المتخلفين، أعداء الحضارة التي جاءت إسرائيل لنشرها وسطهم ، وسط هؤلاء القوم من اللامتحضرين".
فلننظر، فقط بمناسبة هذا الإجرام الذي تجري فصوله أمام المجتمع الدولي، في غزة، في هذا "التحضر" الذي تقترحه إسرائيل على المنطقة: تسبق كل غارة وكل قصف لغزة عملية لجوء المدنيين إلى مؤسسات "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " " أونروا " التابعة للأمم المتحدة. لكن الدمار الإسرائيلي يتبعهم حتى في هذه المدارس (المُؤَمًنَة). لماذا يلجأ الفلسطينيون لهذه البنايات؟ يفعلون ذلك استجابة لإنذار مسبق ، إنذار عسكري إسرائيلي. الموت يلحق بهم إذن حتى في مؤسسات الأمم المتحدة هذه. وبطبيعة العدوان الإسرائيلي، فإن نفس الموت يلحق بهم إذا رفضوا الخروج من بيوتهم التي أصبحوا يدركون بفعل التجربة أنها مقابر محتملة على الدوام. حيثما وَلًوْا وجوههم هم وأطفالهم فثمة صناعة الموت الإسرائيلية.
بلى، إن هذه الصورة كافية لتوضيح طبيعة "التحضر" الذي تقترحه إسرائيل على الفلسطينيين وعلى العرب"الهمج" المحيطين بها.
لكن إسرائيل لا تتحمل وحدها مسؤولية تقتيل الشعب الفلسطيني. هناك طرف آخر، وهو معروف ولا يخجل من إجرامياته. بل إنه يطلق عليها أسامي ومصطلحات ذات شحنة إنسانية: إنه دولة القوة الأولى، أو قل القوة الوحيدة في العالم، دولة الولايات المتحدة. هذه الدولة توفر لإسرائيل الحصانة. وتمنحها الحماية الديبلوماسية. وتسلحها وتوفر لها ذخيرة أسلحة القتل. وقد وصل الحد إلى درجة منح هذه الأسلحة والذخيرة حتى من مخزون الجيش ، جيش الولايات المتحدة. إنها مشاركة في الجريمة كاملة، جريمة مشاركة مكتملة العناصر. ولأن هذا الدعم اللامشروط والأعمى يبدو كما لو كان غير كاف، فإن الولايات المتحدة تقدم المال أيضا، وبأرقام خيالية. وما يسمى ب"نسق السقف لأزرق"، معروف عند المتتبعين . فالتأمين المالي لإسرائيل واحد من بين أهم العناصر التي تسلم الولايات المتحدة بضرورته غير القابلة للنقاش ليس في الجهاز التنفيذي للحكومة وحده، بل في الجهاز التشريعي نفسه. وهكذا فإن المال يسري عبر قنوات تشريعية وقانونية شرعية لا غبار عليها أمام مؤدي الضرائب من المواطنين الأمريكيين. وتكفي الإشارة في هذا الباب إلى أنه تم في شهر يوليوز من سنة 2014 تقديم مزيد من الأموال لإسرائيل بقرار من الكونغريس وصل الرقم فيها إلى 225 مليون دولار وأعطيت لهذه العملية الصبغة الاستعجالية. من أجل ماذا؟ من أجل تقتيل الشعب الفلسطيني. غير أن هذا ليس هو المسمى الذي يُعْطى لهذه العملية. لا يقول السيد باراك أوباما لمحكوميه من شعب الولايات إن هذه الأموال هي لتقتيل الفلسطينيين ، يستعمل عبارة ألطف تقول "الأموال هي "لأمن" إسرائيل".
ولا تخجل الولايات المتحدة الأمريكية من أن تصم آذانها حتى عن تقتيل عمال الإغاثة والمساعدة الإنسانية التابعين للمنظمات الدولية. وقد تابع العالم كله صرخات منظمة العفو الدولية على لسان (بريان وود) وهو يتوجه بالخطاب إلى الأميرال "كيربي" في الجيش الأمريكي، مستنكرا صمت الولايات المتحدة الأمريكية عن جرائم قتل أولئك المساعدين العاملين في الحقل الإنساني بالأراضي الفلسطينية.
