أبرز عبد الرحيم الرماح، كاتب الاتحاد المحلي للفيدرالية الديمقراطية للشغل بفاس، خلال الندوة التي نظمت بالمركب الثقافي الحرية إحياء للذكرى 56 لإنشاء طريق الوحدة في موضوع «الحركة الوطنية وبناء المغرب الحديث: العمق والامتداد»، إن عمق وكثافة اهتمام الشغيلة المغربية بقضايانا الوطنية الكبرى وبذاكراتنا التاريخية هي بنفس العمق وبنفس كثافة الاهتمام بالقضايا النقابية الملحة وأشار كذلك إلى أن هذا اللقاء لتقديم إضاءات جديدة حول فصول حاسمة من تاريخ المغرب الحديث والدور الحاسم الذي اضطلعت به الحركة الوطنية في بناء دولة الاستقلال والحفاظ على الوحدة الترابية وإذكاء شعلة العمل الوطني في مختلف المجالات التي وجد فيها المغاربة أنفسهم أمام تحديات البناء الحديث بالصورة التي أبرزتها بوضوح تلك الملحمة التاريخية الممثلة في بناء طريق الوحدة التي تعبأت في سبيل بنائها كل طاقات أبناء الوطن من أقصاه إلى أقصاه، وقد استهل مصطفى الكتيري، المندوب السامي للمقاومة وجيش التحرير، مداخلته بالحديث عن قيمة التطوع التي يوحي بها الورش الكبير لبناء طريق الوحدة بعد الاستقلال سنة 1957، مبرزا أن التطوع يجسد قناعة بعمل جماعي يسعى لتحقيق أهداف ومقاصد مشتركة. ثم أشار المندوب السامي، إلى أن أعلام الحركة الوطنية واجهوا محاولات المسح الثقافي التي قام بها المستعمر، كما توقف عند ما قامت به الحركة الوطنية على مستوى نشر القيم الأصيلة والمتأصلة للتطوع، والتي كان بناء المدارس الحرة وتطوع رجالات الحركة الوطنية للعمل كمؤطرين بها، أحد تعبيراتها التلقائية. لقد تبين، يضيف الكثيري، أن التطوع هو وسيلة للتقرب من القاعدة الاجتماعية وقواها الحية وهو مشروع انخرطت فيه الحركة الوطنية خلال إنجاز ورش طريق الوحدة. ثم ذكر بنفس المناسبة بما قاله الشهيد المهدي بنبركة أثناء خطابه أمام جموع المتطوعين بعد تفقده الورش يومي 21 و22 يوليوز 1957 من ضرورة تلاحم القوى الحية من أجل رفع التحدي المتمثل وقتها في الضعف الكبير والخصاص المهول في البنيات التحتية، لقد تحدث المهدي، عن بناء المنزل الجديد الذي هو المغرب الجديد. وخلص الكتيري، إلى «أن الدروس الأساسية والتي نستخلصها من ورش طريق الوحدة ونحن نحتفي بذكراه السادسة والخمسين، هي تلك الدروس التي تؤكد على قيم التضامن والروح الجماعية والديمقراطية وكذا الروابط القوية بين النضال الوطني والنضال الوحدوي، مستعرضا المحطات الأساسية التي تجسد ذلك من تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال سنة 1944 إلى خطاب طنجة التاريخي للمغفور له محمد الخامس إلى زيارته لمحاميد الغزلان وصولا للمسيرة الخضراء سنة 1975 . بدوره ذكر سعيد بنسعيد العلوي في مداخلته، التي عنونها ب» دور الحركة الوطنية في بناء المغرب الحديث»، أنه ومنذ سنة 1934، ضمن كناش المطالب، قدم الوطنيون تصورا متكاملا للمغرب، الذي يريدونه، فالحركة الوطنية ليس فقط حركة تحرر ضد الاستعمار ولكنها بجانب ذلك حركة تحريرية. كما أشار سعيد بنسعيد إلى أن المقاومة كانت ولا تزال مستمرة إلى حدود 1934، حيث ذكر أن عزام الأمين العام لجامعة دول العربية وقتها، كان قد طلب من علال الفاسي تقديم وثيقة الحركات الاستقلالية في المغرب. وقد حملت هاته الوثيقة تصور الحركة الوطنية لما يجب أن يكون عليه مغرب الغد على مستوى البناء السياسي الديمقراطي، ومن جهة أخرى فإن كتاب النقد الذاتي للزعيم علال الفاسي شكل مرحلة وعي متقد للحركة الوطنية وتفكيرها في مشروع المغرب الحداثي. وأجاب سعيد بنسعيد عن سؤال إشكالي حول طبيعة الأفكار الرئيسية عند الحركة الوطنية، انطلاقا من أن المدخل للجواب في كون الزعماء الوطنيين كانوا يتحدثون باسم ضمير