ارتفاع أسعار الذهب    سانتو دومينغو.. تسليط الضوء على التقدم الذي أحرزه المغرب في مجال التعليم    الجيش الإسرائيلي يعلن ضرب عدة أهداف لحزب الله في سهل البقاع بشرق لبنان خلال الليل    "كاف" يعلن عن تمديد فترة تسجيل اللاعبين المشاركين في دوري الأبطال وكأس الكونفدرالية    أجواء ممطرة في توقعات طقس الجمعة    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    وتتواصل بلا هوادة الحرب التي تشنها جهوية الدرك بالجديدة على مروجي '"الماحيا"    أمريكا: "برج" يقتل ركاب طائرتين    الشهيد محمد الضيف.. جنرال كتائب "القسام" ومهندس "طوفان الأقصى"    فاتح شهر شعبان لعام 1446 ه هو يوم الجمعة 31 يناير 2025    مدة البت في القضايا تتقلص بالعيون    نتائج الخبرة العلمية تكشف قدرة خلية "الأشقاء الثلاثة" على تصنيع متفجرات خطيرة (فيديو)    الجيش الملكي يخسر بثنائية بركانية    الجديدي وفتحي ينتقلان إلى الوداد    تعليق الرحلات البحرية بين طنجة وطريفة بسبب اضطرابات جوية وارتفاع الأمواج    ساو تومي وبرينسيب تؤكد دعمها الثابت للوحدة الترابية للمغرب وتعزيز التعاون الثنائي    الشرقاوي: خلية "الأشقاء الثلاثة" خططت لاستهداف مقرات أمنية ومحلات عمومية    النقابة الوطنية للصحافة ومهن الإعلام بإقليم العرائش تكرم منجزات شخصيات السنة    خروج 66 فلسطينيا حالة صحية متردية من سجون الإحتلال    مشروع الربط المائي بين وادي المخازن ودار خروفة يقترب من الإنجاز لتزويد طنجة ب100 مليون متر مكعب سنويًا    من المدن إلى المطبخ .. "أكاديمية المملكة" تستعرض مداخل تاريخ المغرب    «استمزاج للرأي محدود جدا » عن التاكسيات!    الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدار البيضاء-سطات تواصل تنفيذ برنامجها السنوي لتنقية شبكة التطهير السائل    الوداد يضم لاعبا فرنسيا ويستعير آخر من جنوب إفريقيا    زياش إلى الدحيل القطري    رئاسة الأغلبية تؤكد التزامها بتنفيذ الإصلاحات وتعزيز التعاون الحكومي    ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين: المغرب يعتمد خيارا واضحا لتدبير إنساني للحدود    برقية تعزية ومواساة من الملك إلى خادم الحرمين الشريفين إثر وفاة الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود    أمر تنفيذي من "ترامب" ضد الطلاب الأجانب الذين احتجوا مناصرة لفلسطين    أداء إيجابي ببورصة الدار البيضاء    الوداد يعزز صفوفه بالحارس مهدي بنعبيد    إطلاق النسخة الأولى من مهرجان "ألوان الشرق" في تاوريرت    الملك يهنئ العاهل فيليبي السادس    بلاغ من طرق السيارة يهم السائقين    مقتل "حارق القرآتن الكريم" رميا بالرصاص في السويد    عصام الشرعي مدربا مساعدا لغلاسكو رينجرز الإسكتلندي    قرعة دوري أبطال أوروبا غدا الجمعة.. وصراع ناري محتمل بين الريال والسيتي    ارتفاع مفاجئ وتسجل مستويات قياسية في أسعار البيض    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    الاحتياطي الفدرالي الأمريكي يبقي سعر الفائدة دون تغيير    حاجيات الأبناك من السيولة تبلغ 123,9 مليار درهم في 2024    الشرع يستقبل أمير قطر في دمشق    استقرار أسعار الذهب    المغرب يحقّق أرقامًا قياسية في صادرات عصير البرتقال إلى الاتحاد الأوروبي    ""تويوتا" تتربع على عرش صناعة السيارات العالمية للعام الخامس على التوالي    مع الشّاعر "أدونيس" فى ذكرىَ ميلاده الخامسة والتسعين    جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2025 تكرّم جهود بارزة في نشر المعرفة الإسلامية    مركز الإصلاح يواجه الحصبة بالتلقيح    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سالم «يفوت» سالما غانما
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 20 - 09 - 2013

عندما اتصل بي محمود عبد الغني ناعيا الفيلسوف المغربي الفقيد سالم يفوت، عبر مكالمة هاتفية في تلك العشيّة السّبتية أُصبت بالدهشة، والدهشة عادة ما تكون عائقا نحو التفكير النقدي والعقلي بل وتعطل ملكة التفكير، فيفسح المجال للعواطف للتعبير عن مكنونها.. على عكس ما تعتقده العقلانية الكلاسيكية.. في أن الدهشة هي سبب التفلسف.. لم يدُم الحال إلا لحظات، فتذكرت فيما نذر إليه سالم يفوت مشروعه العلمي الذي أنتج فيه متنا زاخرا وقويا. كان فيه يفوت متفحصا بعين نقدية عميقة العلوم المعاصرة خاصة في مفاهيم إستراتيجية، حفرَ فيها كثيرا من المعنى العميق.. خاصة مفهوم الواقع، الذي يبدو سهل المناولة في الخطاب العادي، إلا أن يفوت خاض فيه وحوله دروسا مفْهماتية، قد تظل محفورة في تاريخ الفلسفة المغربية المعاصرة.. إلى جانب ذلك الدرس الاستشكالي لكثير من المفاهيم أيضا كمفهوم النقد والحقيقة والفلسفة في حد ذاتها، والعلم والزمان التاريخي..