إن الولايات المتحدة بأفعالها هذه وبدعمها المالي والعسكري ونهجها الحمائي لكل ما تقوم به إسرائيل من أعمال إجرامية ضد الشعب الفلسطيني، إنما تدعم نظاما اختار إيديولوجيا عنصرية ترى في العنصر الفلسطيني خطرا استراتيجيا على الوجود الإسرائيلي..
هذا الوجود الذي قام على أسس تعود أصوله إلى مجمل السياسات الاستعمارية التي طبعت القرن التاسع عشر. وهكذا فإن ما يدين إسرائيل يدين أيضا الولايات المتحدة، ما يدين رئيس الحكومة الإسرائيلية، يدين أيضا باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما أفصحت عنه كل مظاهرات الاستنكار التي عرفتها شعوب كثيرة من كل القارات بما في ذلك مواطنين أمريكيين تظاهروا لأول مرة ضد إسرائيل وضد سياسة بلادهم. لقد بدأوا يعون ولو بمستوى محتشم الطابع العنصري لإسرائيل، وبدأوا يعون الكذبة الكبرى على التاريخ الإنساني، تلك الكذبة القائمة على المظلومية التي تقدم بها إسرائيل نفسها إلى العالم ، يدعمها في ذلك قلة من المفكرين من ذوي التوجه الصهيوني. وقد تابع العالم تظاهر شباب وشيوخ ونساء يهود من مختلف المناطق في العالم يعبرون عن تعاطفهم مع الشعب الفلسطيني ويرددون بصوت عال: هؤلاء القتلة لا يمكن أن يكونوا يهودا. ويبين هذا التعاطف الجديد أن اليهود في العالم أصبحوا مستعدين أكثر من كل العقود الماضية لتقبل فكرة التمييز بين اليهودية والصهيونية وتقبل الفكرة القائلة بعنصرية الصهيونية التي تجسدها اليوم إسرائيل. إنه وعي جديد هو قيد البزوغ، ويتعين استثماره على النحو الأفضل من أجل نشر وترسيخ الاقتناع باستعمال السلاح الأكثر فاعلية: سلاح مقاطعة إسرائيل اقتصاديا. في المغرب مثلا، أوضح سيون أسيدون، المناضل اليساري المغربي، والمعروف بمناهضته القوية للصهيونية ومؤسس جمعية مقاطعة بضائع إسرائيل في لقاء بمدينة القنيطرة ،المغربية، أن إسرائيل لا تخشى في الوقت الراهن، سوى سلاحين: السلاح النووي المحتمل لإيران، وسلاح المقاطعة الاقتصادية. وأضاف بأن سلاح المقاطعة أظهر نجاعته في تقوية المقاومة التي أبان عنها شعب جنوب إفريقيا إبان مناهضته لنظام الأبارتيد العنصري الذي كان يحكم هذا الشعب الإفريقي، مدعوما من العالم كله باستثناء أمريكا وإنجلترا ، وهما الدولتان اللتان تنحازان تقليديا لكل أنواع النظم الباغية والطاغية والديكتاتورية والفاشية ... ولقد رأت الإنسانية كلها المصير الذي انتهى إليه النظام العنصري في جنوب إفريقيا. إنه مثال يبين نجاعة سلاح المقاطعة التي يتظاهر قادة النظام الصهيوني في إسرائيل بأنهم لا يهابونه، في حين أنهم في أعماقهم لا يخشون شيئا آخر غيره، مما يمكن تسميته بالأسلحة الموازية للمقاومة السياسية والثقافية للصهيونية باعتبارها نظاما عنصريا يميز بين سكان فلسطين القديمة ذات الساكنة المشكلة من العرب المسلمين واليهود والمسيحيين الشرقيين. ولقد تابع الناس الآثار البينة لهذه الثقافة العنصرية في تلك التظاهرات التي ينظمها صهاينة متطرفون في إسرائيل، فيرفعون هكذا لافتات كتب عليها : "الموت للعرب"، "فليدفع العرب الثمن"، مثلما تابعوا تجمعات معلمين وتلاميذ مدارس وهم يقفون على التلال والمرتفعات المطلة على أراضي غزة، وهم يتضاحكون مقهقهين تدغدغهم عاطفة التشفي المقيتة في الأطفال الفلسطينيين ، مبتهجين بقتلهم. لقد أظهرتهم الكاميرات وهم يأكلون متلذذين بعمليات القتل التي تمارسها إسرائيل ويدعمها باراك أوباما في الولايات المتحدة الأمريكية، شوهدوا وهم يرقصون، ويغنون فرحا بالقتل، والقصف، والتدمير. وكم كان فظيعا حقا أن يُسْمع بعضهم يقول "والآن لن يكون هناك أطفال فلسطينيون يذهبون إلى المدارس!". هي ذي نتائج إيديولوجية الكراهية والعنصرية والنزوع الفاشي والفلسفة النازية الجديدة التي تنشرها إسرائيل، وتدعمها سياسة باراك أوباما وحكومة دافيد كامرون بدون خجل من آثار هذه اللاخلقية الجديدة. لقد خجلت من نفسي، أنا كاتب هذه المقالة، باعتباري إنسانا كباقي البشر فوق هذا الكوكب الذي اِئتمن السيد باراك أوباما على سلامته. أما كشعوب من دول الجنوب، فإننا نشعر بآثار الخيانة التي انفضحت الآن أمام العالم، خيانة ما راح يسمى ب"خطاب أوباما في القاهرة " بمصر والذي جاء يَعِدُ فيه العرب والإسرائيليين البريئين البسطاء ، والإنسانية كلها بأنه سيعمل جاهدا على منح الفلسطينيين حقوقهم كاملة، والمنطقة أمنها، والشعوب تعاونها على البر.