الأمة، مؤكدا أن مشروع الحركة الوطنية هو مشروع ديمقراطي حداثي وأن ما أروع فيه هو تبني الشعب المغربي له في إطار تعاقد مع الملك، فهذا هو مضمون العقد الاجتماعي الذي أسست له المرحلة وقد فضل محمد اليازغي، قبل تحليله لموضوع «القضية الوطنية وتحدي مجلس الأمن، الحديث في سياق استحضار أجواء ورش طريق الوحدة، والإشارة إلى حقبة بالغة الأهمية، حين وضع المغفور له محمد الخامس يده مع الحركة الوطنية وهو ما أعطى للملكية مشروعية نضالية وشعبية بجانب المشروعية التاريخية، وهو ما يعني وقع بناء الملكية من جديد في المغرب بدمج المشروعتين، مذكرا في نفس الحديث بتدارك الحسن الثاني بعد مرحلة صعبة التعثرات التي طبعت ذلك الميثاق من خلال التأسيس للتناوب التوافقي. وعلاقة بالدستور ومن باب توضيح بعض الحقائق يقول محمد اليازغي، أن الرئيس الحالي للحكومة، لم يقل يوما بالملكية البرلمانية، وهذا ما يفسر التردد الحاصل في موضوع القوانين التطبيقية، الشيء الذي يجعل الحكومة تبقى واقفة في مكانها. ثم ذكر اليازغي بالمعاني النبيلة والمغزى لإنجاز طريق الوحدة، مشيرا إلى أن الدرس الأساسي الذي يمكن استخلاصه بهذا الصدد، هو دور الشعب في بناء مغرب الاستقلال، مذكرا بمقولة الشهيد المهدي بنبركة الشهيرة «الطريق تبنينا ونحن نبني الطريق»، مذكرا في نفس الآن أن تلك الروح الوحدوية هي التي تجلت مرة أخرى في المسيرة الخضراء. وبعد هذا التمهيد، انتقل اليازغي للحديث عن الوضع الراهن لقضيتنا الوطنية قائلا، ?إن قوتنا الأساسية تكمن في تواجدنا وفي تعبئتنا»، ثم انتقل اليازغي إلى مساءلة بعض المفاهيم الدبلوماسية الرائجة والتي من بينها مسألة وقف إطلاق النار، حيث أشار إلى أن هذا الوقف لإطلاق النار هو شكلي في الحقيقة، موضحا أنه ومنذ بناء المغرب لجدرانه الأمنية لم تعد هناك إمكانية لاعتداء على التراب المغربي من طرف البوليساريو. وفي مجال استعراض الملابسات التفصيلية لمشروع الاستفتاء منذ أن طرح، أبرز اليازغي بأن المغرب لم يكن من ممكن أن يقبل بإقصاء 110 ألف صحراوي من التسجيل في قوائم الناخبين، محملا المسؤولية للأطراف الأخرى. وتساءل اليازغي، حول رفض البوليساريو وحماتهم عملية إحصاء اللاجئين من قبل الوكالة الدولية المعنية خلافا لما هو معمول في كل المناطق التي يوجد بها لاجئون، متسائلا عن مدى مصداقية ما يدعونه من تمثيلية في غياب هذا المعطى الإحصائي. وفي معرض حديثه عن آخر التطورات على مستوى مجلس الأمن، انتقد بعثة ال»مينورسو» التي تجاوزت حدود اختصاصها، وتحولت إلى آلة حرب ضد المغرب، وأكد على ما عبر عنه في مقال نشر في جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 28 يوليوز 2013، «في حالة إذا ما استمرت مثل هذه الضغوط، فلا يجب أن نكتفي بالقول بأن هذه اللجنة ليس لها الحق في أن تهتم بحقوق الإنسان، بل يجب أن نسرع ونطالبها بالرحيل عن الإقليم. وفي نهاية عرضه، أشار اليازغي، أن مقترح الحكم الذاتي الذي اعتبرته الأممالمتحدة ايجابيا وذا مصداقية لازال يتعرض للنسف من قبل أطراف النزاع الأخرى، لكن يقول المحاضر، إذا كان تطبيق الحكم الذاتي يتوقف على موافقة تلك الأطراف وتزكية الأممالمتحدة، فإن تطبيق الجهوية الموسعة في أقاليمنا الجنوبية هو بإرادتنا، فعلى الحكومة أن تعمل على التفكير في الموضوع وتسريع تقطيع الجهات خاصة أن المجلس الاقتصادي أعطاها بعدا استراتيجيا متكاملا. وقد تميز هذا اللقاء، بعرض لمجموعة من الصور لرموز الحركة الوطنية وشريط وثائقي لجزء من الذاكرة الجماعية، خاص ببناء طريق الوحدة مباشرة بعد الاستقلال بهدف التقاط الإشارات الداعمة لهذه المبادرة في التطوع المجتمعي، الشريط الذي حظي باهتمام الحضور المتميز.