قليلون هم الذين حين تجالسهم لا تشعر بمرور الوقت ، ولا يتسرب الملل إليك وهو يحكي ويتذكر ويربط الماضي بالحاضر في سيرورة حكواتية ذات نكهة شعبية خالصة . عبد الإله عاجل أحد هؤلاء ، ابن درب الأحباس الذي عايش تقلبات المسرح من صعود وهبوط ، وتواثر المغامرة الفنية في زمن النهوض والتقهقر ، وربط بفرادة بين القول والتأمل ، بين الضحك وهموم الواقع ، عرف كيف يكتسح الساحة رفقة مسرح الحي في مسرحيات شهدت إقبالا جماهيريا كبيرا ، ويثري المسرح المغربي بتجارب هامة سواء في رائعة الزهرة بنت البرنوصي أو في مسرح الكاف لكن قبل هذا وذاك ، يبقى عاجل الإنسان ، صاحب الذاكرة الثرية والعين الثاقبة هو المستهدف من خلال هذه السلسلة ، التي تسعى إلى إعادة رسم مرحلة من تاريخ جيل عانى وكابد فنجح هنا وأخفق هناك ، غنى ورثى وضحك وحزن ، في مسرح الحياة وحياة المسرح بعد « الديموغراضي « سيواصل عاجل تجاربه المسرحية في إطار « مسرح الكاف « وهذه المرة ب «سعادة الرايس» ، وهي توليفة تجمع بين التجريبي والشعبي، ومحاولة لتقديم عمل يحظى بإقبال الجمهور مع الحفاظ على جدية الطرح والموضوع، ويؤكد عاجل أن الإقبال الجماهيري الذي عرفته دليل على نجاح هذا الاختيار، رغم بعض النقائص التي عرفتها العروض الأولى وعلى رأسها طول المسرحية الذي ناهز الثلاث ساعات، وهو ما حاول تداركه في العروض اللاحقة النص الذي اعتمدت عليه المسرحية ، والذي ألفه محمد اليوسفي ، تعود كتابته إلى عقد الثمانينيات لكن عاجل قام بتحيينه ، ليجيب عن التساؤلات الحالية التوليفة التي تم الاعتماد عليها لتقديم المسرحية ، يوضح عاجل ، تعتمد على الرموز وهو ما يعطي لأي موضوع تفرده ، ففي «سعادة الرايس» يظل الرمز الأساسي الذي تقدمه هو الباب المسدود ، عندما وجد الزعماء أنفسهم محاصرين في غرفة لا منفذ منها ، مع النادل الذي يكشف نقط ضعفهم ، والذي يمكن اعتباره ضمير المسرحية وروحها النقدية ، أي أنه يمثل بشكل من الأشكال رأي الجمهور نفسه وموقفه من هؤلاء الزعماء الذين اجتمعوا فقط ليقرروا عدم الاجتماع، مما يعبر عن خواء هذه الزعامات وعجزها المسرحية تتضمن جرعة كوميدية يعتبرها عاجل ضرورية ومقصودة ، رغم جدية الموضوع ، وهو أمر ليس بالجديد ، فقد كان لابد من تمرير الخطاب ، وهو هنا ذو حمولة سياسية ، بشكل بسيط وكوميدي حتى لا نقع في فخ الرتابة اعتمد عاجل خلال إخراجه للمسرحية على تقنيات خاصة ، اغترفها من «المسرح الفقير»، فهناك تقشف واضح في الديكور ، مع الاعتماد على الحضور الجسدي للممثلين ، الذين ملؤوا بأدائهم وحضورهم القويين الخشبة ، وعلى الإنارة وتقنية الفلاش باك ، والحفاظ على التوازن بين الممثل والديكور حتى لا يتم السقوط في فخ المسرح النخبوي. حصلت المسرحية على دعم وزارة الثقافة لكنها لم تستدعى للمشاركة في المهرجان الوطني للمسرح بمكناس ، بل إنه تم التغاضي عن استدعائها للمشاركة في الإقصائيات المؤهلة للمهرجان ، وهو ما لم يجد له عاجل جوابا لحد الآن لكن المثير هو أن المسرحية حظيت أيضا بدعم من جهة الدارالبيضاء الكبرى آنذاك ، وقد تمت الموافقة كتابيا على الدعم ، وعندما توجه عاجل إلى المصالح المعنية لاستلامه أخبروه أن الغلاف المالي المخصص لدعم الأنشطة الثقافية قد استنزفت ، رغم أن الفرقة كانت تعول على هذا الدعم لتغطية مصاريفها العديدة نصحه أحد المسؤولين بتغيير القانون الداخلي للجمعية وأن يضيف الاجتماعية إلى الثقافية للاستفادة من دعم الصندوق المخصص للمساعدات الاجتماعية ، لم يفهم عاجل الأسباب التي تضطره لذلك وهذه التخريجات البيروقراطية ، لكنه أراد أن يجرب هذه اللعبة إلى الآخر ، ففعل ما طلبوا منه ، وعندما عاد بملفه جاهزا أخبروه الميزانية المخصصة للقضايا الاجتماعية استنزفت أيضا ، وأن عليه أن يضيف كلمة رياضية للجمعية حتى تستفيد من الدعم ، فعل ذلك أيضا وعندما عاد أخبروه مرة أخرى أن الميزانية المخصصة لدعم الرياضة بدورها استنزفت وأنه لا مناص من الانتظار للسنة الموالية للاستفادة ، لكن عليه أن يغير القانون مرة أخرى ويعيده كما كان في البداية ، ليستفيد من الدعم المخصص للثقافة هذه الحكاية «الكافكاوية» ستلهم