لكن كل ما منحه أوباما هو مزيد من الحصار برا وفضاء وبحرا للفلسطينيين، ومزيد من الدعم لنظام تقول كمشة من معلميه وألسنة بريئة لأطفاله : أيها العساكر: اقتلوا الأطفال الفلسطينيين حتى لن يكون هناك تلاميذ في فلسطين ولا مدارس.
السيد أوباما إذا كان هذا لا يُخْجِلكُمْ فماذا يخجلكم؟ السيد أوباما هل تريحكم إلى هذا الحد صورة كاريكاتورية تَظْهَر فيها يدُكُم اليمنى وهي تحمل مسدسا تمدونه ل(نتنياهو)، ويدكم اليسرى وهي تقدم له ذخيرة ذاك المسدس؟ كيف تستطيعون النظر في عيون أطفال بلدكم، وأطفال العالم؟ كيف؟ ...
السيد باراك أوباما لحد كتابة هذه السطور، قتلت الآلة العسكرية الإسرائيلية التي تزودونها بالمال والأسلحة والذخيرة والحصانة الديبلوماسية ، في الحرب على الفلسطينيين بغزة ، تسعة وعشرين من العاملين الدوليين في قطاع الإغاثة والمساعدة الأممية، وما يزيد عن ألفي قتيل فلسطيني. ودمر الجيش الإسرائيلي ما يزيد عن ثمانية آلاف بيت للسكن ، دمرت بالكامل، ، ودمر تدميرا جزئيا ما يقارب عشرة آلاف بيت للسكن، ودمرت أعداد هائلة من المدارس، مئة وثمانية وستون مدرسة، وما يقارب هذا العدد من أماكن العبادة ومن المساجد، بل وقصفت حتى المقابر. فالإسرائيليون لا يكتفون بقتل الأحياء، يهمهم إعادة إماتة الأموات . لماذا، لأن إسرائيل وأنتم معها، لا تحتملون المقاومة...والأموات الفلسطينيون أصبحوا عبر كل المحتجين في العالم المتعاطفين مع قضيتهم، هؤلاء الأموات تحولوا هم الآخرون إلى سلاح مقاومة، وهذا هو السبب الذي يجعل الصهاينة يصابون بجنون الاعتداء فيقصفون المقابر وليس فيها سوى الأموات..
