يعتقد المحافظون الجدد المتأثرون ب»ليفي ستراوس» بإخلاص في «الثقافة»، نعم، إنهم يرون الثقافة باعتبارها مضادة للعقلانية السياسية ويمكن للمرء أن يذهب أبعد من ذلك و يقول ضد «السياسة» عامة ورغم أن المؤسسات الاجتماعية تبدو غير عقلانية كونها تجسد الحكمة التقليدية لأتباع «ليفي ستراوس» إلا أنه ينبغي الحفاظ عليها (مع التشبث بفكرة أن هذا الأمر ينطبق أكثر على المؤسسات الأميركية بالمقارنة مع المؤسسات العراقية أو الأفغانية) ويقول أتباع «ليفي ستراوس» إنه لا يمكن للإنسان مناقشة مسألة أن يكون مع أو ضد «الثقافة» بشكل جاد لأن الثقافة أعمق و أكثر غنى من العقلانية، وكم هم المفكرون اليمينيون الذين يعتقدون بأن «أتباع ليفي ستراوس» ينظرون إلى الطبيعة البشرية تحت ضوء ذابل. إن «ليفي ستراوس» وطلابه متشائمون، وهذا ما يَعُوق قدرة السياسة على الوصول للمتلقي )عكس الثقافة) إذ يعتقد مؤيدو «ستراوس» أن العنف سمة دائمة للعلاقات بين الدول وهذه حقيقة يرفض «الليبراليون» الاعتراف بها وأن الحضارة الغربية تعرف انحطاطا شديدا نظرا لانجذابها لآلهة التسامح و التعددية الزائفة وأن كيفية تصرف الناس أمرٌ لا تُقرره السياسة في الحقيقة ولكن الأخلاق، فهناك مجموعتان «أطفال النور» و»أطفال الظلام» ويبقى على العموم لأطفال الظلام اليد العليا، كما أن السياسة تدور حول القيم الثقافية ذات الطبيعة الدينية والأخلاقية وليس حول قضايا القوة أو الاقتصاد ولكن من أين يستطيع المرء معرفة هذا التعليل؟ بطبيعة الحال من خلال تنظيم «القاعدة» . وبحسب هذا المفهوم تُمثل «الإمبريالية» بالنسبة للمتشددين الاسلاميين مرادفا للهيمنة الثقافية وليس للقوة العسكرية أو للسيطرة الاقتصادية إلا إن أكثر ما يُؤرق معظم المتشددين هما عاملا «الإلحاد» و»تحرر الغرب» وليس «الثروة» أو»التكنولوجيا» ولهذا السبب فإنه من المضحك تقبلُ بعض الأصوات الأميركية التي ترى بأن سبب مهاجمة تنظيم «القاعدة» للولايات المتحدةالأمريكية راجع في الأساس لغيرتهم من حرياتهم المدنية. إن الحرب على العراق بالنسبة للمسلمين لم تُشن إلا من أجل الموارد المادية و الحدود الجغرافية السياسية أما عند العديد من السياسيين الغربيين فإنها حرب من أجل الديمقراطية والحرية إلا أن «ابن لادن» وأتباعه يعتبرونها حربا من أجل الدين والأخلاق، يقول عالِم السياسة الأمريكي الراحل «صموئيل هنتنغتون» في كتابه «صراع الحضارات «:إن «الطلبات العالمية» المتزايدة للغرب تتعارض مع أي طلبات للمجتمعات الأخرى ويُتابع «هنتنغتون» قائلا بأنه من الواجب على الغربيين أن يرضوا بكون طريقة حياتهم «فريدة من نوعها» و لكنها «غير شاملة» وعلاوة على ذلك يجب عليهم الدفاع عن هذه الطريقة ضد الثقافات «غير الغربية» و هنا يجب التوقف عن الالتزام بمصطلح «الحضارة» وبدلا من ذلك أن تقبل ثقافتنا كواحدة من بين ثقافات عديدة في العالم. ويكتب «هنتنغتون» في حديثه عن روح «المحافظين» و «القاعدة» أنه «لم تعد الفروق الهامة بين الشعوب ذات طابع إيديولوجي أو سياسي أو اقتصادي و لكن ذات طابع ثقافي» و بهذا يغدو قَبول هذا التصور ذا أهمية قصوى، لأنه يعني نهاية عصر «الأنوار» الغربي ?العصر الذي دافع فيه الغرب بشكل كبير عن استئناف الدفاع عن القيم العالمية- وبذلك يبدو تقريبا كما لوكان واجبا على الغرب الاكتفاء بنموذج متواضع للشرعية الذاتية وهذا بعد أن ساعد على تشويه القيم من خلال إجراءات خاصة به ولكن هذه النكسة ليست كبيرة كما يبدو، فبالنسبة ل»هنتنغتون» يحق للغرب المطالبة بالتصريح بتفوق ثقافته على الثقافات الأخرى رغم أن هذا الطلب لا يمكن نقضه بالطرق القديمة وجعله صالحا للقيم المدنية العالمية وبهذه الطريقة يُصبح ممكنا الجمع بسهولة بين الواقعية والتفوق-أو الثقافة والحضارة. يَعتقد المحافظون مثل «هنتنغتون» أن الغرب يمكن أن يُقدم دفاعا عقلانيا عن طريقة حياته رغم أن «عقلانية» تلك الفترة ينبغي إلى حد ما أن يعاد النظر فيها مرة أخرى ومن هذا المنطلق يُمكننا القول بأن تبنينا لموقف الفيلسوف الراحل «ريتشارد رورتي» بعدم إمكانية اعتماد دفاع كهذا لإقناع المنتمين للثقافات الأخرى ليس سوى خطوة صغيرة لأن مسألة ماهية الحُجَّة العقلانية تُحدده و تُقرره في الواقع «الثقافة». يُمكن أن يكون هذا التصور جيدا و مقبولا لأنه لا يوجد أساس عقلاني مشترك بيننا و بين الإسلاميين المتشددين وإذا كان الأمر كذلك فإن الغرب في موقف لا يُحسد عليه نظرا لحاجته إلى الدفاع عن نفسه ضد العدو القاتل ومن خلال هذا الدفاع سيَسحب الغرب أرضية إيديولوجيته الخاصة به من تحت أقدامه.