يحتفي الأصدقاء بك اليوم في جلسة يسكن الشعر أوصالها، تنتشي بنشيد البجع. واللقاء مجالسة للمحبة فيها نصيب، ومكاشفة للخفي من اللحظات التي عاشها شاعر، جعل النص سيرته، وسرائره. نحن نطمح أن يحتفى بالرموز نعايشها وهي تبدع ضمن مجالاتها، لا رثاء يواكب فقدانها. سنعاتب أو سنحاسب يوما، لأن رموز ثقافتنا يرحلون تباعا، وسرعان ما يتناسى الجميع تواريخهم، يصبح البعض في لحظة: علما لزقاق، وعنوان قاعة درس بكلية، أو مسمى لجمعية، أو شعار مناظرة، قد سئمنا البكاء وما يشبه الاستجداء ونحن نرى زمرة المبدعين، وقد نخر الداء أجسادها، تتسول كيما تعيش. يصعب الآن أن يتمسك شخص بموقفه ومبادئه، بعدما اشتبكت في بحار المصالح جمهرة الراغبين اقتناص الفرص. ينبري للمنابر يخلقها، ثم سرعان ما ينزوي، عندما يتباعد ذاك المسار عن الأصل، تبدو الجماعة في لهف، تتغيا المكاسب، نائية عن أصول الثقافة، عابثة بالقيم. كنت أنت البصير، وعميان قومك ضاعت بصيرتهم، وقليلا أقل، ستبدو السبيل بأضوائها، تقتفي زمرة الواصلين. إن من كان همه شعرا، محال تنال مسيرته، راجمات الظنون. هي فاس التي احتضنه صبيا، فعايش أحلامها شاعرا، وبساحة أطلسها، وعذابات مهرازها، كان يبحث للنص أحيازه، مستجيبا لهم القصيد. فالذي يقلق الشاعر المتمرد داخله، لغة تتأبى انصياعا، يصارع كي يخلق اللغة الثانية. قد يصادف معنى على سفر، فيرافقه، بيد أن ظلال المسافات تأخذه في متاهاتها، ينحت النص يخلقه كائنا، يرتوي بالأساطير والفلسفات وكل الفنون وروادها، فيذوب الذي كان صادفه، لتطول دروب الحياة نصوصا، يصارع في خلقها. يستجيب ابن طلحة حين تر اوده للكتابة أشجانها، فقميصه قد قُد من قبل، تبثت بالقراءة أفعاله، وأقر بعمق جريرته، فاستحق اعترافا بإبداعه. ركب الوزن من زمن، فبدا السير غير مريح، وضاق الحذاء، فكان الخلاص، تملص من تبعات الأعاريض، يخلق إيقاعه، سابحا، وبعكس المياه سباحته، يتحدى التيار كمن يبحث العمق عن درر مفتقد. لتظل الشواطئ قوقعة العابرين على موجة، تنتهي في الرمال. وهنا أتذكر نصا لراجع في مثل هذا المقام، يقول: «سلام عنيبة لم أكتب اليوم شيئا فقد طار سرب الحمام وخلف لي ريشه أتريد القصيدة يا صاحبي أم تريد الظلال»