بعد غصب الأرض، يريد الإسرائيليون غصب الفلسطيني حقه في المقاومة، يريدون تجريده من كل الأسباب التي يمكن أن تساعده على مجرد المقاومة التي يسمونها إرهابا. يريدون أن يجعلوا من الفلسطيني كائنا يخجل حفدته من تاريخه، مثلما خجل حفدة اليهود من تاريخهم حين تركوا أنفسهم يُساقُون إلى المحرقة بدون مقاومة، تماما مثلما يُفْعَلُ بالأغنام. في المحرقة راحت الغنم إلى الذبح لأنه لم تكن هناك سبيل أخرى. هذه حقيقة مرة. كل اليهود الذين يفكرون في هذا الموضوع من هذه الزاوية يقرون بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة، وبأنه لا يحق له أن يقدم نفسه إلى قوى الاحتلال كما تساق الغنم. لا! هذا غير وارد. إسرائيل تقول للفلسطينيين: كونوا شعبا هادئا، مثل تلاميذ هادئين، و"اسمعوا الكلام" وطبقوا ما يُقال لكم لا ما تفكرون فيه . واحذروا أن تقاوموا خشية أن تصبحوا إرهابيين. فالإرهاب اليوم تحتكره الدولة ، دولة إسرائيل، ودولة الولايات المتحدة الأمريكية، هكذا كان ، وهكذا يكون...أيها الفلسطينيون اهدأوا وتفرجوا على المستوطنات تُبْنَى في ما تبقى من أراضيكم. لا تغضبوا، ولا تحتجوا ولا تتظاهروا، ولا تحتجوا ولا تعصوا ذلك العصيان الذي يسمى العصيان المدني، ولا تقاطعوا، وأقبلوا على البضائع الإسرائيلية فهي الأوفر والأقرب والأفيد لنا . وتعاركوا وتصارعوا وليقاطع بعضكم بعضا وإياكم أن تتوحدوا ، وإياكم أن تعترفوا ببعضكم البعض لأن في ذلك نوعا خاصا من الإرهاب. وتقبلوا كره ما يسمى أنظمة عربية لكم.. لا تعترفوا سوى بشيء واحد: اعترفوا بيهودية إسرائيل فقط، وإذا ما فعلتم لا تسألوها عن معنى ذلك لأنها لا تعرف لها دلالة. واحذروا أن تفكروا في أمر هو في غاية الخطورة، أن تطالبوا بأن تكونوا شعبا مساويا في الحقوق مع كافة شعوب الأرض. إن ذلك لمنكر عظيم لا تأخذ به ملل، ولا تقره عقائد. أما حق العودة فَامْحُوهُ مَحْوًا من قاموسكم، وانسوا تماما حق النازحين ولا تذكروا أبدا حق اللاجئين أيا كان هذا الحق. إننا نعرف أن منكم من قَبِلَ بهذه الشروط مجتمعة، بل ومستعد أن يقبل شروطا أخرى سنفكر فيها مثلما نفعل دائما : مفاوضات جديدة بشروط إضافية . توجد دائما شروط إضافية ليس أقلها السماح لكم بإقامة دولة منقسمة إلى دولتين، وستكون هي الأخرى إنجازا عظيما من إنجازات إسرائيل والولايات المتحدة ، والمملكة المتحدة، دولة منزوعة السلاح...هكذا نريدكم شعبا بلا تاريخ، وهوية بلا محددات، واسما بلا مسمى ، وشعبا مغْتَصَبة أرضه لكنه بلا مقاومة، وكيانا عاجزا لأنه بلا سلاح جنب عدو يملك كل السلاح بما فيه السلاح المحظور دوليا.
تلك هي رؤية الصهيونية والولايات المتحدة لفلسطين وللفلسطينيين ، للمقاومة ولشروط الوجود، مجرد الوجود...وهي الرؤية التي صاغها بيداغوجيو الكيان الصهيوني فراحوا يعلمون أطفال المدارس بأن مقاومة الفلسطينيين غير شرعية ...وهم يقصدون بكل تأكيد أن الشعب الذي لا يملك أسلحة الدمار الشامل على النحو الذي توجد عليه دولة الكيان الصهيوني، هو شعب غير شرعي. الشرعية في ذهنية الصهيونية كما في عقلية الولايات المتحدة قائمة على القوة، وخاصة قوة الاغتصاب. وما دام الشعب الفلسطيني لم يغتصب أرض أحد ، وما دام يرى كل يوم أرضه المغتصبة يستوطنها غاصبون قادمون من كل أراضي المعمورة، فهو شعب لا يستحق الحياة ، ومن ثمة فهو شعب غير شرعي...
هذه بعض من أفكار رئيس حكومة إسرائيل نتنياهو وأفكار السيد الرئيس باراك أوباما الذي توسم فيه الناس بعض الخير حين أُعْلِنَ عن انتخابه رئيسا للولايات المتحدة. لكنه خذل الشعب الفلسطيني وخذل العرب وخذل كل الباحثين عن سلام ما ، في تلك البقعة من أرض الشرق الأوسط...ولم يحرص على شيء حرصه على نفس الولاء للصهيونية في بلاده كما في إسرائيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.