على بعد حوالي أسبوعين من التجمع الكبير الذي سينظمه الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني SPD (23 ماي)، بمدينة لايبزغ بمناسبة مرور 150 سنة على تأسيسه، سيعلن الحزب عن مشروعه صحبة جزء من أحزاب اليسار الأوربي، تشكيل »تحالف تقدمي« أكثر حداثة، كإطار للعمل المشترك بين الأحزاب الاشتراكية والتقدمية، الخطوة يرى فيها البعض مبادرة لنسف الأممية الاشتراكية، وخلق إطار بديل عن هذه المنظمة العالمية العتيدة. الاشتراكيون الألمان يؤكدون منذ البداية أنهم واثقون من انخراط حوالي 50 حزباً ومنظمة سياسية اشتراكية خاصة المنتمية لشمال أوربا. ويلاحظ سيغمار غابرييل رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني لتبرير مبادرة حزبه أن وجود »أممية اشتراكية تشتغل سيكون اليوم أمراً مهماً أكثر من أي وقت مضى، ولكن لا فيما يتعلق بتجاوزات الأسواق المالية ولا حول التحديات العالمية الأخرى، لم تستطع الأممية الاشتراكية بلورة أدنى مساهمة جدية خلال السنوات الأخيرة...«. وبالرغم من هذا التصور، لن تختفي الأممية الاشتراكية كتنظيم عالمي يجمع الأحزاب الاشتراكية والتقدمية والعمالية عبر القارات الخمس، كما لا ينوي الاشتراكيون الديمقراطيون مغادرته، لأن الأممية الاشتراكية تجسد »تاريخاً وقيما كونية وإنسانية غالية، وتمثل شبكة علاقات مهمة وثمينة خاصة مع دول الجنوب، حسب هارليم ديزير الكاتب الأول للحزب الاشتراكي الفرنسي. وإذا كان الاشتراكيون الفرنسيون قد قرروا تقليص مساهمتهم المالية في تسيير هذه المنظمة إلى حوالي النصف (53,5 مليون أورو)، فإنهم لا يريدون إقبار هذه المنظمة التي تأسست في باريس سنة 1889 وتشغل سيغولين روايال حاليا منصب نائب رئيس الأممية. لكن يبدو أن للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني موقف واضح ومباشر، فإذا كان من الصعب عليه مغادرة الأممية الاشتراكية التي ترأسها ما بين 1976 إلى 1992 ويلي برانت الشخصية البارزة في الحزب الذي يعود له الفضل في تحقيق انفتاح الأممية الاشتراكية على دول الجنوب، فإن الزعيم الحالي للاشتراكيين الديمقراطيين الألمان سيغمار غابرييل قلص مساهمة الحزب في ميزانية المنظمة بحوالي 100 ألف جنيه استرليني لتغطية حضور الاجتماعات »لمراقب فقط« والسبب أن هذه المنظمة التي أثارت اهتمام والتزام العديد من القادة والزعماء (ويلي برانت، فرانسوا ميتران، ليونيل جوسبان، غيرهارد شرودر) والتي حاولت في وقت من الأوقات إيجاد حل للصراع الاسرائيلي الفلسطيني، أصبحت حسب تصور الألمان، عبارة عن نادي ضم لفترة طويلة في صفوفه العديد من الشخصيات والزعماء غير الديمقراطيين أمثال أحزاب الرئيس الفنزويلي السابق دانييل أورتيغا والرئيس الأنغولي مدى الحياة خوسي إدواردو دوس سانتوس، وحزب الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وحزب زين العابدين بن علي أو حزب لوران غباغبو الإيفواري الذي يمثل أمام المحكمة الجنائية الدولية للرد على تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وكان سيغمار غابرييل قد وقع في مارس 2011 مقالا مدويا في إحدى الصحف الألمانية بعنوان: »لا صحبة