لقد ظل أركيولوجيا، يحفر في المفاهيم ويعيد مساءلتها وبناءها في ضوء عقلانية معاصرة عنوانها النقد والقطيعة والحداثة والثورة الابستمولوجية. وهو عمل مضني وجدّي حقا، استطاع بواسطته أن يحفر اسمه عميقا في رحاب الفكري النقدي والدرس الفلسفي المغربي، الذي ساهم في توصيل وتأصيل روحه وجذوته في العالم العربي.. لم يكن سالم يفوت منشغلا بما هو معاصر، فقد مكنته معداته النظرية والمفاهيمية والابستمولوجية من إعادة الحفر، بمعاول جديدة للتراث العربي الإسلامي، والذي أنتج فيه عملا ?لاشك- أنه سيخضع لقراءات استعادية في تاريخ التراث الأندلسي والعربي والإسلامي وتاريخ الفلسفة، أقصد بذلك أطروحته الألمعية : «ابن حزم والفكر الفلسفي بالمغرب والأندلس» والتي نشرها ببيروت سنة 1986...
هكذا تراوحت الروح الفلسفية عند سالم يفوت ما بين درس الماضي ودرس الحاضر، ما بين خطاب إني ومخصوص، وخطاب كوْني في العقل والفلسفة.. عنوان هذه الروح هي النقد كسلاح نظري يتميز به الفيلسوف والمفكر الأثيل. ولقد شمل هذا النقد الخطاب الاستشراقي من خلال «حفريات الاستشراق : في نقد العقل الاستشراقي.. الذي نشر ببيروت أيضا في سنة 1989.
انطلاقا من وعيه بأن تأصيل الفكر قد يمر عبر الحوار المثمر بين الأنا والآخر، وهذا الحوار قد يغنيه الخطاب الترجمي لأعلام وفلاسفة برانيين وَسَمُو الفلسفة المعاصرة بميسم خاص ومخصوص كميشيل فوكو وجيل دولوز.. وما أدراك هذين العَلَمين وإغنائهما للفلسفة اليوم.. ولقد تُوج مجهوده الترجمي بجائزة المغرب للكتاب في ميدان الترجمة سنة 2007.
سالم يفوت.. فيما أَحْصَيْتُ، ترك أكثر من عشرين كتابا دالا ولافتا.. لقد كان هادئ الإنتاج، وأقصد بالهدوء هنا، هو الإنصات أكثر من التدبيج، وهو لا يرفع القلم إلا حافرا في المفاهيم والمتون.. لقد شكلت العشريتان من 1976 إلى 1996، مرحلة نضج كبير، ومرحلة إنتاج دال وغزير.. لقد استطاع أن يمُر ويفوت من هنا سالما وغانما. ولعل هذا العبور، رغم قصره في الزمن، فلقد كان حافلا ورائعا، فهنيئا للفلسفة والفكر المغربي والعربي، بهذا الإنجاز الذي حققه سالم يفوت، والذي سيظل وازنا في المكتبة المغربية والعربية، حيث يصعب تجاوز منجزاته الفكرية في الموضوعات والمفهومات التي أشرنا إلى بعض منها.
سالم يفوت.. لم يكن لي معه إلا ما يسميه عبد الكبير الخطيبي بالصداقة الرمزية، أي عبر تلقي إنتاجه الفكري، لم ألتق به إلا مرة واحدة بفاس في إطار جمعية أصدقاء الفلسفة.. في وقت كان يتوارى بصره، وتشتد بصيرته النقدية في الخطاب والحياة أيضا..
سالم يفوت وداعا.. ونمْ قرير العين، فالرجوع إلى الخالق حتمي، فكل نفس مهما طال شأنها لابد وأن تنتهي أنفاسها.. إلا أن النَّفْس التي تركت أثرا، فإنها نَفْس سلمت من غض الطرف والتنكير واللاعبور وغنمت الامتداد والحضور في الزمن والمعنى والسعادة الأنطولوجية.
فاس في يوم السبت 14/9/2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.