عاجل لتضمينها في سلسلة كوميدية تحمل عنوان « المزاح فيه وفيه « والحلقة المخصصة لتجربته هذه سماها « المحنة عفوا المنحة « بعد ذلك ، كان لعاجل لقاء مع محمد مهيول ، الذي شارك بدور النادل في مسرحية « سعادة الرايس « وهذه المرة في سلسلة « سير حتى تجي « التي قدمتها القناة الأولى في رمضان ، كان مهيول يقدم دور نادل لكن عاجل ، على هامش تصوير المشاهد ، سيخبر المشاركين أن دور النادل الذي أداه في مسرحية «سعادة الرايس» كان متميزا وأثار انتباه كل من شاهد المسرحية ، فشكره مهيول مضيفا أنه يتمنى أن يشاهده في المسرح الفردي ، وقدرته على تقمص عدة أدوار في نفس الوقت ، وهو ما قام به ساعتها ، حيث قام بثلاثة أدوار في ظرف ثلاث دقائق ، دور الأب وهو جندي والأم غسالة والابن العاق ، لم تكن هذه الأدوار غريبة عن عاجل فقد سبق له أن شاهدها في بداية الثمانينات ، قال ذلك لمهيول فأخبره أن الأمر يتعلق بمسرحية « صرخة عبدو والكراكيز» للراحل حوري الحسين وهي عبارة عن سيرة ذاتية قدمها حوري في إطار المسرح الفردي وشارك بها في المهرجان الوطني لمسرح الهواة وبعد ذلك قدمها مهيول ، بموافقة وتشجيع من حوري الحسين ، حيث اعتمد على دمية ضخمة كان هو من صنعها طلب عاجل من مهيول أن يلتقيا بعد نهاية هذه السلسلة وهو ما تم ، وقد تم اللقاء بين الاثنين في فضاء المعلمين بعين الشق بالدارالبيضاء ، عندها اقترح عاجل تقديم مسرحية « صرخة عبدو والكراكيز» في حلة جديدة تكريما للراحل حوري الحسين واعترافا لما قدمه للمسرح المغربي ، أعجب امهيول بالفكرة واعتبر أنها بالفعل ستكون أفضل تكريم للراحل وتتعدي في رمزيتها كل كلام يقال في حقه لكن المشكلة أن مهيول لم يكن يتوفر على نص المسرحية ، غير أنه كان يحفظها عن ضهر قلب ، وهكذا سيعقد الاثنان لقاءات متواصلة في نفس الفضاء وعلى مدار 12 يوما ، مهيول يستعرض وعاجل يكتب ، مشهدا وراء آخر حتى انهياها وضع عاجل تصورا جديدا لإخراج المسرحية ، واختار لها عنوان جديد هو « كان اهنا « ، حيث حولها من تصور المسرح الفردي أو الممثل الواحد الذي يؤدي كل الأدوار إلى تصور يعتمد على ثلاثة ممثلين ، حيث أدى عاجل دور الأب ، حارس السجن ، مدير معمل تصبير السمك وأستاذ الرياضيات ، وقام مهيول بأداء دور الابن في سن الطفولة وفي ريعان الشباب فيما أدت الزوهرة نجوم دور الأم ، الممرضة ومتعهدة الحفلات ، فيما تكفل عصام عاجل بالمسائل التقنية كما فعل ذلك في مسرحية «سعادة الرايس « و « القضية في البرقية» عرضت المسرحية في عدة مدن وحظيت بإقبال كبير ، وعرضت أيضا في التلفزيون ، وقد تلقى عاجل طيلة العروض تهاني العديد من عشاق المسرح والكتاب والمثقفين ، منهم من كان قد سبق وشاهدها عندا أداها لأول مرة صاحبها حوري الحسين وكانت بالفعل أفضل تكريم لروح المسرحي الراحل في الموسم الثقافي القادم يستعد عاجل لتقديم مسرحية جديدة مواصلا تجربة مسرح الكاف ، وهذه المرة بمسرحية « صرخة شامة « وهي من تأليف الكاتب والصحافي حسن نرايس والحقيقة فإن العلاقة بين عاجل ونرايس ، تعود إلى سنوات طويلة ، فحسن نرايس ، ابن الحي المحمدي ، كان متتبعا لتجربة مسرح الحي ، ويؤكد عاجل أنه كان يحرص على متابعة كل المسرحيات التي قدمتها الفرقة وكثيرا ما استفادت المجموعة من ملاحظاته وتعاليقه بعد أن قرأ عاجل مؤلف حسن نرايس» الضحك والآخر ، صورة العربي في الفكاهة الفرنسية» أعجب كثيرا بأسلوبه في الكتابة وحسه النقدي الساخر فاقترح عليه أن يكتب له نصا يصلح للمسرح تردد نرايس في البداية ، إذ لم يسبق له أن خاض هذه التجربة ، الكتابة للمسرح ، لكن عاجل ألح ، وبعد عدة أيام سيقدم له نرايس نصا بعنوان « شامة « التي تستلهم أحداثها، وفق رؤية إنسانية ، من تفجيرات 16 ماي الإرهابية أعجب عاجل بالحبكة الدرامية التي استعملها نرايس في بناء شخصية شامة ، التي تناجي العالم بأسره وتعاتبه عن موت زوجها في هذه التفجيرات ، ويؤكد عاجل بأنه شعر بصرخة قوية ، عميقة وجد مؤثرة ولذلك عنون المسرحية ب « صرخة شامة « التي اشتغل عليها طيلة الأشهر الماضية وأنهاها في رمضان الأخير ، لتصبح جاهزة للعرض في الأسابيع القادمة