مع الدكتاتوريين« يطلب فيه من رئيس الأممية الاشتراكية اليوناني جورج باباندريو بالإقدام على عملية تطهير داخل المنظمة. وفي شتنبر 2012، بمناسبة المؤتمر 24 للأممية الاشتراكية في جنوب افريقيا، ساند الفرنسيون والألمان ترشيح السويدية مونا سالين لمنصب الأمين العام للمنظمة في مواجهة الشيلي لويس أيالا الذي يشغل هذا المنصب منذ 1989، لكنهم لم ينجحوا في مسعاهم، وأعيد انتخاب أيالا لولاية جديدة مدتها 6 سنوات. وكانت هذه الهزيمة مناسبة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني والحزب الاشتراكي الفرنسي والحزب الديمقراطي الايطالي وأحزاب أخرى لخلق نادي موازي للديمقراطيين الاشتراكيين الأوربيين لتطوير العلاقات مع أحزاب أخرى غير أعضاء في الأممية الاشتراكية مثل الجناح اليساري للحزب الديمقراطي الأمريكي أو الديمقراطيين البرازيليين والهنود. مبادرة تواصلت في دجنبر 2012 في روما بمناسبة مؤتمر الزعماء التقدميين التي نظمها الحزب الديمقراطي الايطالي. وإذا كان الاحتفال بالذكرى 150 لتأسيس الحزب يوفر مناسبة ذهبية للاشتراكيين الديمقراطيين الألمان لكتابة فصل جديد في تاريخهم، فإن بعض المراقبين يقدمون معطى آخر لتفسير استراتيجية الحزب. فالأمر، حسب هؤلاء، يعني أيضاً تطهير المجال من أي انحراف وتعبيد الطريق أمام الرئيس الحالي للبرلمان الأوربي، الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتز، بالترشح لمنصب رئيس اللجنة الأوربية. وإذا ما تمكن الحزب الاشتراكي الديمقراطي من العودة إلى السلطة في برلين بمناسبة الانتخابات التشريعية في شتنبر المقبل في إطار تحالف و اسع مع حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي بزعامة أنجيلا ميركل، فإنه عازم على الظفر بهذا المنصب لمرشحه وإقناع أنجيلا ميركل بأنه من الأفضل أن يقود اللجنة الأوربية يساري ألماني بدل محافظ من بلد آخر، ويعمل على إنعاش مشروع الاتحاد الأوربي، كما تريده وتراه ألمانيا. وحول توزيع المسؤوليات داخل »التحالف التقدمي« المرتقب، يقتصر رد الحزب الاشتراكي الديمقراطي على تأكيد أن الأمر سابق لأوانه، وأنه بالنظر الى تجربة الأممية الاشتراكية، فإن »القيادة ستكون بالضرورة جماعية«. الأممية الاشتراكية منظمة عالمية تجمع الأحزاب الاشتراكية والديمقراطية الاشتراكية والعمالية في مختلف أقطار العالم. تأسست في سنة 1889 بباريس تحت اسم »الأممية العمالية، وتحولت الى أممية اشتراكية سنة 1951 بفرانكفورت. وهي تضم 162 حزب ومنظمة سياسية. هدفها الرسمي يتمثل في »تعزيز الروابط والعلاقات بين الأحزاب المنمية إليها وتنسيق مواقفها السياسية وأنشطتها بالتراضي«، ويعدد إعلان مبادىء الأممية الاشتراكية أسس الاشتراكية الديمقراطية في 100 نقطة تتمحور حول مبادىء العدالة والحرية والتضامن وحقوق الإنسان ومراقبة التطور التكنولوجي... وتوجد الأمانة العامة بلندن، وتبلغ ميزانية الأممية الاشتراكية 1,5 مليون أورو وتمحول من مساهمات الأعضاء. تم في سنة 2006 انتخاب جورج باياندريو (اليونان) رئيساً للأممية وأعيد انتخابه سنة 2010. ومنذ 1989 يشغل منصب الأمين العام للمنظمة لويس أيالا (الشيلي).